يشير مصطلح «التفوق الأبيض» (White Supremacy)، وفقًا لمعجم ميريام ويبستر، إلى الأيديولوجية العنصرية الشاملة التي ترى أن العرق الأبيض متفوق في الأصل على باقي الأعراق، وينبغي أن يسود عليها.
غالبًا ما يستند الاعتقاد بأن العرق الأبيض متفوق على الأعراق الأخرى إلى أفكار مبنية على العنصرية العلمية، أي الاعتقاد العلمي الزائف بأن الأجناس مهيأة وراثيًّا لصفات وسلوكيات مختلفة. وبالإضافة إلى اعتقاد الفرد بصحة فكرة التفوق الأبيض، فهذا المصطلح يمكن أن يحيل أيضًا إلى تسلسل هرمي عرقي أوسع، ونظام قمعي يكون فيه البيض المستفيدين الرئيسيين من مختلف السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
حققت فكرة السيادة البيضاء ذروة شعبيتها في فترة التوسع الاستعماري الأوروبي إلى نصف الكرة الغربي وإفريقيا وآسيا، التي تمتد من أواخر القرن التاسع عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين.
وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، والمذابح التي خلَّفتها الأيديولوجية العنصرية النازية، استثمر علماء الاجتماع جهودهم لدحض فكرة التفوق الأبيض. وفي هذا الصدد، يجب الإشارة بصفة خاصة إلى «بيان الخبراء بشأن مشاكل العِرق»، الذي دعمته منظمة الأمم المتحدة المشكَّلة حديثًا حينها، والمنشور في أوائل الخمسينيات.
مع ذلك، استمرت أفكار التفوق الأبيض في أوروبا وأمريكا، مثلما يتضح جليًّا في مظاهرات «شارلوتسفيل» الأخيرة. ففي أمريكا، يندس أعضاء الجماعات القومية البيضاء داخل الشرطة المحلية والحكومية، مما يمكنهم من الإفلات من التحقيقات الاتحادية، خصوصًا بعد المظاهرات التي خرجت للتنديد باستخدام الشرطة العنف بدوافع عنصرية.
يرجع هذا بالأساس إلى ثغرة قانونية كبيرة تستغلها الجماعات القومية البيضاء، فهي لا تظهر على قائمة المنظمات الإرهابية التي تُعِدُّها وزارة الخارجية، وتضم 60 منظمة كلها أجنبية، وفي الفترة الأخيرة صار أغلبها من الجماعات الإسلامية.
بعبارة أخرى، جماعة «كو كلوكس كلان» (KKK) الإرهابية ليست منظمة إرهابية في رأي الولايات المتحدة، لكنها ليست المنظمة الإرهابية الوحيدة التي لا نجدها على القائمة، وهنا نرصد مجموعة من التيارات اليمينية المتطرفة في أمريكا، ونبذة عن تاريخها وأفكارها.
«الحزب النازي الأمريكي»
في 28 من أغسطس عام 1963، اليوم الذي ألقى فيه «مارتن لوثر كينغ» خطابه الشهير «لدي حلم» في المركز الوطني، وصل أحد الأمريكيين النازيين مبكرًا إلى موقع إلقاء الخطاب.
كان «جورج لينكولن روكويل»، مؤسس الحزب النازي الأمريكي وداهية وسائل الإعلام، عنصريًّا متعصبًا، كارهًا للمثليين، معاديًا للسامية. وبعد مرور 17 عاما فقط على هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، حاول روكويل عقد مسيرة احتفالية بعيد ميلاد هتلر في نيويورك.
تعود جذور الحركة الوطنية الاشتراكية في أمريكا إلى الحزب النازي، وأسسها اثنان من أتباع جورج روكويل.
توقع روكويل أن ينضم إليه 10 آلاف من المتظاهرين الغاضبين احتجاجًا على مسيرة مارتن لوثر كينغ في واشنطن، إذ سبق له أن نشر مخاوف بين العامة من أن تجمعات السود ستهاجم مقر الكونغرس، لكن إدارة شرطة واشنطن، التي افترض روكويل أنها ستكون إلى جانبه، رفضت التصريح له بالاحتجاج.
انضم أكثر من مئتي ألف أمريكي إلى مارتن لوثر كينغ لحضور حدث سلمي سيعيد تشكيل التاريخ الأمريكي، وذكرت صحيفة الجارديان وقتها أن روكويل ونحو 90 من متابعيه كانوا محاطين بمئة ضابط شرطة تقريبًا، وعندما حاول أحد المؤيدين له إلقاء خطاب على الحاضرين، أُلقي القبض عليه.
