ساد اعتقاد بين المهتمين بالعلوم التربوية أن تَمَكُّن الطلاب من العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أولوية أساسية تساعد على إيجاد فرص عمل جيدة. غير أن دراستين جديدتين أجرتهما شركة غوغل أظهرتا أن الحاجة إلى مهارات التواصل تفوق في أهميتها المهارات التقنية، وبهذا اتضح أن ما يُقال عن أهمية العلوم قبل أي شيء تبسيط فج لما ينبغي على الطلاب أن يتعلموه.
يسعى مقال نُشِرَ على موقع الواشنطن بوست إلى توضيح ما اكتشفته غوغل عن موظفيها، وما يعنيه هذا للطلاب الذين يرغبون في اقتحام سوق العمل.
الفارق بين المهارات التقنية ومهارات التواصل
المهارات التقنية (Hard Skills) يمكن تعلمها واكتسابها ويسهل قياسها. نستطيع اكتساب المهارات التقنية في المدرسة، أو من الكتب، أو أي أدوات تدريب أخرى، أو حتى عن طريق ممارسة الوظيفة.
عادةً ما نذكر مهاراتنا التقنية في السيرة الذاتية، وهذه أمثلة عليها:
- إجادة لغة أجنبية
- شهادة جامعية
- سرعة الكتابة على الكمبيوتر
- تشغيل الأجهزة
- البرمجة
أما مهارات التواصل (Soft Skills)، فمن الصعب قياسها، وتتعلق بقدرتك على التواصل مع الناس والتفاعل معهم. وهذه أمثلة عليها:
- المرونة
- القيادة
- الصبر
- التحفيز
- القدرة على الإقناع
- العمل الجماعي
- إدارة الوقت
- القدرة على حل المشكلات
غوغل تختار الطلاب الحاصلين على أعلى الدرجات
ينصح الخبراء والأهالي الطلاب بالتركيز على المهارات التقنية والمواد العلمية من أجل إعدادهم للانضمام إلى سوق العمل، لكن غوغل اكتشفت خطأ هذا الرأي. المثير أن هذا البحث صادر عن غوغل، وهي من أكثر الشركات إصرارًا على المهارات التقنية.
«سيرجي برين» و«لاري بايج»، التقنيان البارعان، أسسا غوغل على أساس الاعتقاد بأن دارسي التكنولوجيا هم فقط من يفهمونها. ووضعت غوغل أسس التوظيف لديها لتتمكن من اختيار طلاب علوم الكمبيوتر الحاصلين على أعلى الدرجات من صفوة الجامعات العلمية.
لكنها صُدمت في أسس اختيار موظفيها
في عام 2013، قررت غوغل أن تختبر فرضياتها الحاكمة لعملية التوظيف عبر تحليل كل جزء من بيانات عمليات التوظيف والفصل والترقية منذ تأسيس الشركة في 1998، وأطلقت على العملية «مشروع أوكسجين».
صدمت النتائج الجميع حين أظهرت أن من بين أهم ثماني صفات يتميز بها أفضل الموظفين، تأتي الخبرة في المواد العلمية في المرتبة الأخيرة.
أهم مميزات تحقيق النجاح في غوغل كلها في مهارات التواصل:
- أن تكون مُدربًا جيدًا
- أن تتواصل وتصغي جيدًا
- أن تملك بصيرة تجعلك تفهم قيم الآخرين ووجهات نظرهم التي قد تختلف عنك
- أن تتعاطف مع زملائك وتدعمهم
- أن تكون مفكرًا ناقدًا
- أن تتمتع بقدرة على حل المشكلات
- أن تملك قدرة على ربط الأفكار المعقدة
قد تبدو هذه الصفات أشبه بما يكتسبه شخص تخصصه الأساسي في الجامعة هو اللغة الإنجليزية أو المسرح، وليس مصمم برامج، ولهذا تتساءل كاتبة المقال إن كان أفضل موظفي غوغل ينجحون «رغم» التدريب التقني الذي حصلوا عليه، وليس بسببه.
