في بدايات 2017، أعلن وزير الأمن العام الإسرائيلي «جلعاد أردان» تأييده لإلغاء تجريم الحشيش في إسرائيل وبيعه بشكل قانوني.
لو تبنَّت الحكومة مبادرة أردان فإنها ستنهي تاريخًا طويلًا من تجريم المخدرات، إذ كان الحشيش غير قانوني في تلك البقعة من الأرض لفترة أطول من أي مكان آخر في العالم.
لكن ما لا يعرفه كثيرون أن مصر كانت سببًا في تجريم الحشيش في إسرائيل، وأن أبحاث طبيب مصري وسُلطات جنرال إنجليزي تسببت في استمرار حظره إلى اليوم، وهو ما يتناوله الكاتب الصحفي «إيلون جلعاد» في مقال له على صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية.
بداية حظر الحشيش: مصر السبب؟
يشير الكاتب إلى أن حظر «القِنَّب» أو الحشيش في إسرائيل حصل عن طريق ضابط بريطاني يُدعى «رونالد ستورس». تخرج ستورس في جامعة كامبريدج ثم التحق بالمكتب الاستعماري البريطاني وأُرسل إلى مصر عام 1904 ليعمل ضابطًا في الجمارك، وشمل عمله إحباط عمليات تهريب المخدرات من بين مهام أخرى، وكانت مصر وقتها الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر استخدام الحشيش.
مع مرور الوقت رُقِّي ستورس، وفي نهاية الحرب العالمية الأولى دخل مدينة القدس مع الجنرال «إدموند ألنبي» بعد أن انتزعها البريطانيون من أيدي العثمانيين، وعُيِّن حاكمًا عسكريًّا ثم محافظًا مدنيًّا لها. وفي 1 فبراير 1919 أصدر ستورس قرارًا بحظر الحشيش في القدس، ومن وقتها ظل الحشيش غير قانوني.
حين صدر ذلك القرار، كان الحشيش متاحًا تحت مظلة القانون في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة وكل مكان آخر تقريبًا، ربما باستثناء مصر، التي كانت في نظر الكاتب المصدر الوحيد المحتمل لفكرة ستورس.
امنعوا الحشيش فإنه يؤدي إلى الجنون
استنتج طبيب إنجليزي كبير أن 27٪ من حالات الجنون في مصر سببها الحشيش.
كان طبيب مصري يُدعى محمد علي بيك قد توصل في ستينيات القرن التاسع عشر إلى استنتاج غير علمي مفاده أن تعاطي الحشيش (الذي كان هواية شعبية آنذاك) هو السبب الرئيسي للجنون في البلاد. وبناءً على ذلك، أقنع وزير المعارف (التعليم) «علي مبارك» البرلمان المصري عام 1868 بحظر تعاطي الحشيش، ثم أعيد تقنينه لفترة قصيرة في السبعينيات وحُظر مجددًا في الثمانينيات.
وفي عام 1903، نشر المدير الطبي لمستشفى الصحة النفسية في القاهرة، الطبيب البريطاني «جون وارنوك»، مقالًا بعنوان «الجنون من الحشيش» في مجلة إنجليزية للطب النفسي، ادَّعى فيه أن معظم حالات الجنون في مصر ناجمة عن تعاطي الحشيش.
ورغم أن الأبحاث التي قدمها وارنوك كانت خاطئة، وكانت دوافعها على الأرجح فضول محض، فإن دراسته أشارت إلى أن 689 مريضًا من إجمالي 2564 يتعاطون الحشيش، وبالتالي استنتج أن قرابة 27٪ من حالات الجنون في مصر سببها الحشيش.
اقرأ أيضًا: كيف أسهمت المخدرات في تطور البشرية؟
إسرائيل تدخن الحشيش
خلال عقود إسرائيل الأولى كان استخدام القنب يقتصر تقريبًا على السكان العرب.
لعبت دراسة دكتور وارنكوك دورًا مهمًّا في تطور الموقف القانوني من الحشيش في بريطانيا، فاعتقلت الشرطة رجلين إفريقيين عام 1923 بتهمة بيع الأفيون، ثم ثارت الصحافة بعدما أُعلن أنهما كانا يبيعان حشيشًا، ونادت مع الشرطة بتجريم الحشيش، ومن ثَمَّ أوصت الجمعية الصيدلانية الملكية بتجريمه، وفي عام 1925 صدَّق البرلمان البريطاني على القانون.
أصدر الانتداب البريطاني على فلسطين نفس القانون في الوقت ذاته، ثم سنَّت الحكومة الإنجليزية قانونًا جديدًا لمكافحة المخدرات عام 1936، وصدَّرت نسخة منه إلى فلسطين، لكنه لم ينفَّذ سوى على السكان الفلسطينيين والعرب لأن المهاجرين اليهود من أوروبا لم يدخنوا القِنَّب.
قد يهمك أيضًا: تأملات يهودية عربية: صراع الهوية بين الدين والعرق
اختارت إسرائيل، بعد إعلان قيامها رسميًّا في 1948، الإبقاء على القوانين الإلزامية، ومن بينها قانون المخدرات لعام 1936، الذي لا يزال يحظر استخدام الحشيش في إسرائيل حتى الآن.
في خلال العقود الأولى لإسرائيل، كان استخدام القنب يقتصر تقريبًا على السكان العرب في البلاد، وكذلك المهاجرين اليهود الجدد من الدول العربية، فبدأ «الأشكناز» (اليهود الأوروبيون) يستخدمون حظر الحشيش كوسيلة إضافية للسيطرة على اليهود الشرقيين، وفي سبعينيات القرن العشرين فقط صار تعاطي الحشيش شعبيًّا مع التأثُّر بثقافة الهيبيز.
بمرور الوقت، وبزيادة تعاطي الحشيش في إسرائيل وتغيُّر المزاج العام الغربي تجاه ذلك المخدر، يميل الرأي العام الإسرائيلي بشكل متزايد نحو إلغاء تجريم الحشيش ومحاولة تقنينه. صحيح أن الحشيش ممنوع بأمر القانون في مصر من قبل قيام إسرائيل، لكن ذلك المنع تخللته فترات سماح قليلة، ولو سمحت إسرائيل بتداول الحشيش بشكل قانوني، فإنها ستكسر حظرًا هو الأطول في تاريخ العالم، استمر لنحو مئة عام تقريبًا.