«ليس ما كتبه هو السبب الحقيقي».. هذا ما عبّر عنه أصدقاء الشاعر «أشرف فياض» وعائلته بشأن الأحكام الصادرة عنه، بتهمة إهانة الذات الإلهية على خلفية ديوان أدبي نُشر له، إلا أن المقربين من أشرف يصرون على أن خلافًا شخصيًا مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية، هو سبب هذه التهم لا ما كتبه.
من أشرف فياض؟
«أشرف فياض» شاعر فلسطيني، ولد وعاش في السعودية منذ 36 عامًا، في 2014 اتُّهم بالردّة وإهانة الذات الإلهية وحكم عليه بالسجن أربع سنوات والجلد ثمانمئة جلدة في الدرجة الأولى، ثم حكم عليه في الاستئناف بالإعدام، وإثر الضجة التي أحدثها الحكم دوليًا تم تخفيض الحكم إلى السجن ثماني سنوات والجلد ثمانمئة جلدة، وبحسب بيان إعلامي للمحامي «عبد الرحمن اللاحم» الذي مثّل فياض في القضية فقد «استندت إدانة فياض إلى دليل من شاهد ذكر أنه سمعه وهو يسب الذات الإلهية والنبي محمد والسعودية إضافة إلى محتوى ديوان شعر كان قد ألفه قبل عدة أعوام».
ويذكر تقرير هيومن رايتس ووتش عن القضية بأنه «في أثناء الجلسة الأخيرة، أعرب فياض عن توبته ورجوعه عن أي شيء في الديوان ربما تراه هيئة الأمر بالمعروف مهينًا، وذكر بحسب وثائق المحاكمة: إنني تائب إلى الله تعالى وأبرأ مما ورد في كتابي المذكور في الدعوى».
في 26 من مايو 2014 أدانت محكمة أبها العامة فياض وحكمت عليه بالسجن أربع سنوات وثمانمئة جلدة. وقد رفضت المحكمة حينئذ طلب النيابة أشد عقوبة، وهي الإعدام بتهمة الردّة، بسبب الشهادة الواردة في المحاكمة عن «العداوة» بين فياض والرجل الذي أبلغ عنه، وكذلك بسبب توبة فياض.
اقرأ أيضًا: هل تُربك الثقافة المملكة؟ السعودية تصادر الكتب في الرياض وتعرض أفلامها في هوليوود
وعند استئناف القضية، قضت محكمة الاستئناف بإعادتها إلى المحكمة العامة التي حددت جلسة 17 نوفمبر 2015 للحكم، وقد عكس قاض جديد بالمحكمة العامة الحُكم السابق، مقررًا تشديد العقوبة، فحكم على فياض بالإعدام بتهمة الردة، وقد أشار القاضي في حكمه أنه رفض شهادة شهود الدفاع في المحاكمة الأولى، وقضى بأن توبة فياض لا تكفي لتفادي عقوبة الإعدام، مشيرًا إلى أن: «التوبة عمل قلبي مختص بأمور القضاء الأخروي وليس مناطًا بالقضاء الدنيوي».
مسرح الجريمة
وقد استفزت هذه الأحكام الوسط الحقوقي لقسوتها ومخالفتها لضمانات حرية التعبير والوسط الأدبي والثقافي لتأويلها الأدب ووضعه في غير موضعه، ويقول الكاتب السعودي خلف الحربي في مقال له عن الموضوع:
«مسرح الجريمة هنا هو ديوان شعر صدر قبل نحو 7 سنوات والشعر، كما تعلمون، فن قائم على الخيال، وبما أن هذا الديوان، من خلال ما نشر من مقتطفات، لم يحتو على عبارات صريحة تثبت إلحاد شاعره، يشغلنا سؤال مهم: هل استعانت المحكمة الموقّرة بخبراء في الأدب والشعر كي تتأكد أن الشاعر كان ملحدًا عند كتابته هذه العبارة أو تلك؟ هل حاول القاضي الاستئناس برأي وزارة الثقافة والإعلام باعتبارها الجهة المختصة من الناحية الفنية عن محتوى الديوان؟ أم أن المسألة كانت خاضعة لذوق القاضي الشعري الذي لا نقلل منه، ولكننا لا نراه جازمًا في تحديد شكل الرؤية الشعرية التي يستحق صاحبها عقوبة الإعدام؟».
