لأكثر من عشرة آلاف عام ابتكر البشر طرقًا تقليدية لتعديل المحاصيل بما يتناسب مع احتياجاتهم وأذواقهم، ومن الأمثلة على هذه الطرق التقليدية التهجين، والتهجين الانتقائي، والتهجين بالطفرات، وغالبًا ما تتضمن هذه الطرق خلط جميع الجينات من مصدرين مختلفين وتُستخدم هذه الطرق لإنتاج محاصيل شائعة مثل أصناف الذرة الحديثة والبطيخ الخالي من البذور.
تُمكّن التكنولوجيا الحديثة العلماء الآن من استخدام الهندسة الوراثية لنقل جين مفيد، مثل مقاومة الحشرات أو تحمل الجفاف، إلى النبات، وتتشابه أسباب التعديل الوراثي اليوم مع ما كانت عليه قبل آلاف السنين: كزيادة غلة المحاصيل، انخفاض خسائرها، إطالة مدة التخزين، تحسين المظهر، تحسين التغذية، أو مزيج من هذه الصفات.
التعديل الوراثي للنباتات يسمح باستحداث صفات جديدة في شكل وطعم النبتة مما يؤدي إلى تغيير في خصائصها الوراثية
إذا الأغذية المُعدّلة وراثيًا هو المصطلح الذي استخدم لوصف أنواع معينة من الكائنات المعدلة وراثيًا، ويُعرّف بأنها تلك التي تحتوي على مواد وراثية قابلة للكشف، عُدّلت من خلال تقنيات معملية مُحددة، ولا يُمكن إنتاجها من خلال التربية التقليدية أو إيجادها في الطبيعة.
كيف تتم عملية التعديل الوراثي للنباتات؟
التعديل الوراثي هو إدخال بعض التغييرات إلى الحمض النووي للنباتات باستخدام تقنية الهندسة الوراثية، بإضافة جينات من أنواع أخرى من النباتات والحيوانات أو البكتيريا، حيث تسمح هذه التقنيات باستحداث صفات جديدة، بالإضافة إلى زيادة السيطرة على صفات حالية، وتتم العملية عن طريق إقحام الجينات، مما يؤدي إلى تغيير في الخصائص الوراثية.
هل يتوجب القلق بشأن الكائنات المعدلة وراثيًا؟ وهل هي ضارة بالصحة؟
لقد دخلت الأطعمة المعدلة وراثيًا والتي يرمز لها بـ(GMOs) في النقاشات الدائرة حول المواد الكيميائية والمضادات الحيوية والمواد المضافة في غذائنا، ولكن المحاصيل المعدلة وراثيًا لا تنطوي على أي مخاطر، وفق ما تشير إليه صحيفة واشنطن بوست الأميركية، و ما يجب أن يُثير القلق هو احتمالية التعرض لمبيدات الأعشاب، والتي قد تكون نتيجة غير مباشرة للزراعة الحديثة للكائنات المعدلة وراثيًا.
المحاصيل المعدلة وراثيا الأكثر شيوعا في دول العالم والولايات المتحدة تحديدًا، هي فول الصويا والذرة المقاومة لمبيد الأعشاب غليفوسات، والذي صنفته الوكالة الدولية لأبحاث السرطان على أنه مادة مسرطنة محتملة للإنسان.
أظهرت دراسات عديدة أن استهلاك الأطعمة المعدلة وراثيًا لا يرتبط بمخاطر صحية مرتفعة، بما في ذلك السرطان، إلا أن استخدام الغليفوسات والذي ارتفع بشكل كبير في الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي هو المسبب للعديد من المخاطر المرتبطة بهذه المنتجات.
ماهي أبرز المنتجات المعدلة وراثيًا في العالم؟
هل سبق لك أن وجدتَ من الغريب أن يُسمّى الباذنجان، تلك الكتلة الكبيرة ذات اللون الأرجواني الداكن، تيمنًا ببيضة؟ لقد تم تهجينه بهذه الطريقة بشكل انتقائي، في الواقع، كان الباذنجان الشائع في القرون الماضية أشبه بأشكال بيضاوية بيضاء صغيرة، ومع مرور الوقت اختلفت التقنيات الحديثة اختلافًا كبيرًا، فأصبحت الكائنات المعدلة خاضعة وراثيًا لعملية هندسة جينية مُسرّعة في المختبر لإدخال جين جديد من كائن حي آخر إلى الحمض النووي، واليوم، تُعدّ القدرة على تحمل مبيدات الأعشاب ومقاومة الحشرات من أكثر الصفات شيوعًا في الكائنات المعدلة وراثيًا.
أظهرت دراسات عديدة أن استهلاك الأطعمة المعدلة وراثيًا لا يرتبط بمخاطر صحية مرتفعة، بما في ذلك السرطان
مع هذه الأطعمة المعدلة وراثيًا، بدلًا من الاعتماد بشكل كبير على إزالة الأعشاب الضارة ميكانيكيًا، استخدم المزارعون كميات متزايدة من مبيدات الأعشاب التي لا تضر بمحاصيلهم. ونتيجةً لذلك، اكتُشفت كميات من مبيدات الأعشاب، مثل الغليفوسات، في الحبوب المعدلة وراثيًا المخصصة لغذائنا وأعلاف الحيوانات في بعض المناطق.