غوغل تبحث عن دارسي العلوم الإنسانية
لتحقيق النجاح، يجب أن يشعر كل عضو في الفريق بالثقة في أنه يمكنه أن يتحدث بحرية ويخطئ.
استعانت غوغل بعلماء أنثروبولوجيا (علم الإنسان) وعلماء أعراق بشرية (الإثنوغرافيا) لتحليل البيانات التي أظهرها البحث، وقررت أن تتوسع في التعيينات لتضم أشخاصًا تخصصوا في الدراسات الإنسانية، وفنانين، وحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال، رغم أن هؤلاء كان مستبعدين من قبل وفق ما ذكرته الكاتبة.
أما «مشروع أرسطو»، وهو دراسة أصدرتها غوغل في 2017، فيؤكد أيضًا أهمية مهارات التواصل حتى في بيئات العمل التكنولوجية.
حللت الدراسة بيانات تخص فرق عمل إبداعية وإنتاجية. وتفخر غوغل بفرق «A» التي تضم أنبغ العلماء أصحاب المعرفة المتخصصة، الذين لا يجدون صعوبة في الوصول إلى أفكار مبدعة، لكن تحليل البيانات أظهر أن أهم الأفكار الجديدة وأكثرها إنتاجية تأتي من فرق «B»، التي تضم موظفين ليسوا دائمًا الأكثر ذكاء.
أظهرت الدراسة أن أفضل الفرق في غوغل يتمتع أفرادها بمجموعة من مهارات التواصل، هي المساواة، والكرم، والفضول تجاه أفكار أعضاء الفريق، والتعاطف، والذكاء العاطفي. أما الصفة الأهم، فهي الشعور بالأمان العاطفي، فلا توجد بلطجة بينهم. فمن أجل تحقيق النجاح، يجب أن يشعر كل عضو في الفريق بالثقة في أنه يمكنه أن يتحدث بحرية ويخطئ، يجب أن يشعر بأن هناك من يستمع إليه.
اقرأ أيضًا: المكتب المفتوح: لعنة أصابت الموظفين في مقار عملهم
المهارات الإنسانية تُعِدُّك لمواجهة العالم
تتزامن الدراسة التي أجرتها غوغل مع دراسات أخرى تحاول فهم الأسرار التي تصنع موظفًا ناجحًا في المستقبل. ويوضح مسح حديث شمل 260 صاحب عمل، أجرته المؤسسة القومية للكليات وأصحاب الأعمال، التي تضم شركات صغيرة وأخرى ضخمة مثل «شيفرون» و«IBM»، إن مهارات التواصل ضمن أهم ثلاث صفات تبحث عنها الشركات.
تثمن الشركات القدرة على التواصل مع الموظفين، وتمثيل منتج الشركة ومهمتها في الخارج. لا يمكن إنكار أهمية المهارات التقنية، لكن التكنولوجيا وحدها ليست كافية كما يؤكد «ستيف جوبز»، مؤسس شركة «آبل»، فهناك حاجة كبيرة إلى خبرة من لديهم مهارات إنسانية وثقافية واجتماعية، إلى جانب المهارات الحسابية أو التقنية.
لا ينبغي أن نمنع طالبًا من التخصص في مجال يحبه تأسيسًا على فكرة خاطئة، تعطي أهمية غير حقيقية للمهارات التقنية على حساب مهارات التواصل الإنساني. هناك حاجة إلى مجموعة من المهارات تضمن حياة مهنية طويلة المدى، ترضينا وتجعلنا منتجين. ربما تكون العلوم الاجتماعية ما يساعدنا على النجاح، وليس علوم الفضاء والتكنولوجيا، فالعلوم الإنسانية والفنون هي التي تجعلنا مستعدين لمواجهة العالم، وليس فقط الانضمام إلى القوى العاملة.