خلال عامي 2015 و2016، أعلنت شركات محاماة غربية عدة إغلاق مكاتبها في الخليج العربي، ويعود السبب في ذلك، بحسب الكاتب المختص في الشؤون الدولية والإرهاب، «ألاستير سلون»، إلى تدهور أسعار النفط، الذي أجبر العديد من المؤسسات على العودة إلى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما يذكر مقال على موقع «ميدل إيست مونيتور».
البداية: لماذا تغادر الشركات الإمارات؟
تغادر شركات كثيرة الإمارات رغم وجود صفقات ضخمة تتطلب وجودها.
في الفترة الأخيرة، أعلنت شركات «سيمونز آند سيمونز» و«لاثام آند واتكينز» و«بيكر بوتس» و«هربرت سميث فريهيلز» تقليص أعمالها في دبي، وكذلك إغلاق مكاتبها في أبو ظبي بعد أن واجهت تضييقًا هناك عند محاولة الحصول على عقود مربحة مع الحكومة، نظرًا لسيطرة بعض المحامين القدامى على هذه العقود، وبالتالي لم تجد الشركات الغربية فرصًا كافية للعمل.
وتخطط شركة «ويل غوتشال»، وهي شركة محاماة أمريكية متخصصة في الإفلاس والأسهم الخاصة وعمليات الدمج والاستحواذ، لمغادرة دبي حاليًّا، في الوقت الذي تُعقد فيه صفقات ضخمة في مجالها، مثل دمج شركتي الصناعات الكيميائية «دو كيميكال» و«دو-بونت» في صفقة قيمتها 130 مليار دولار، واستحواذ «إنتل» على «ألتيرا» بقيمة 16.7 مليار دولار، وكذلك استحواذ «فيريزون» على «AOL» بقرابة 4.4 مليار دولار.
ويشير كاتب المقال إلى أن قرار المغادرة جاء رغم وجود صفقات ضخمة تتطلب وجود الشركة للعمل على الإجراءات القانونية، وهو ما يشير إلى أن السوق لم تعد مُغرية بما فيه الكفاية بالنسبة لهم، فما أسباب ذلك؟
أسباب الرحيل: النفط والدولار
يُعدُّ تدهور أسعار البترول مُحركًا رئيسيًّا لتلك المشكلة، فقد تسبب في إخماد «تدفق الصفقات» الذي اعتمدت عليه هذه الشركات في دفع ضرائبها، إذ انخفض سعر برميل النفط إلى النصف مقارنةً بعامي 2015 و2016، كما يتوقع أحد محللي مركز كورم للدراسات الاستراتيجية أن يستقر سعر البرميل عند 30 دولارًا لعدة سنوات ثم ينهار، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تضرر دبي ودول منطقة الخليج، حسب ما جاء في المقال.
يواصل الدولار ارتفاعه طَوَال العامين الماضيين، ممَّا جعل دبي وجهةً أقل جذبًا للشركات الوافدة بسبب ارتباط سعر الدرهم به، وهو ما أدى بالتالي إلى معاناة قطاعات الاقتصاد الرئيسية.
انعكس ذلك على القطاع العام كذلك، فأعلنت شركة بترول أبو ظبي الوطنية تصفية بعض الوظائف بسبب عجز الموازنة، بالإضافة إلى تدهور الودائع البنكية للإمارات، وعزز ذلك هبوط معدل القروض، الذي يشير بدوره إلى بطء نمو الاقتصاد.
اقرأ أيضًا: كيف تهدد السيارات الكهربائية اقتصاد دول الخليج؟
مزيد من الأسباب: معيشة مكلفة وضرائب زائدة
ارتفعت تكلفة المعيشة في الإمارات بمعدل كبير، إذ أشار «مركز دبي للإحصاء» إلى ارتفاع كُلفة الإسكان والمرافق قرابة 12% منذ عام 2014، ويُتوقع إضافة إلى ذلك أن تفرض دول الخليج ضريبة القيمة المُضافة بحلول عام 2018، وأن تزيد ضرائب الاستيراد والشركات.
لا تخلو الإمارات من الضرائب على عكس ما يظن بعض الناس، فهناك ضرائب على الشركات بقيمة 16%. ورغم أن ذلك قد يُعدُّ رقمًا ضئيلًا مقارنةً بدول أخرى، إذ تبلغ الضرائب في السعودية مثلًا قرابة 32%، ويصل متوسطها في أمريكا إلى 44%، إلا أن العديد من الشركات تضررت من زيادة الضرائب الأخيرة في الإمارات، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
فرضت الإمارات ضرائب على المكاتب والمستودعات المستأجَرة تقدر قيمتها بـ10% من إجمالي الإيجار السنوي، وضرائب أخرى بقيمة 5% من إجمالي ما تنفقه الشركات لتوفير الإقامة للعاملين بها، وأسهم كل ذلك في زيادة مصاريف الشركات، وتسبب في رحيل بعضها.
قد يهمك أيضًا: كيف ستكون دبي دون محمد بن راشد؟
القشة الأخيرة: حرية دبي الزائفة
أي نزاع مع مواطن إماراتي قد لا ينتهي إلى مصلحة الأجانب.
يذكر الكاتب أن الحريات تُعدُّ عاملًا يُسهم في قرار الشركات بالاستثمار في أي دولة، وتسعى دبي إلى تسويق نفسها باعتبارها جنة الحريات، إلا أن الحريات المدنية للأجانب ليست كما يظن كثيرون، واعتقاد بعض الناس أن دبي تشبه مدينة ماربيلا الإسبانية السياحية الساحرة ربما يحتاج إلى إعادة النظر، لأن الواقع يختلف كثيرًا.
في إبريل 2016، عومل «ديفيد هاي»، المدير التنفيذي السابق لنادي ليدز يونايتد الإنجليزي، بطريقة سيئة في سجن دبي، حسب ما أورد الكاتب. كان هاي عضوًا في مؤتمر تستضيفه المدينة، واتُّهم بالتشهير بشركة إماراتية عبر حسابه على موقع تويتر، لكن لاحقًا تمت تبرئته من هذه التهم ليغادر الإمارات.
تنتشر المعلومات اليوم بسرعة كبيرة، لذا فضَّلت بعض الشركات الاتجاه إلى سنغافورة أو هونغ كونغ، لعلمهم أن أي نزاع مع عائلة إماراتية قد ينتهي إلى غير مصلحتهم، كما حدث مع هاي، الذي تعرض لضرب مُبرِح وتعذيب في السجن، ولم تتدخل سفارة بلاده بريطانيا لمساعدته.
في عام 2009، غادر كثير من البريطانيين دبي خوفًا من سجنهم بسبب الدين، ولم يبدُ الأمر خطيرًا وقتها، لكن اتضح الآن أنه كان مؤشرًا على خطورة قادمة يرى كاتب المقال ضرورة الالتفات إليها، لأن رحيل شركات القانون الغربية هذه المرة قد يكون مجرد بداية لتدهور أكبر.