برازيل «زيكو»: الهبوط من جنة كأس العالم

اللاعب البرازيلي زيكو - الصورة: Danyele

أمين حمزاوي
نشر في 2018/07/02

 عرفتُ البرازيلي «زيكو» خلال كأس العالم في ألمانيا 2006، حينها كان مدربًا لمنتخب اليابان الذي خسر برباعية أمام حامل اللقب (البرازيل) ليخرج من الدور الأول.

قبل ذلك لم يمثل اسم زيكو بالنسبة إليَّ سوى عادل إمام في فيلم «رجل فقد عقله». هناك اختلاف ملحوظ بينهما في الشكل، لكن حيوية المصري أمام الكاميرا خلال الثمانينيات لم تكن لتضاهيها سوى حيوية البرازيلي في تسجيلات بطولتي العالم في إسبانيا 82 والمكسيك 86، التي وجدتها في ما بعد على يوتيوب.

لاعب وسط مهاجم قصير بعض الشيء، حريف، يلعب بشغف، يحتفل بكل لمسة للكرة، بأناقة تحريكه لها ليمنحها بُعدًا فنيًّا جديدًا. عقد البرازيليون عليه آمالًا كبيرة بعد انتهاء حقبة «بيليه»، لقبوه بـ«بيليه الأبيض»، وحمل الرقم 10 كذلك.

لعب زيكو إلى جانب الجناح الأيسر المدفعجي «إدير»، وإلى جانب «سيريزو» و«جونيور» و«أوسكار» و«سقراط»، الطبيب البرازيلي، فيلسوف خط الوسط الذي احترف الكرة في سن الرابعة والعشرين، وشارك في بطولتي كأس عالم، تحت قيادة «تيلي سانتانا»، المدرب المحلي صاحب أسلوب «جوجو بونيتو» أو «اللعب الجميل»، الأسلوب الهجومي المفتوح السلس الذي تشعر معه بأن ذلك الجيل كان يستمتع بالكرة على شواطيء ريو.

كان جيلًا ذهبيًّا ومنتخبًا متجانسًا لعب كرة قدم ممتعة إلى أقصى حد، فعل كل شيء في كأس العالم ما عدا الحصول على الكأس، أو حتى الوصول إلى النهائي. خرجوا أبطالًا من ربع النهائي ونصفه.

حين يضيق التاريخ ببطل آخر

أهداف مباراة البرازيل وإيطاليا في كأس العالم 82

في بطولة العالم بإسبانيا عام 1982 شارك زيكو، وفي رصيده هدف واحد سجله من ركلة جزاء في مونديال الأرجنتين، قبل أربعة أعوام، حين حلت البرازيل في المركز الثالث.

غاب «كاريكا»، المهاجم الواعد، بداعي الإصابة، وبدأت البرازيل بقوة، ففازت على الاتحاد السوفييتي بهدفين مقابل واحد. سجل سقراط واحدًا من أجمل الأهداف في تاريخ البطولة، من منتصف الملعب تخطى بمهارة لاعبَين، وسدد من بعيد كرة استقرت في الزاوية الـ90 للمرمى. بعدها أسهم زيكو بهدف في الفوز على أسكتلندا بأربعة أهداف مقابل هدف، وبثنائية في الفوز على نيوزيلندا برباعية نظيفة.  

صعدت البرازيل إلى الدور الثاني لتقع (حسب النظام القديم) في مجموعة واحدة مع الغريم التقليدي الأرجنتين ومنتخب إيطاليا. سدد «إيدير» ركلة حرة بعيدة في مرمى الأرجنتين، ارتدت من العارضة ليُسكِنَها زيكو بلمسة واحدة خاطفة في المرمى. حطمت البرازيل غريمتها حاملة اللقب (الأرجنتين) بثلاثة أهداف مقابل هدف.