ويُذكر أن ديوان «التعليمات بالداخل» الذي اتّهم إثره فياض كان قد ورد فيه قصيدة يتم تداولها على أنها المذكورة في الاتهام وهي:
"الشمس بالغة التهذيب فيما يتعلق بفتح فمها أثناء التثاؤب!
الشمس لا تعرف كيف تفرض سيطرتها التامة على الأرض
تمامًا كما يحدث مع الظلام
مع العلم بأن الشمس لا تملك خيارًا آخر
سوى مقاومة الظلام
رغم عدم أهلية بلوتو للبقاء ضمن مجموعتها المصابة بالدوار
للقمر رأي آخر في فرض سيطرته على البحر
وللبحر قدرته على ابتلاع ما يتسنّى له من المخلوقات
وزيادة حصته من سطح الأرض
تحت ذريعة الاحتباس الحراري
تحت ذريعة الأوزون المثقوب
وحق المرأة في ارتداء البكيني
وإغواء الطيور بثروته السمكية!
هل يكفيك اعتذاري ؟
عن كل ما حدث أثناء محاولاتي اختلاق أعذار مناسبة لكِ
كلما تهيّجت الغيرة في مكان ما.. داخل صدري
كلما أتلَفتِ الخيبة يومًا جديدًا من أيامي الداكنة..
كلما كرَّرْتُ لك أن العدالة ستبقى تعاني من اضطرابات الدورة الشهرية
وبأن الحب رجل متخلف في خريف العمر.. يعاني مشكلة في الانتصاب".
أما الباحثة الفلسطينية «رائدة فياض» شقيقة أشرف فهي تناشد الملك وولي العهد قائلة «والدي مات بسبب هذه القضية بمجرد سماعه حكم الإعدام الذي صدر ضد أشرف، أستحلفهم بالله أن يطلقوا سراح أخي وأن يعفو عنه رأفة بوالدته العجوز التي انفطر قلبها على زوجها وعلى سجن فلذة كبدها».
أزمة حقوقية
وقد تضامن العديد من النشطاء والمثقفين من حول العالم مع قضية أشرف فياض، وطالبوا بالإفراج عنه، إلا أنه لا يزال محبوسًا في تضييق واضح للأدب والفكر وحرية الثقافة والتعبير والبحث العلمي.
وتعدّ عقوبة الجلد عقوبة قاسية جدًا ونوعًا من أنواع التعذيب المحظور دوليًا، وهو ما يناقض ما وقعته السعودية من اتفاقيات دولية وما انضمت إليه من مواثيق كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يذكر في مادته الخامسة بأن «لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة» والمادة 18 التي تنص على أن «لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرًا أم مع الجماعة».
وكذلك المادة 19 التي تنص: «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية».
أما المادة 27 فتنص على «(1) لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكًا حرًا في حياة المجتمع الثقافي، وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه».
قد يهمك أيضًا: قصة الإعدام عند العرب من التكليب والتوسيط والسلخ حتى «المشنقة الرحيمة»
وصدّقت المملكة على اتفاقية مناهضة التعذيب في 23 سبتمبر عام 1997 والتي تُعرف في مادتها الأولى التعذيب على أنه «أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًا كان أم عقليًا، يلحق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه».
ليست قضية فياض الوحيدة من نوعها في المملكة، فهناك قضية «رائف بدوي»، الكاتب السعودي الذي حكم عليه بألف جلدة، بسبب آراء في موقعه الإلكتروني، جُلد منها 50 في مكان عام، ثم توقفت الجلدات لأسباب صحية. مثل هذه القضايا التي تشتهر ويتم التحرك لها إعلاميًا، قد تساعد بشكل بسيط أصحابها وتمنحهم نافذة من الأمل، ولكن ماذا عن القضايا التي لم تشتهر ولا يُعرف أصحابها؟
إن ملف المملكة الحقوقي يتضخم بسبب الانتهاكات التي يعانيها البعض، واليوم إذ تستعد المملكة لتطبيق خطة التنمية ورؤيتها المستقبلية، قد يتعين على السلطة أن تعيد النظر في تلك الانتهاكات.. فالتنمية البشرية يفترض أن تعلو على أي تنمية أخرى.