لا عجب أن البرامج الساخرة تتسبب في كثير من الهلع، لأنها تكشف حقائق جلية نتجاهلها عن عمد من أجل راحة البال، لكن هل يمكن أن تتفوق تلك البرامج على الصحافة التقليدية؟
لا أدَلَّ على هذا ممَّا يحدث الآن مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويشرح مقال نشره موقع «Vox» كيف تؤدي برامج السخرية السياسية مهمة السُّلطة الرابعة بامتياز.
السخرية من ترامب لا تعوَّض
لم يتهاون مقدمو البرامج الساخرة مع «الهراء» الذي يطلقه ترامب في كل مكان.
تحولت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب إلى كنز ثمين لا تستطيع البرامج الكوميدية الساخرة غض الطرف عنه، فوجدت فرق الإعداد التليفزيوني في ممارسات ترامب وتصريحاته فرصة لا تعوض لإثراء المحتوى الساخر المُقدم للمشاهدين، وبفضل ذلك حصد برنامج «Saturday Night Live» وغيره من البرامج الساخرة نجاحات كبيرة.
حقق مقدمو برامج السخرية السياسية إنجازًا آخر بعيدًا عن إطلاق الدعابات وتصيد الهفوات لغرض كوميدي، إذ تفوقوا في أحيان كثيرة على أكبر الشبكات الإخبارية التليفزيونية في تغطية كل ما يصدر عن إدارة ترامب.
وبينما اضطرت الصحافة التقليدية إلى أخذ تصريحات الرئيس الأمريكي الغريبة ونظريات المؤامرة التي يطرحها بجدية، لم يتهاون مقدمو البرامج الساخرة مع «الهراء» الذي يطلقه ترامب في كل مكان، حسب وجهة نظرهم.
تقليدية الصحافة.. إبداع الكوميديا
ترى «صوفيا ماكلينن»، الكاتبة المهتمة بدراسة العلاقات بين الثقافة والسياسة والمجتمع، أن السخرية من أقوال ترامب وأفعاله لها ميزة مهمة هي تشجيع المشاهدين على التفكير النقدي. تعتقد ماكلينن أن «السخرية السياسية تُظهر أن النظام يخدعك، وتدفع عقلك للتفكير».
بحسب صوفيا، تجهل الصحافة التقليدية متى تسخر من ترامب، وتبدو وسائل الإعلام الإخبارية أحيانًا وكأن عليها أخذ كلامه بجدية كي تُؤخذ هي الأخرى على محمل الجد.
يستمد التناول الساخر للأحداث السياسية تأثيره من قدرته على وصف العالم كما هو.
يتضح الفارق بين الصحافة الاعتيادية وبرامج الكوميديا الساخرة في تغطية كل منها لادعاء ترامب أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تنصَّت على مكالماته قبل انتخابات الرئاسة، إذ كشف مقدمو البرامج الساخرة زيف هذا الادعاء، وتتبعوا مصادر نظرية المؤامرة التي يؤمن بها ترامب، كما شرحوا للمشاهدين مدى سخافة هذه القصة برمتها.
في الوقت نفسه، أهدرت قنوات الأخبار ساعات لا حصر لها في عقد مناظرات واستضافة ممثلين حكوميين لمناقشة هذه الادعاءات ومدى قربها من الحقيقة، وأسهمت هذه التغطية الصحفية في نشر معلومات مضللة بسبب ترديدها للإشاعات والأكاذيب بشكل مكثف.
اقرأ أيضًا: صعود ترامب: هل عاد هتلر من جديد؟
الحقيقة مضحكة بما يكفي
هل يقتصر دور السخرية السياسية على فضح الأكاذيب فحسب؟
في الفترة الحالية، يستمد التناول الساخر للأحداث السياسية تأثيره من قدرته على وصف العالم كما هو، وحسم الجدل الدائر والمناظرات اللانهائية، وهذا ما يجب أن تتعلمه الصحافة التقليدية من البرامج الساخرة في عهد ترامب، لتتمكن من أداء دورها على أكمل وجه.
لا يجب على الصحفي عرض كل الجوانب المتعلقة بالقصة الواحدة، بل عليه إظهار الحقيقة وحدها. وفي هذا الزمن، كثيرًا ما يعثر الصحفيون على قصص حقيقية مسلية قد تُضحك الناس دون أي رتوش أو إضافات كوميدية.