أطلقت شركة «نايكي» للملابس والأدوات الرياضية، في 17 فبراير 2017، فيلمًا دعائيًّا على يوتيوب، تم تصويره في دبي، يُظهر عددًا من نجمات الرياضة والفن العرب كل واحدة تمارس ما تهواه علنًا، وتصحبها عبارة «إيش هيقولوا عنك؟»؛ وهو شعار الحملة الذي يتلاعب لفظيًّا بالسؤال المألوف للمرأة العربية عادةً في سياق تحذيرها من «كلام الناس».
علَّقت «نايكي» على الحملة قائلة: «إذا كان لديكِ جسد؛ فأنتِ رياضية، ونأمل أن نُلهمكِ عبر هذا الفيلم، ونُلهم جميع نساء وبنات المنطقة كذلك، للبحث عن شغفهن الرياضي أو تجربة الرياضة للمرة الأولى».
لكن متى أصبحت «نايكي» شركة نسوية؟ ومتى صارت، وهي المشهورة بـظروف العمل السيئة في مصانعها بالدول النامية، مهمومة بالقضايا الاجتماعية والأهداف السامية والصراعات الحقوقية في العالم العربي؟
هل أصبح النشاط السياسي والاجتماعي وتبنِّي قضايا الفئات الأضعف إستراتيجية مربحة لشركات مثل «نايكي»؟
هذا بالضبط ما تعتقده «ألكس هولدر» (Alex Holder)، وهي خبيرة بالدعاية والإعلان تتبنى منظورًا نسويًّا؛ إذ تدافع في مقال كتبته لصحيفة «الغارديان» عن فكرة مفادها أن «النشاط السياسي/الاجتماعي» حلَّ محل الجنس في الإستراتيجيات الدعائية للشركات التجارية، التي أصبحت تسعى للتأثير في ضمائر المشاهدين بدلًا من غرائزهم.
احذف «أوبر» الآن
.@Uber's CEO supports Trump, and @lyft vows to donate $1M over the next four years to @ACLU. #DeleteUber #DownloadLyft #MuslimBan pic.twitter.com/MTaYTMUYwv
— Mike Lynch (@MikeLynch09) January 29, 2017
لم تكن «هولدر» قد سمعت عن «ليفت» (Lyft)، وهو تطبيق لسيارات الأجرة الخاصة مثل «أوبر»، حتى فوجئت بأحد زملائها يطلب منها حذف التطبيق الأخير وتنزيل الأول. جاءت هذه الدعوة في أعقاب حملة على تويتر ضد «أوبر»، بسبب الاعتقاد الواسع أن الشركة ساهمت في إفشال إضرابٍ لسائقي التاكسي ضد حظر دونالد ترامب للمهاجرين.
في اليوم التالي لبدء الحملة مباشرة، أعلنت «ليفت» منافسة «أوبر» تبرعها بمليون دولار للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU)، وهي مؤسسة للدفاع عن الحقوق والحريات تناهض ترامب. كانت هذه لعبة رابحة بالنسبة إلى «ليفت»، التي تفوقت على «أوبر» للمرة الأولى في عدد مرَّات تنزيل التطبيق بعد هذا الموقف.
تلاحظ «هولدر» أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها شركات تجارية كبيرة أعمالًا «خيِّرة» في الفترة القصيرة الماضية، فقد استجابت «ستاربكس» كذلك لحظر المهاجرين بالدعوة لتوظيف عشرة آﻻف مهاجر ضمن فروعها في الولايات المتحدة، بينما أعلنت (Airbnb)، المتخصصة في تأجير المنازل، توفير إقامة مجانية لعملائها الممنوعين من دخول أمريكا.
حتى «أوبر» نفسها ردَّت على مبادرة «ليفت»، فأعلنت إنشاء صندوق لمساعدة سائقيها الذين يعانون تبعات حظر ترامب اللاجئين، وخصصت لذلك ثلاثة ملايين دولار.
قد يعجبك أيضًا: كيف أفزعت الأمريكيين قرارات ترامب الأخيرة؟
الشركات الكبرى طيبة جدًا
ترى «هولدر» أن الشركات التجارية الكبرى أصبحت تتنافس فيما بينها من أجل الظهور بمظهر الكرم والعناية بمسؤولياتها الاجتماعية، لكنها تمارس هذه المسؤولية فقط بشرط أن يعرف عملاؤها عنها؛ لأن هذه الشركات تنطلق من رغبة في تحسين صورتها لأغراض ربحية أساسًا، لا من شعور أصيل بأي التزام مجتمعي.
ما يجعل أخذ موقف حاسم من هذه الظاهرة صعبًا في رأي الكاتبة هو أن هذه الشركات تؤدي أعمالًا خيِّرة في النهاية بالفعل، أيًّا كانت نواياها.
مِن النماذج الأخرى لهذه «الموضة»، أو ميل الشركات التجارية لاستخدام القضايا الاجتماعية في الدعاية لمنتجاتها، ذكرت «هولدر» حملة إعلانية لإحدى شركات القهوة البريطانية؛ هي شركة «كِنكو» (Kenco)، التي تدرِّب الشباب في هندوراس (دولة في أمريكا الوسطى) للعمل في مزارع القهوة، وهي بهذا تُنقذهم من الانضمام للعصابات حسب دعواها.
