في السابع من إبريل 2017، شنَّت القوات الأمريكية سلسلة من الهجمات الصاروخية على قاعدة جوية في شمال سوريا، ردًّا على هجوم النظام السوري، بقيادة بشار الأسد، بأسلحته الكيميائية ضد مدنيين قبلها.
تُظهر هذه الضربات الجوية استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الواضح لاستخدام القوة العسكرية في سوريا، مقارنةً بالرئيس السابق باراك أوباما، لكن القضية تطرح في الوقت نفسه سؤالًا حاسمًا بشأن استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية، بينما تمتد سيطرته على معظم المدن السورية.
حاول الكاتب وأستاذ الصحافة في جامعة نيويورك، محمد بزي، معالجة هذه الأسئلة، ودافع في مقال له نشرته وكالة أنباء رويترز عن رؤية مفادها أن بشار يواصل تقليدًا قديمًا ورثه عن والده حافظ الأسد.
ماذا تعلَّم بشار من حافظ الأسد؟
يبدأ الكاتب بتحديد التشابهات بين سياستي بشار وحافظ الأسد استنادًا إلى حادثين:
- رفض بشار تقديم أي تنازلات منذ مارس 2011، حين بدأت الثورة السورية التي تحولت لاحقًا إلي «حرب أهلية».
- تزايد سيطرة الأسد بعد تصريحات مسؤولي البيت الأبيض التي تؤكد أن الوقت قد حان لكي تقبل القوى الغربية الواقع السياسي، المتمثل في ضرورة استمرار النظام السوري.
يشير الكاتب بوجه خاص إلى وحشية بشار الأسد ونظامه، فقد قتلت الحرب أكثر من 500 ألف شخص وشردت قرابة نصف السوريين حتى الآن، ويعتقد أن هذه الوحشية سياسة ورثها بشار عن أبيه.
ليست الصورة التي يرسمها بشار لنفسه جديدة، وإنما هي ببساطة إرث حافظ الأسد.
منذ وفاة حافظ عام 2000 وتولي بشار السلطة، عَرَف الأسد الابن أن جميع الخيارات متاحة أمامه، فوصف نفسه بأنه الوحيد القادر على إبقاء الجيش السوري ومؤسسات الدولة بعيدًا عن التفكك، وبأنه يستطيع كذلك منع البلاد من الوقوع في قبضة المتطرفين.
في سياسته الخارجية، قدَّم بشار الأسد نفسه إلى الغرب باعتباره الأقل شرًّا إذا قورن بـ«داعش» وغيره من التنظيمات الجهادية، حتى لو كان نظامه قد تسبب في كثير من الموت والدمار، بدرجة تفوق كثيرًا كل هذه الجماعات الإرهابية.
في رأي بزي، ليست الصورة التي يرسمها بشار لنفسه جديدة، وإنما هي ببساطة إرث حافظ الأسد، الذي استطاع الحفاظ على سلطته باستخدام أسلوبين: الممارسات الوحشية، وانتظار التوازنات الإقليمية حتى تنقلب لصالحه.
هل لا يزال حافظ الأسد حيًّا؟
استطاع بشار تحمل الضغوط والعُزلة الدولية التي فرضتها عليه الإدارة الأمريكية برئاسة جورج بوش بعد غزو العراق عام 2003، فقط بسبب اعتماده على سياسة والده الخارجية، إذ كان يخشى تعرض سوريا للغزو الأمريكي، لذا سعى إلى تدريب مئات المتطوعين السوريين والأجانب، بحسب محمد بزي، كي ينضموا إلى تنظيم «القاعدة» في العراق ويحاربوا القوات الأمريكية.
عندما اجتاحت الثورة البلاد عام 2011، لم يخشَ بشار شيئًا في البداية، ومضى يطبِّق ما تعلمه من والده: ألَّا يُقدِّم تنازلات حتى لو تعرض لضغوط هائلة، سواءً من الخارج أو الداخل.
اقرأ أيضًا: بين العدمية وحروب الهاردكور.. هنا ترقد أجيال الربيع العربي
أصبح بشار الأسد أكثر ثقةً في سياسته بعد انتخاب ترامب.
تعلم الأسد من الثورتين المصرية والتونسية أن عدم التصدي للثوار بقوة سيؤدي إلى خضوع الحكام وتشجيع المتمردين، لذا قرر مطاردة الثوار وسحقهم، بالإضافة إلى استخدام المتطرفين الإسلاميين لزعزعة خصومه، كما فعل قبل عقد من الزمان في العراق، فأطلق سراح المئات من أفراد «القاعدة» من السجون، حتى صاروا قادة لتنظيم «داعش» وغيره من المجموعات الجهادية.
إلى متى يستطيع بشار الصمود؟
بحسب الكاتب، فإن محاولات الأسد لاستخدام المتطرفين، التي تقترن بتخويف الغرب منهم للبقاء في السلطة، في حين يضرب معارضيه في الداخل بعنف ووحشية وينتظر تحول موازين القوى، كل هذه التكتيكات ورثها بشار عن أبيه ولم يبتدعها.
قد يعجبك أيضًا: الوصفة الصينية لترويج القمع
أصبح بشار الأسد أكثر ثقةً في سياسته بعد انتخاب ترامب، بسبب تعهد الأخير بإنهاء الدعم الأمريكي للمعارضة التي تُقاتل النظام السوري، بالإضافة إلى نيته ضرب معاقل التنظيمات الإرهابية في سوريا، لكن هجمات ترامب الأخيرة ربما تكون قد هزَّت بعضًا من هذه الثقة.
في نوفمبر 2016، ساعدت الولايات المتحدة في حشد 50 ألف مقاتل من الأكراد لتطويق محافظة الرقَّة ومحاصرة «داعش»، وكان بشار يسير مطمئنًا على سياسته نفسها، لكن الأسئلة تُطرح الآن مجددًا بشأن تطورات الأوضاع بعد الهجوم الأمريكي، كما تُطرح بخصوص قدرة الأسد على البقاء في السلطة بالاستمرار في استخدام سياسة والده.