بينما ينشغل العالم بالحرب في سوريا والحوادث الإرهابية المتفرقة في أوروبا والتحقيقات الأخيرة بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى تغريدات ترامب على تويتر بالطبع، ربما تشهد السياسة الخارجية للولايات المتحدة تحولًا واسع النطاق.
يشير فريد زكريا، وهو صحفي مختص بالشؤون الخارجية، في مقاله المنشور على موقع «الواشنطن بوست»، إلى احتمالية تورط أمريكا في عَقْدٍ آخر من الحرب في الشرق الأوسط، وقد يكون هذا العقد القادم أكثر زعزعةً للاستقرار من العقد السابق.
ترامب: إصلاحي أم ثوري؟
يشير زكريا إلى أن ترامب جاء إلى الرئاسة وسط شكوك متجددة حول سياسات الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط. ورغم اعتباره التورط في حروب المنطقة عقبة أمام التقدم، مثلما أشار إلى ذلك في أثناء حملته الانتخابية، فإنه تعهد كثيرًا مع ذلك بـ«سحق» تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
عقب وصوله إلى البيت الأبيض، أحاط ترامب نفسه بمجموعة من الجنرالات، لذا يبدو أن ميوله الحربية انتصرت، في رأي فريد، إذ عززت الإدارة الأمريكية عملياتها العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مثل سوريا واليمن وأفغانستان والصومال، باعثةً بمزيد من القوات والقنابل والبعثات، فما دوافع ترامب وراء ذلك؟
تدخلات ترامب العسكرية في الشرق الأوسط
بلغت المساعدات الأمريكية لأفغانستان عام 2016 نحو 40% من إجمالي الناتج المحلي لهذا البلد.
شاركت القوات الأمريكية بشن هجمات عدوانية ضد داعش، ممَّا أدى إلى ارتفاع كبير في وفيات المدنيين في العراق وسوريا. وفي تصعيد كبير، أسقطت الولايات المتحدة مؤخرًا طائرة حربية سورية تابعة للنظام، الأمر الذي عرَّض واشنطن للتصادم مع روسيا، حليفة سوريا.
قد يهمك أيضًا: هل يقع الصدام بين الصين وأمريكا؟
ربما تؤدي هذه التطورات في رأي زكريا إلى مناوشات عسكرية بين الولايات المتحدة وروسيا، الأمر الذي قد يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل المنطقة أو العالم بأكمله، خصوصًا أنه لا يرى بالضبط كيف يمكن لهذا الصدام مع النظام السوري أن يأتي بنتيجة في ما يتعلق بالمهمة الوحيدة المعلَنة لتدخل أمريكا في سوريا، أي القضاء على تنظيم داعش.
قوات الولايات المتحدة موجودة في أفغانستان منذ 16 عامًا، وأنفقت عليها قرابة تريليون دولار، وبلغت المساعدات الأمريكية لأفغانستان عام 2016 نحو 40% من إجمالي الناتج المحلي لهذا البلد.
وفي اليمن، شاركت الولايات المتحدة بقوة في صراع لا يُسهِم في «القضاء على الإرهاب» بأي طريقة. ومع عمليات بيع الأسلحة الأخيرة، تزيد واشنطن من تأجيج الحرب السعودية ضد إيران، ممَّا أدى بالمملكة إلى تحالف فعلي مع تنظيم القاعدة في اليمن، ويبدو أن ولي العهد السعودي الجديد، محمد بن سلمان، قد يستمر في خوض هذا الصراع رغم الكارثة الإنسانية المترتبة عليه.
وفقًا لمنظمة اليونسيف، يموت طفل كل 10 دقائق في اليمن نتيجة أسباب يمكن الوقاية منها، وتحول أفقر بلد في العالم العربي إلى أرض قاحلة ستتنافس فيها الجماعات الإرهابية على الأرجح لعقود قادمة، فهل ثَمَّة فائدة تُرجى فعلًا من عودة الولايات المتحدة إلى إذكاء الصراع والتورط في الشرق الأوسط تورطًا مباشرًا، مثلما كان الأمر مثلًا في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن؟
ما العائد من استراتيجيات ترامب؟
ينحصر نظر الجنرالات عادةً في الحلول العسكرية، فيمكن للضباط أن يخبروك ما إذا كان بإمكانهم، مثلًا، السيطرة على تل أو فتح ثغرة في دفاعات العدو، لكنهم يعجزون عن إجابة الأسئلة الأهم: هل فتح هذه الثغرة مفيد من منظور سياسي أوسع؟ وهل تخدم هذه المهمة المصالح الأمريكية عمومًا أم تشتت جهودها فقط؟ ناهيك بالطبع بالأسئلة المتعلقة بالعدالة والإنسانية، التي تغيب تمامًا عن الرؤية.
يرى زكريا أن الحلول الحقيقية في جميع المناطق التي تتورط فيها القوات الأمريكية حاليًّا سياسية أكثر منها عسكرية، إذ نشرت عديد من القوى الإقليمية ذات المصالح الكبرى نفوذها في أماكن مثل سوريا وأفغانستان، وفي هذه الحالة تصبح القوة العسكرية التي لا تصحبها استراتيجية أو عملية سياسية ودبلوماسية، فاشلة حتمًا، بل ربما تنتج عواقب سيئة غير مقصودة.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن عزل الرئيس الأمريكي؟
يبدو ترامب كما لو كان انعكاسًا حقيقيًّا لدور أمريكا في الشرق الأوسط، فبعد 16 عامًا من الحرب المستمرة، ومئات الآلاف من القتلى، وإنفاق تريليونات الدولارات على العمليات العسكرية ثم المعونات، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الإقليمي الذي يُعاد تصديره بعد ذلك إلى أمريكا وأوروبا، يشير زكريا إلى أن السؤال أصبح مُلِحًّا قبل القصف المقبل: ما الذي ترجوه أمريكا بالضبط من كل هذا النشاط العسكري، لسياستها وللعالم؟