قُتل روكويل في عام 1967 على يد أحد مريديه، وظلت جماعات النازيين الجدد الأمريكية تعمل في الخفاء معظم الوقت.
اقرأ أيضًا: صعود ترامب: هل عاد هتلر من جديد؟
«الحركة الوطنية الاشتراكية»
طغت الحركة الوطنية الاشتراكية على أهم جماعات النازيين في أمريكا، مثل «الثورة البيضاء» و«الطليعة الوطنية».
تعود جذور الحركة الوطنية الاشتراكية في أمريكا إلى الحزب النازي الأمريكي السابق ذكره، فبعد مرور سبع سنوات من اغتيال جورج روكويل، انبرى اثنان من كبار مساعديه، هما «روبرت برانن» و«كليف هيرينغتون»، لإنشاء «الحركة الوطنية الاشتراكية الأمريكية لتحرير العمال» في ولاية مينيسوتا، ثم انتقلت القيادة إلى «جيف شويب» عام 1994، فغير اسمها إلى «الحركة الوطنية الاشتراكية».
أصبحت هذه الحركة الآن أكبر منظمة للنازيين الجدد في أمريكا، وقد بدأت عودتها للظهور مجددًا على الساحة العامة عام 2004، في أعقاب وفاة اثنين من أبرز قادة النازيين الجدد.
ابتداءً من عام 2004، طغت الحركة الوطنية الاشتراكية على جماعات النازيين الأمريكيين، بما في ذلك اثنتان هما «الثورة البيضاء» و«الطليعة الوطنية»، وجعلت الحركة وجودها محسوسًا بتقديم سلسلة من العروض المسرحية في الشوارع، بهدف التعريف بتوجهاتها النازية.
وخلافًا لغيرها من الجماعات النازية الجديدة، اعتمدت الحركة الوطنية الاشتراكية سياسة تجنيد مفتوحة، سمحت لأعضاء المجموعات الأخرى المنادية بتفوق العرق الأبيض بالمشاركة في أنشطتها، والانضمام إليها كأعضاء دائمين.
اقرأ أيضًا: متلازمة «أعلى من المتوسط»: مدَّعي الذكاء عنصري بالضرورة
يمكن استخلاص أفكار الحركة الوطنية الاشتراكية من التصريح الذي أدلى به جيف شويب في مقابلة أجراها عام 2007، وقال فيها: «عندما تأخذ كلبًا من فصيلة جيرمان شيبرد وتزوجه كلبًا من نوع غولدن رتريفر، سيكون الحاصل حيوانًا لا قيمة له، ولا أحد يريده، ولا يساوي شيئًا. إن هؤلاء المنحطين الذين يسمحون لأطفالهم بالاختلاط بالأعراق الأخرى يدمرون السلالة التي ينحدر منها كلا العرقين».
عودة «كو كلوكس كلان»
«كو كلوكس كلان» جماعة تنادي بتفوق العرق الأبيض، تأسست عام 1865 في الولايات المتحدة.
ومع أن شعبية هذه المجموعة شهدت صعودًا وهبوطًا على مر تاريخها الممتد لأكثر من 150 عامًا، فقد انتعشت في عشرينيات القرن الماضي، عندما صارت تضم نحو أربعة ملايين عضو بحلول عام 1925، ردًّا على زيادة وتيرة الهجرة إلى أمريكا، ثم في الستينيات، كرد فعل عنيف على الصراع الذي احتدم حينها من أجل الحصول على الحقوق المدنية. ويقدِّر «مركز قانون الحاجة الجنوبي» أن هناك بين خمس وثمانية آلاف عضو نشط حاليًّا داخل هذه الجماعة في الولايات المتحدة.
عُرفت المنظمة، المشهورة بزيها الأبيض الموحد وأغطية الرؤوس الغريبة، منذ الفترة التي أعقبت الحرب الأهلية كمنظمة مناهضة للسود، عندما كان عمل أعضائها ينصب على تخويف السود الجنوبيين، وفقًا لما ذكره المركز. ومع ذلك، عارضت المنظمة منذ فترة طويلة مجموعات أخرى غير السود، مثل اليهود والمهاجرين ومثليي الجنس والكاثوليكيين.
ارتفع نشاط «كو كلوكس كلان» بشكل ملحوظ عام 2006، لاستغلال المخاوف من زواج المثليين وارتفاع معدلات الجريمة وزيادة وتيرة الهجرة.
شهدت فترة السبعينيات محاولة لإضفاء طابع نازي على الجماعة، فدُمجت أيقوناتها التقليدية بالرموز النازية، وبدأت تتعاون مع الحزب النازي الأمريكي، الأمر الذي لفت اهتمام الشأن العام، خصوصًا عندما هاجم أعضاء المجموعتين تجمع حزب العمال الشيوعي عام 1979 في ولاية كاليفورنيا، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 12، ولم تصدر أي أحكام في حق الجناة.
