يمكن أن يكون فقدان شخص مهم في حياتنا، سواء بسبب الموت أو الانفصال أو الانتقال أو أي تطور آخر، أمرًا كارثيًا، نحن كبشر مخلوقات اجتماعية، والأشخاص الآخرون يمنحوننا الشعور بالانتماء والاستمرارية والحياة، كما أن الطبيعة المفاجئة للعديد من حالات الانفصال يمكن أن تتركنا مكشوفين أمام آلام لا نستطيع تحملها، مما يثقل كاهلنا بمشاعر الوحدة والانعدام التي يمكن أن تعذبنا بشكل بطيء وتقضي على أي شغف لدينا في الحياة.
مشاعر الوحدة والانعدام يمكن أن تعذبنا بشكل بطيء وتقضي على أي شغف لدينا في الحياة
نشعر بهذه الطريقة لأن تجربة الخسارة يمكن أن تؤدي إلى تحولات في أنظمتنا البيولوجية، إن فهم هذه التغييرات، خاصة في دماغنا، يمكن أن يساعدنا على إدراك أن الشفاء من الخسارة قد يستغرق وقتًا، ونحن بحاجة إلى أن نكون لطيفين مع أنفسنا أثناء عملية الحزن.
طبيب نفسي في المركز الطبي بميريلاند، وأستاذ مشارك في كلية الطب بجامعة ميريلاند
كيف يؤثر الحزن على الدماغ ؟
أثناء الحزن، ترتفع مستويات هرمون التوتر "الكورتيزول"، ويمكن أن تتغير أنماط تنشيط الدماغ، وفق ما يؤكده الدكتور كريستوفر ميلر، وهو طبيب نفسي في المركز الطبي بجامعة ميريلاند، وأستاذ مشارك في كلية الطب بجامعة ميريلاند، وهو مؤلف كتاب " عدسة علاقات الكائنات: إطار ديناميكي نفسي للمعالج المبتدئ".
على سبيل المثال، يمكن أن تصبح "العقد القاعدية" - وهي مجموعات من الخلايا العصبية الموجودة عميقًا داخل الأجزاء السفلية من الدماغ - أكثر نشاطًا.
وتشارك هذه الخلايا العصبية في تحديد أنماط عملنا المعتادة، كما أنها تساعد في تحديد المكافأة والمتعة التي نحصل عليها من علاقات معينة وستلعب دورًا في كيفية استجابتنا للانفصال عن أحبائنا.
نظرًا لأن العقد القاعدية تشفر إحساسنا بالتقارب والشعور بالانجذاب نحو الآخرين، فإن النشاط الزائد في هذه المنطقة استجابةً للانفصال يمكن أن يدفعنا إلى محاولة إعادة الاتصال من خلال سلوكيات البحث مثل الرغبة في "الخروج والبحث" عنهم، وبما أننا قد ربطنا بين أحبائنا ومشاعر المكافأة والمتعة، فإن غيابهم قد يجعلنا نتوق إليهم.
يمكن أن يصبح إحساسنا بالمتعة والرضا مرتبطاً بأفراد محددين.. بحيث يبدو من المستحيل القيام بأي شيء ذي قيمة من دونهم
الأهم من ذلك، أن هناك بعض التداخل بين المناطق التي تشفر تمثيلنا لأنفسنا والمناطق التي تشفر تمثيلات الآخرين المقربين، أدمغتنا لا تميز بين أنفسنا والآخرين بشكل كامل؛ يمكن أن يكون هناك عدم وضوح بين المكان الذي ننتهي فيه والمكان الذي يبدأ فيه الشخص الآخر، خاصة في العلاقات الحميمة.
فقدان شخص عزيز علينا يمكن أن يجعلنا نشعر كما لو أن جزءًا من أنفسنا قد أُخذ منا، ونتيجة لذلك، فإننا نواجه صعوبة في التعرف على هويتنا بعد الخسارة.
الوقوع في الحزن
هناك العديد من الطرق التي يمكن أن نصبح بها عالقين في دائرة الحزن، وفق ما يؤكده الدكتور كريستوفر ميلر.