خلال العقود الثلاثة التي انقضت منذ طرح المحاصيل المعدلة وراثيًا، لم يُطوَّر ويُعتمد سوى عدد ضئيل منها للبيع، ومعظمها منتجات من إنتاج شركات كيماويات زراعية كبرى، إلا أن المحاصيل المعدلة وراثيًا، ضمن هذه الفئات، سيطرت على جزء كبير من السوق.
حوالي 94% من فول الصويا المزروع في الولايات المتحدة مُعدّل وراثيًا، وكذلك أكثر من 90% من جميع محاصيل الذرة والكانولا وبنجر السكر، وتغطي مجتمعةً ما يقرب من 170 مليون فدان من الأراضي الزراعية.
في الوقت نفسه، ازدادت مقاومة الأغذية المعدلة وراثيًا. فقد ازداد سوق المنتجات المعتمدة على أنها خالية من الكائنات المعدلة وراثيًا بأكثر من 70 ضعفًا منذ عام 2010، من حوالي 350 مليون دولار في ذلك العام إلى 26 مليار دولار بحلول عام 2018، ويوجد الآن أكثر من 55,000 منتج يحمل ملصق "مشروع معتمد من الكائنات غير المعدلة وراثيًا" على عبواتها.
لماذا نرفض تناول المنتجات المعدلة وراثيًا؟
يقول ما يقرب من نصف المتسوقين الأمريكيين إنهم يحاولون تجنب شراء الأغذية المعدلة وراثيًا، بينما وجدت دراسة أجرتها جينيفر كوزما، عالمة الكيمياء الحيوية ومديرة مركز الهندسة الوراثية والمجتمع بجامعة ولاية كارولينا الشمالية، أن المستهلكين مستعدون لدفع ما يصل إلى 20% زيادة لتجنبها .
بالنسبة للكثيرين منا، يُعد رفض الكائنات المعدلة وراثيًا أمرًا غريزيًا. يقول آلان ليفينوفيتز، أستاذ الدين والعلوم في جامعة جيمس ماديسون: "بالنسبة لمن لا يرتاحون لهذا الأمر، فإن اعتراضهم هو أنه أمرٌ لا يمكن أن يحدث في الطبيعة أبدًا". ويضيف: "مع الهندسة الوراثية، هناك شعور بأننا نعبث بمكونات الواقع الأساسية. قد نشعر بالرضا تجاه إعادة ترتيب الجينات، كما تفعل الطبيعة، لكننا لا نرتاح لخلطها بين الكائنات".
ماهي المخاطر الصحية المرتبطة بالمحاصيل المعدلة وراثيا؟
راجعت الأكاديميات الوطنية للطب أكثر من 900 دراسة عام 2016 حول الأطعمة المعدلة وراثيًا، ولم تجد أي دليل على مخاطر صحية مرتفعة، بما في ذلك السرطان، ولكن للتوضيح، أقرّ ذلك التقرير، بنقص البيانات الوبائية طويلة المدى حول التعرض غير المباشر لمبيدات الأعشاب المرتبط بالكائنات المعدلة وراثيًا، كما أن الدراسات البشرية التي ربطت الغليفوسات بالسرطانات مثل ليمفوما هودجكين، قامت بشكل أساسي بتقييم المزارعين الذين لديهم مستويات عالية من التعرض المهني، وليس الأشخاص المعرضين من خلال استهلاك الأطعمة المعدلة وراثيًا في الحياة اليومية.
المحاصيل المعدلة وراثيا الأكثر شيوعا في دول العالم والولايات المتحدة تحديدًا، هي فول الصويا والذرة المقاومة لمبيد الأعشاب غليفوسات
لماذا الأطفال أكثر عرضة للخطر بسبب المنتجات المعدلة وراثيًا؟
تناولت دراسة واسعة النطاق، نُشرت في يناير الماضي في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS)، سجلات المواليد في المناطق الريفية الأمريكية بين عامي 1990 و2013، ووجد باحثون من جامعة أوريغون أن الأطفال الذين تعرضوا لمستويات أعلى من الغليفوسات، وخاصة في المناطق الريفية في الجنوب والغرب الأوسط، كانوا أكثر عرضة للولادة بأوزان أقل.
إن الدراسات المستقبلية صغيرة ومحدودة، لكن النتائج لا تزال تستحق التوقف عندها، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2021 على 250 امرأة حامل في بورتوريكو أن التعرض قبل الولادة للغليفوسات (الذي تم قياسه بشكل موضوعي في عينات البول) كان مرتبطًا بزيادة احتمالات الولادة المبكرة بنسبة 35٪.
ما هي المحاصيل المسموح بتعديلها وراثيا؟
المحاصيل المعدلة وراثيًا ليست منتشرة كما يعتقد الكثيرون، لا يوجد سوى 11 محصولًا معدلًا وراثيًا معتمدًا يُزرع في الولايات المتحدة، بما في ذلك التفاح والبطاطا والبابايا.
لا تشمل القائمة محاصيل مثل الطماطم والقمح والفراولة، وفي العام الماضي، تمت الموافقة لأول مرة على الموز المعدل وراثيا في أستراليا ونيوزيلندا لمكافحة الأمراض الفطرية.
