قبل انتخابه، وعد دونالد ترامب الأمريكيين بالعودة إلى النظام والقانون، ومنذ توليه الرئاسة عمل على الوفاء بالالتزام الذي قطعه على نفسه، عن طريق سياسات وُصفت بأنها لم تقدم جديدًا ولا تضع في الاعتبار إحصائيات الجريمة.
تخطئ سياسات ترامب الهدف، إذ تستهدف المهاجرين باعتبارهم سببًا للجرائم العنيفة، مع أن العكس هو الصحيح وفقًا لمقال نشره موقع «Vice».
ترامب يُحكم الخناق على المهاجرين
يرتكب المهاجرون عددًا أقل بكثير من الجرائم مقارنةً بالأمريكيين.
في الفترة الأخيرة، أصدر وزير الأمن الداخلي الأمريكي «جون كيلي» مجموعة مذكرات تسمح بالتوسع في اعتقال المهاجرين وترحيلهم، وتعطي الضوء الأخضر لتصميم جدار أمني يعزل الجنوب الأمريكي عن المكسيك، بحجة الحفاظ على الأمن العام.
ولتبرير سياساته، يضرب ترامب ومؤيدوه أمثلةً بحالات فردية لبعض الجرائم التي ارتكبها مهاجرون، مثل مقتل فتاة على يد مهاجر غير شرعي سبق أن رُحِّل عن أمريكا خمس مرات، لكن كاتب المقال يرى أن ما حدث لتلك الفتاة، رغم مرارته، إنما يُساء استخدامه في قضية المهاجرين، الذين أثبتت الأرقام أنهم ليسوا بهذا السوء.
البحث العلمي يكشف وجه المهاجرين الحقيقي
تشير أبحاث كثيرة إلى أن المهاجرين ليسوا أشخاصًا يميلون إلى العنف كما يصورهم ترامب، وتتفق الدراسات على أنهم يرتكبون عددًا أقل بكثير من الجرائم مقارنةً بالأمريكيين، بل إن الأبحاث تُنصف المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين على السواء.
بالإضافة إلى ذلك، تُظهر النتائج البحثية الجديدة أن المهاجرين ربما كانوا سببًا في خفض نسبة الجريمة في الأماكن التي يعيشون بها، إذ حلل الباحثون بيانات جنائية تخص مئتي منطقة حضرية كبرى بين عامي 1970 و2010، ووجدوا أنه مع ازدياد عدد السكان غير الأصليين بنسبة 1%، تقل الجرائم العنيفة بمعدل خمس جنايات لكل مئة ألف نسمة.
وجدت الدراسة أن معدلات الجرائم العنيفة، خصوصًا القتل، لا تزيد في المدن التي تمثِّل مداخل استقبال المهاجرين، مثل نيويورك وشيكاغو وميامي، وإل باسو في تكساس، إذا قورنت بغيرها من المدن، بل ربما تقل أحيانًا. وربما يكون هذا تفسيرًا لانخفاض معدلات الجريمة بنسبة 48% خلال الفترة التي زاد فيها عدد المهاجرين غير الشرعيين من 3.5 مليون إلى 11.2 مليون مهاجر.
وتُعد منطقة كانارسي في حي بروكلين بمدينة نيويورك مثالًا جيدًا على الاستفادة من المهاجرين، في رأي الكاتب، إذ وجد الباحثون أنه مع خروج كثير من السكان البيض من المنطقة في تسعينيات القرن العشرين، عاد التوازن إليها نتيجة تدفق المهاجرين الذين جاء معظمهم من الكاريبي، بعد أن هددها نقص السكان وسحب الاستثمارات.
واليوم تتمتع كانارسي بمعدلات فقر أقل من المتوسط، كما انخفضت معدلات الجريمة بها عن المتوسط عام 2010، بعد أن كانت تفوقه في 1990.
مهاجرون أكثر، جرائم أقل
ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين يرتكبون جرائم طبيعي، لكن ترامب يريد إجلاء الجميع دون تمييز.
يرى الكاتب أن هناك أسبابًا منطقية تجعل المهاجرين أقل رغبةً في ارتكاب الجرائم، فهم يملكون حافزًا أعلى من السكان الأصليين لتحسين مستوى معيشتهم، كما سيكونون الخاسر الأكبر إذا فشلوا في تدبير أمور حياتهم وتحقيق الاستقرار، خصوصًا لو كانوا قد دخلوا البلاد بطُرُق غير شرعية، أو كانت عائلاتهم تنتظر ما يرسلونه من عوائد.
يسكن كثير من المهاجرين أحياءً سيئة الأوضاع، لكن وجودهم يؤدي إلى زيادة فرص عمل السكان الأصليين، كما أنهم يخلقون مؤسسات اجتماعية جديدة ويعززون القائم منها في الأحياء التي يقطنونها، ممَّا يجعل تلك المجتمعات أكثر أمنًا واستقرارًا.
التنمية بدلًا عن إقصاء المهاجرين
قد تساعد الاستثمارات في استقرار الأحياء التي تعاني من معدلات جريمة مرتفعة، وهذا ما دعا إليه اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من ولاية إلينوي لضبط الأوضاع في مدينة شيكاغو، التي يتخذها ترامب مثالًا عند حديثه عن المهاجرين والجريمة.
بينما قد يبدو طبيعيًّا أن يُرحَّل المهاجرون غير الشرعيين الذين أدينوا بارتكاب جرائم عنيفة، إلا أن تعليمات ترامب تدفع باتجاه إجلاء المهاجرين بوجه عام دون تمييز، وهذا هو العيب الأساسي لسياساته في رأي الكاتب، بالنظر إلى الدراسات التي تثبت أن المهاجرين يجعلون مجتمعاتهم أكثر أمنًا.
لقد وعد ترامب الأمريكيين باستعادة الأمن، ولهذا يضخ كميات هائلة من الأموال لإحكام غلق حدود البلاد، رغم أن هذا لن يحقق استقرارًا حقيقيًّا، وربما كان الأَوْلَى أن يستثمر هذه الأموال في تعزيز المجتمعات المحلية، حتى إن بدا ذلك حلًّا يستغرق وقتًا أطول.