ألغت «بيبسي» حملتها الخيرية بعد فشلها في زيادة الأرباح.
نموذج آخر هو شركة الأزياء الأمريكية «بتاغونيا» (Patagonia)، التي أغلقت محالها يوم انتخابات الرئاسة لتشجيع الناس على الإدلاء بأصواتهم.
قد يهمك أيضًا: «غولدمان ساكس»: الإمبراطورية المالية التي تحكم العالم
الشركات الكبرى ذكية جدًّا
لم يكن الأمر دائمًا هكذا. تروي «هولدر» قصة حملة أطلقتها شركة «بيبسي» عام 2010، وَهَبت فيها 20 مليون دولار لأشخاص ومؤسسات غير ربحية كجوائز لأفكارهم المؤثرة إيجابيًّا في مجتمعاتهم. كان هذا المبلغ مخصصًا أساسًا للدعاية، فقررت «بيبسي» أن تُنفقه بهذه الطريقة آنذاك، بدلًا من إنتاج إعلان يشاهده الملايين خلال المباراة النهائية لدوري كرة القدم الأمريكية «السوبر بول»، كما جرت العادة.
أطلقت «بيبسي» حملتها قبل المباراة بأسبوع، لكن يبدو أن 2010 لم تكن جاهزة لهذه «الموضة» بعد، فانخفضت مبيعات الشركة بمقدار كبير هذه السنة. ألغت الشركة حملتها الخيرية ببساطة بعد فشلها في زيادة الأرباح، وحاولت إيجاد صيغة متوسطة؛ فأنتجت إعلانًا «ثوريًّا» مُبالغًا في اصطناعه وأذاعته وقت «السوبر بول» عام 2012.
يمكن لفت الانتباه كذلك إلى شركة «دوف» (Dove)، التي ذاع صيتها في الاثني عشر عامًا الماضية بسبب إبرازها الجمال الأنثوي «العادي»، في حملة إعلانية شهيرة تروِّج لـ«الجمال الحقيقي».
تشير كاتبة المقال إلى مَوطن السخرية في أن «دوف» مملوكة لـ«يونيليفر»، التي تُنتج كذلك مزيل العرق الرجالي الشهير «آكس» (Axe). ما العيب في ذلك؟ عادةً تُظهر إعلانات «آكس» نساءً بعيدات تمامًا عن الجمال «الطبيعي» الذي تروِّج له «دوف». وهكذا، ربما تجد إعلانين متتاليين، أحدهما لـ«دوف» والآخر لـ«آكس»، يطلب الأول من المرأة أن تتقبل جمالها العادي، بينما يطالب الثاني الرجل بألا يرضى بأقل من «سوبر موديل».
لا تبدو الازدواجية التي تمارسها «يونيليفر» متَّسقة من جهة النظر الأخلاقية، إلا أنها بالتأكيد إستراتيجية تجارية ناجعة في رأي «هولدر»، إذ تستطيع الشركة أن تحقق نجاحًا دعائيًّا بين فئتين مختلفين تمامًا من الجمهور.
لكن يبدو مع ذلك أننا نعيش في وقت أصبح النشاط السياسي/الاجتماعي فيه أكثر ربحية، وهو ما دفع «آكس» نفسها إلى توخي خط أكثر اعتدالًا؛ فنبذت نموذج «السوبر موديل» لصالح التشديد على قيم التنوع.
اقرأ أيضًا: كيف يُعيد المال تشكيل معتقداتنا؟
الجمهور سعيد جدًّا
جميعنا نرغب في دعم القضايا الحقوقية، لكننا لا نوَدُّ أداء أي تضحيات كبيرة كذلك.
أصبح النشاط السياسي والاجتماعي جزءًا مهمًّا وأساسيًّا من إستراتيجيات التسويق الناجحة في العصر الحالي، وصارت «الماركات» الكبيرة صوتًا ينحاز للقضايا الحقوقية التي تهم المجتمع، لكنها في الحقيقة تغازل ضمائر زبائنها عن طريق تبنِّي هذا النوع من الرسائل، ولا تخسر أي شيء، بل تربح في جميع الأحوال.
يصبح دخول «ستاربكس» لتناول قهوة في مكان مريح مساويًا عند بعض الناس للمجهود الخيري الفعلي؛ كمنح تبرعات عينية لمنطقة منكوبة لكننا نعرف تمامًا، كما تشير «هولدر»، أنهما لا يستويان.
نشعر جميعًا بالرغبة في الاصطفاف لدعم القضايا الحقوقية التي تهم مجتمعاتنا، لكننا لا نوَدُّ أداء أي تضحيات كبيرة كذلك. وتستغل «الماركات» الكبرى هذا التناقض، أو بكلمات «هولدر»: «إذا استطاعت شركة أن تهِبَني شعورًا براحة الضمير دون أن تطلب مني أي تضحية تتعلق بأسلوب معيشتي، فيمكنها أخذ نقودي كلها».