يمكن للبشر أن يفعلوا كل صور التمييز على أساس الطبقة الاجتماعية، فيبني الأغنياء قصورًا ويعيش الفقراء في بيوت رثة، ويشترون حاجاتهم من أماكن مختلفة، ويبحثون عن الترفيه بطرق متباينة تمامًا، لكن الطبيعة لن تفرق بالتأكيد بين المُترفين والمحتاجين إذا قررت صب غضبها على إحدى المدن.
هذه هي الفكرة الشائعة، لكنها لا تبدو صحيحة تمامًا، فبحسب مقال منشور على موقع «هافينغتون بوست»، حين يتعلق الأمر بقدر الدمار الذي أحدثه إعصار «هارفي» ونوعه، اختارت الكارثة الطبيعية، كأي سياسي فاسد، أن تنحاز إلى الأغنياء.
سد بشري من الفقراء والمُلوَّنين
أصبحت المناطق الفقيرة أشبه بدروع تمتص تأثير السيل تدريجيًّا قبل أن يصل إلى المناطق الموسرة.
«هارفي» هو أقوى إعصار يضرب الولايات المتحدة الأمريكية منذ 10 سنوات تقريبًا، وأدى إلى سيول هائلة بطول ساحل ولاية تكساس وأجزاء من ولاية لويزيانا، وتتابع «هافينغتن بوست» تأثير العاصفة في واحدة من سكان منطقة «مايرلاند»، قرب وسط مدينة هيوستن في تكساس، وهي منطقة حضرية معظم سكانها من أبناء الطبقة المتوسطة البيض.
بحسب المقال، لم يكن هارفي أول كارثة طبيعية تعانيها مايرلاند، لكن المنطقة دائمًا تتجنب الأسوأ، إذ عادةً ما تسقط الأمطار بشدة وتؤدي إلى دمار أكبر على الجانب الشرقي من المدينة، حيث تعيش نسبة أكبر من السود والأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية، أما بالنسبة لمايرلاند فالوضع مختلف.
يرى كاتب المقال أن تخطيط هيوستن يعكس تاريخًا طويلًا من العنصرية، إذ تمركز السكان الأكثر ثراءً، البيض عادةً، في مناطق أكثر أمنًا، في حين استقر الفقراء بعيدًا عن المركز، لتصبح مناطق سُكناهم أشبه بدروع تمتص تأثير السيل تدريجيًّا قبل أن يصل إلى المناطق الموسرة، بالإضافة إلى التجهيز الأفضل الذي حصلت عليه أحياء الطبقة المتوسطة والغنية للتعامل مع الكوارث.
قد يهمك أيضًا: نصف ثروات الأرض بين أيدي 8 رجال
فقط عندما تكون الكارثة هائلة الحجم، مثلما حدث مع «هارفي»، تصل إلى المناطق الأغنى، ويكون تأثيرها عندئذ مضاعفًا على الأحياء الفقيرة. ففي حين بلغ عمق الفيضان في مايرلاند قرابة متر ونصف، مضطرًا بعض الناس إلى السباحة للوصول إلى قوارب الإنقاذ، بلغ عمق المياه في منطقة مانشستر التي تقع إلى الشرق قليلًا من وسط المدينة قرابة 2.74 مترًا.
جدير بالذكر أن 90% من قاطني مانشستر ملونون من أصول لاتينية، وفقد قرابة 30 ألفًا منهم بيوتهم بسبب الإعصار.
دليلك للنجاة في حالات التسريب الكيميائي
علاوةً على الموقع الجغرافي الذي تحتله الطبقات الأفقر، وهو الموقع الأكثر عرضةً للكوارث، يعاني هؤلاء كذلك تبعات أكبر للسيول بسبب التلوث الذي يصحبها، إذ يعجز ساكنو هذه المناطق عادةً عن الاحتجاج ضد المصانع المُنشأة بجوار بيوتهم ومدارسهم، التي تؤدي إلى تلويث بيئة سكنهم في الظروف العادية، وينتج عنها مآسٍ مضاعفة في أوقات الكوارث.