بنهاية السبعينيات، أصبحت هذه المجموعات الهجينة التي تجمع النازية و«كو كلوكس كلان» أكثر شعبيةً من منظمات الكلان التقليدية، ما مثل تحولًا مهمًّا في كلٍّ من رمزية وتكتيكات الجماعات المؤمنة بالتفوق الأبيض، إذ صارت الأعلام الكونفدرالية والنازية تُرفع جنبًا إلى جنب، وهو أمر لم يكن متصوَّرًا في الثلاثينيات والأربعينيات، ولا يزال استعمالها شائعا من اليمين العنصري المتطرف إلى اليوم.
بعد فترة من الهدوء النسبي، ارتفع نشاط «كو كلوكس كلان» بشكل ملحوظ في عام 2006، مع محاولتهم استغلال المخاوف بشأن زواج المثليين، والاعتداءات المفترضة على المسيحية، وارتفاع معدلات الجريمة، وزيادة وتيرة الهجرة خصوصًا.
اليمين البديل
اليمين البديل هو مجموعة متنوعة من الناس، معظمهم ينشط عبر الإنترنت، يعتبرون أنفسهم من اليمينيين، لكنهم يرون أنهم معارضون وبعيدون كل البعد عن تيار المحافظين الأمريكيين التقليدي، نظرًا لأنهم يعتبرون الأخير متحررًا جدًّا أو مشغولًا بقضايا خاطئة.
ينشط «اليمين البديل» غالبًا في صورة مجموعات من المدونات والملفات الصوتية وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي، يتمحور كثير منها حول معلق واحد يحمل اسمًا مستعارًا.
تختلف الأيديولوجيات التي يتبناها اليمين البديل بصورة كبيرة، لكنها تشمل أنواعًا معينة من التحرريين المتطرفين، ومنتقدي الهجرة، والواقعيين العرقيين (مفكرون عنصريون معادون للسامية)، و«الرجعيين الجدد» (مناهضو الديموقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من مظاهر الفلسفة الحداثية)، وأعداء الحركة النسوية، بما في ذلك بعض أعضاء «حركة حقوق الرجال».
شارك اليمين البديل في الترويج لحملة الرئيس دونالد ترامب، لأنهم رأوا فيه مرشحًا شعبيًّا أكثر صرامةً من المرشحين المحسوبين على تيار المحافظين.
لكن هناك توجهًا أكثر عموميةً واعتدالًا من اليمين البديل، لا يحتضن كليًّا أيًّا من البرامج المذكورة، ومع ذلك، لا يزال متعاطفا مع الرسائل المعارضة التي يلقيها، ولقائمة على التشكك من الحكمة التقليدية السائدة حول مسائل العرق والجنس والديموقراطية.
يميل كثير من التعليقات التي يضخها اليمين البديل في وسائل الإعلام إلى تحديد الأمور التي يعارضها أكثر من الأمور التي يدعمها، فالمواضيع الرئيسية التي تضعها تلك التعليقات في دائرة السخرية والازدراء تكون في الغالب النخب اليسارية المشتغلة بالسياسة، والأوساط الأكاديمية، إضافةً إلى وسائل الإعلام الرئيسية، التي يروج اليمين البديل إلى أنها تخرب المجتمع، بسبب اعتناقها الاستفزازي للنسوية وتعدد الثقافات وأفكار «ما بعد الحداثة».
وفي الانتخابات الأمريكية الأخيرة، شارك عدد كبير من هذا التيار غير المنتظم في الترويج لحملة الرئيس دونالد ترامب، لأنهم رأوا فيه مرشحًا شعبيًّا أكثر صرامةً من المرشحين المحسوبين على تيار المحافظين، وذلك بفضل مواقفه المثيرة للجدل حول قضايا مثل الهجرة والمسلمين في أمريكا.
اليمين البديل حركة فضفاضة للغاية، فهو يتكون من مفكرين يسعون إلى تسليط الضوء على التفوق الفكري والثقافي المزعوم للعرق الأبيض وإنجازاته، ويديرون عددًا من الشركات الصغيرة التي تُشغِّل البيض فقط، وتضم مراكز تفكير (Thinktanks) ومنشورات إلكترونية ودور نشر. ويتكون كذلك من عنصريين أصغر سنًّا على دراية واسعة بوسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات عبر الإنترنت، موزعين على صفحات موقع «Reddit» وغيره، وربما يستخدمون «الميمز» في التعليق على الأخبار والسخرية منها كذلك.