يمكن أن يصبح إحساسنا بالمتعة والرضا مرتبطًا جدًا بأفراد محددين بحيث يبدو من المستحيل القيام بأي شيء ذي قيمة لا علاقة له بهم.
سواء كنا نستمع إلى الأغاني أو نشاهد الأفلام التي نستمتع بها أو ننظر إلى الصور الفوتوغرافية والتذكارات، فإننا نفضل الحصول على نوع من المكافأة من خلال التفاعل مع هذه التذكيرات حتى لو كانت تجلب الحزن أيضًا، بدلاً من التحول نحو الأنشطة الأخرى التي يمكن أن تكون ممتعة ولكنها لا تحتوي على أي شيء له علاقة اتصال بالشخص الغائب.
أثناء الحزن، ترتفع مستويات هرمون التوتر "الكورتيزول"، ويمكن أن تتغير أنماط تنشيط الدماغ
يمكن أن يؤدي الانخراط في أنشطة أخرى أيضًا إلى الشعور بالذنب، حيث قد نشعر أننا نخون الشخص من خلال محاولتنا المضي قدمًا.
كلما شعرنا "بالاندماج" مع أشخاص معينين، كلما أصبح من الصعب تخيل المستقبل بدونهم، ويمكن لهذا المأزق أن يطيل استجابة الحزن.
الخسارة جزء لا مفر منه من الحياة، لكن آثارها لا ينبغي أن تستهلكنا، بينما نحاول العثور على الشفاء.
هناك بعض الأفكار المهمة التي يجب وضعها في الاعتبار أثناء عملية الحزن ومنها:
تجنب العزلة
قد يكون من السهل أن نحيط أنفسنا بما يذكرنا بالشخص الغائب، ونفكر في الخسارة ونتجنب التعامل مع أي شيء لا علاقة له بالعلاقة.
قد يكون من الصعب التفكير بوضوح، ويمكن أن يختبر الناس ما يُطلق عليه "ضباب الحزن "، وغالبًا ما تكون الأفكار التي تراودنا متكررة ومعذبة، مثل "لماذا حدث لي هذا؟" أو "هل كان بإمكاني فعل أي شيء مختلف؟"
نحن نبقي أنفسنا محاصرين في علاقة انتهت، على الرغم من أن ذلك مؤلم وغير قابلة للتغيير، ولكن رغم صعوبة الأمر، فإن محاولة التواصل مع الآخرين تدفعنا إلى إدراك أن هناك علاقات أخرى جديرة بالاهتمام.
لا تعرف نفسك بالخسارة
عندما تنتهي العلاقة، فإن ما نفقده ليس فقط القدرة على التنبؤ والراحة، ولكن أيضًا الشعور بأنك شخص مميز وفريد من نوعك في ذهن شخص آخر. جزء مهم من عملية الحزن هو أن نتذكر أن لدينا قيمة متأصلة، والتي تظل حية على الرغم من غياب الشخص الآخر، إن استعادة إحساسنا بالقيمة يمكن أن يذكرنا بأن الحياة تستمر، حتى لو لم تستمر العلاقة.
تذكر أن الحزن يملي مساره الخاص
لا يوجد جدول زمني لانتهاء الحزن، يمكن للناس أن يمارسوا الكثير من الضغط على الفرد الحزين للمضي قدمًا، لكن فقط أولئك الذين هم في العلاقة يعرفون ما يعنيه ذلك. لا يمكننا إزالة جميع التذكيرات الخاصة بالشخص الغائب ولا يوصى بهذا بالضرورة، من المتوقع إعادة تجربة الحزن، خاصة في التواريخ المهمة وعند التفاعل مع الأشياء التي تذكر الأشخاص الذين رحلوا.
إن التحلي بالصبر والرحمة مع أنفسنا أمر بالغ الأهمية، وعلينا أن نتجنب المطالبة بالرحلة إلى الصحة التي تتجاوز التكامل الواقعي والمستدام لخسارتنا، الحزن فردي وسيستغرق الوقت الذي يحتاجه.