بحسب المقال، يؤدي الفيضان إلى نشر النفايات السامة التي تخرجها مصانع البتروكيماويات والزيوت، والمنتشرة في مناطق سكنى الملونين والفقراء في هيوستن، لتبث هذه السموم في أنحاء ضواحيهم، وتضيف كوارث جديدة إلى كارثة الإعصار، وذكر السكان أنهم شموا رائحة مواد كيميائية غير محتملة في المناطق المحيطة بهذه المصانع.
بسبب تسريب كيميائي يوم الإثنين 28 أغسطس 2017، طلب المسؤولون من سكان بعض المناطق أن يتخذوا «مأوًى منزليًّا»، ويعني هذا إغلاق جميع الأبواب والنوافذ وأي منفذ آخر كمكيِّف الهواء، والجلوس داخل البيت حتى تقل نسبة السموم في الهواء المحيط.
ويُتوقع أن يصل حجم مُلوِّثات الهواء بسبب مثل هذه التسريبات الناتجة عن الإعصار إلى قرابة 500 ألف كيلوغرام.
ليس على الفقراء إذًا أن يتحملوا التبعات المباشرة للإعصار فقط، من تدمير لمنازلهم ومرافقهم العامة، أكثر من غيرهم، لكن حتى هؤلاء الذين قد تنجو بيوتهم من السيل يحاصرهم الهواء الملوث، بسبب التوزيع غير العادل لمصانع البتروكيماويات، التي تميل إلى التجمع في مناطق لا صوت لها وتعجز عن الاحتجاج.
اقرأ أيضًا: لماذا علينا ألا ننبهر بتبرعات الأثرياء؟
لنُعِد الآن تعمير المناطق الأقل تأثرًا
بحسب «هافينغتن بوست»، لا يقتصر التمييز بين الموسرين والمعوزين على الأضرار التي تلحق بهم فقط، وإنما كذلك على مدى استفادتهم من التعويضات الحكومية التي تتلو الكارثة.
مع حجم التكاليف التي تنفقها المدينة على برامج التعويض والإنعاش اللاحقة للفيضانات، بسبب التاريخ الطويل للكوارث الطبيعية في هيوستن، التي أدت السيول فيها منذ عام 1960 إلى قتل أعداد تفوق ضحايا السيول في أي بلد آخر، فإن إنفاق هذه الموارد يُوَزَّع على الأغنياء والفقراء دون مساواة، مضيفًا إلى المحتاجين مزيدًا من التكاليف.
لا تجبر حكومة تكساس المسؤولين المحليين على الالتحاق بالبرنامج الوطني للتأمين من الفيضان، ويعني هذا أن المناطق المختلفة تلجأ إلى سُبُل مختلفة لتعويض خسائرها، وعادةً ينتهي الأمر إلى فوائد أقل لصالح الفقراء والملونين، ويُضاف إلى ذلك القدرة الأعلى للمناطق الغنية على التعافي بسبب وفرة مواردها.
قد يعجبك أيضًا: العنصرية لا تقتصر على الكبار
بعض المناطق الأغنى لم يصل إليها الفيضان أصلًا، فظلت جافة ولم تعانِ انقطاع الكهرباء، إذ كان لديها مجموعة من وسائل الحماية، من سدود صخرية طبيعية وسدود صناعية وقنوات تصريف، تحجز كلها المياه عن بلوغ هذه المناطق أو إيذائها.
يكشف إعصار «هارفي» عن غياب تام للمساواة في تكساس على جميع المستويات، ابتداءً بالتوزيع الديموغرافي للسكان، وتوزيع المصانع والمُلوِّثات، وتوزيع الموارد الطبيعية، وتوزيع برامج التأمين وإعادة التعمير، وينتهي هذا كله إلى غياب مساواة في ما يتعلق بتوزيع مياه الفيضان كذلك، وهي تقريبًا الحالة الوحيدة التي يحصل الفقراء فيها على النصيب الأكبر.