ربما يركز أغلب مشجعي كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى في العالم، على مهارات اللاعبين والنتيجة بعد انتهاء المباراة، لكن هناك وجهًا آخر يظهر بصورة أفضل في المنتخبات الوطنية وليس الأندية، ويجد بعض المتابعين في هذا الوجه قيمةً أهم وأكبر لا يتلفت إليها كثيرون.
يرى مقال على موقع «New Statesman» أن كرة القدم نجحت في الانتقال من كونها «مجرد لعبة» لتصبح مساحة لنبذ العصرية عن طريق الملاعب، ويلجأ إلى الكرة الإنجليزية تحديدًا للتدليل على الفكرة.
كرة القدم أفضل من الخطب السياسية
يتذكر كاتب المقال عندما كان صغيرًا في خمسينيات القرن العشرين، كانت شوارع المدينة الإنجليزية كارلسل خالية من أي أجانب تقريبًا، كما كان من السهل ملاحظة ظهور أي أجنبي، إلا أن الأمر اختلف مع أبنائه، ثم اختلف أكثر مع أحفاده.
تزوجت إحدى ابنتي الكاتب من رجل ذي أصول إفريقية، وتزوجت الأخرى من واحد أصوله إيطالية-أيرلندية، وكانت النتيجة أن أحفاده تسري في عروقهم دماء من جنوب إفريقيا والكاميرون وفرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى إنجلترا بالطبع. يلفت الرجل انتباهنا إلى أن أحفاده ليسوا فقط من يمتاز بهذه التركيبة الغريبة، وإنما أفراد المنتخب الإنجليزي لكرة القدم كذلك.
يضم المنتخب الإنجليزي الآن الكثير من اللاعبين ذوي الأصول غير الإنجليزية، فهناك مثلًا رحيم ستيرلينغ المولود في جامايكا، وديلي ألي المولود لأب نيجيري، وثيو والكوت ذي الأصول الجامايكية، كما ينتمي داني ويلبك إلى غانا في الأصل.
هل يسير الأمر بالأسلوب نفسه في الدول العربية؟
عندما يقف كل هؤلاء جنبًا إلى جنب على أرضية الملعب لتحية جمهورهم، فإنهم يُسهمون بالتأكيد في القضاء على أفكار العنصرية والتعصب لذوي الأصول الإنجليزية دون غيرهم، إذ أن الكل واحد على أرض الملعب، ولا تهم الأصول أو الألوان، بل إحراز الأهداف والنتيجة النهائية، وطالما أن الجميع يرتدون قميص المنتخب نفسه، فكلهم إنجليز.
لا يقتصر الأمر على إنجلترا فحسب، فمنتخب ألمانيا، البلد الذي قتل فيه هتلر كثيرين تحت شعار الحفاظ على «نقاء السلالة»، يضم اللاعب الشهير مسعود أوزيل ذي الأصول التركية، وسامي خضيرة تونسي الأصل، بالإضافة إلى الغاني جيروم بواتينغ الذي يلعب شقيقه كيفن برينس بواتينغ لصالح منتخب غانا، وبهذا صارت كرة القدم نموذجًا للتعدد والاختلاف بين أطياف المجتمع الألماني.
اقرأ أيضًا: كيف تعني «الوطنية» كُره الآخَر؟
بينما قد يحتاج السياسيون إلى كثير من الخطب البليغة والحملات الدعائية لإقناع أحد أطراف المجتمع بتقبل الآخر، تنجح كرة القدم في توحيد الجماهير ذات الخلفيات والنزعات المختلفة خلف فريق واحد ينسون معه أي صراع. وممَّا يُضفي أهمية على الأمر أن معظم المشجعين يؤمنون بأن سبب وجود أي لاعب في مركزه هو قدرته على أداء المطلوب منه، وليس لونه أو أصوله أو دينه.
يحدث هذا في المنتخبات الأوروبية، لكن هل يسير الأمر بالأسلوب نفسه في الدول العربية؟
الكرة العربية: مزيد من العنصرية
يمكن ملاحظة النقيض في الدول العربية، فعلى الرغم من عشق العرب لكرة القدم، وإمكانية استغلالها كمدخل سهل وفعال لفكرة تقبل الآخر، إلا أن هذا لا يحدث بالشكل المطلوب في الأغلب.
ففي مصر، التي يتراوح عدد مسيحييها بين 6% و22% من السكان، بحسب الإحصائيات الحكومية والقبطية، لا يضم المنتخب أي لاعب مسيحي منذ اعتزال المدافع هاني رمزي دوليًّا في 2003، بينما تستغل دول عربية أخرى مفهوم الاختلاف والتنوع بشكل عكسي تمامًا، فتمنح جنسيتها إلى لاعبين مميزين وتضمهم إلى منتخباتها حتى تزيد من حظوظها في الفوز، وهو ما يحدث مع منتخبي قطر والإمارات.
قد يهمك أيضًا: بين المنح والسحب.. هل الجنسية حق المواطن أم الدولة؟
يسعى كل فريق إلى الحصول على الكؤوس والفوز بالمراكز الأولى، لكن بينما تُستغَل كرة القدم لكسر حواجز العنصرية في أوروبا، نجدها تفرز مزيدًا من العنصرية في بعض الدول العربية، فيما تتعامل معها دول أخرى باعتبارها مكسبًا وخسارة فقط، بغض النظر عن أي قيمة أخرى يمكن أن تضيفها.
تظل كرة القدم لعبة في نهاية المطاف، ولكن بعض الدول تنجح عن طريق هذه «اللعبة» في تحقيق أهداف أعظم دون تكلفة أو مجهود إضافيين، بينما يترك آخرون الفرصة تمر دون إحراز أي هدف.