كان الأداء البرازيلي المنسجم مبشرًا بوصول الفريق إلى مراحل متقدمة. رصيد زيكو الآن أربعة أهداف، والمباراة التالية أمام إيطاليا، ويتأهل منتخب واحد فقط عن كل مجموعة إلى نصف النهائي.

تقدمت إيطاليا بهدف فتى أوروبا الذهبي حينئذ «باولو روسِّي»، ثم من تبادل خاطف سريع للكرة مع زيكو، أحرز سقراط هدف التعادل. سجل روسِّي من جديد، وسدد «فالكاو» كرة صاروخية سجل منها الهدف الثاني. لكن روسِّي قضى على آمال البرازيليين بتسجيله الهاتريك لتفوز إيطاليا بثلاثة أهداف مقابل هدفين، ويخرج منتخب الأحلام من الدور ربع النهائي.

اقرأ أيضًا: موسم جنون انتقالات اللاعبين: من يستحق الضجة في كأس العالم؟

التاريخ يتسع لأسطورة جديدة

فعلت البرازيل كل شيء يمكن فعله في كرة القدم. فهل فِعل كل شيء بصورة صحيحة يؤدي إلى النتائج المطلوبة؟

ذهبت البرازيل بعد أربعة أعوام إلى المكسيك، حيث فازت بكأسها الأخيرة عام 1970، بحضور كل نجوم نسخة إسبانيا، وعلى رأسهم سقراط وزيكو، إلى جانب الحضور الأول لكاريكا. حملت البرازيل آمال التتويج الرابع، غابت الكأس لـ16 عامًا، ويرغب جيل الأحلام في تحقيقها للمرة الأولى من دون بيليه.

تخطت البرازيل إسبانيا بهدف لسقراط، وبعدها الجزائر بهدف لكاريكا استغل فيه خطأ دفاعيًّا فادحًا من «محاربي الصحراء»، ثم أيرلندا الشمالية بثلاثة أهداف، اثنان منها لكاريكا، وواحد لـ«خوسيمار».

في الدور الثاني سحقت البرازيل بولندا برباعية نظيفة سجلها سقراط وخوسيمار و«إيدينهو»، فيما سجل كاريكا هدفه الرابع في البطولة، بينما غاب زيكو عن المباراة للإصابة. استمتع البرازيليون بالتمريرات البينية التي ساعدتهم على اختراق عمق دفاع خصومهم بسهولة، أعطوا دروسًا في التحول السريع من الدفاع إلى الهجوم، والتمركز الصحيح، وسرعة نقل اللعب بين الجناحين، وكذلك أظهروا تفاهمًا رائعًا بينهم مكَّنهم من توقع تحركات بعضهم وتمريراتهم، وبالتالي تمرير الكرة بمهارة ودقة وتكثيف التصويب على مرمى الخصم، لكن فتحهم الجريء للعب كلفهم كثيرًا في الدفاع.

بعدها  صعدوا لملاقاة فرنسا، ورقمها العاشر «ميشيل بلاتيني»، في الدور ربع النهائي، في مباراة لم يكن أحد يدري بعد أنها ستكون ملحمة خالدة في سجل أفضل مباريات كأس العالم واللعبة بشكل عام.

بعد 17 دقيقة أمام فرنسا مرر «جونيور» إلى كاريكا الذي بدوره اختطف الهدف الأول، وهدفه الخامس في البطولة، وتعادل «بلاتيني» قبل نهاية الشوط الأول بثلاث دقائق. حاول زيكو بالرأس، فاصطدمت كرته بالعارضة، بعدها حصلت البرازيل على ركلة جزاء نتيجة عرقلة الحارس «جويل باتس» لـ«برانكو» داخل المنطقة.

كان الدور على زيكو في التسديد، سجل سقراط وكاريكا من نقطة الجزاء في الأدوار السابقة، تقدم زيكو، لكنه ضيَّع الكرة، أبعدها الحارس عن يسار مرماه، انفجر الجمهور الفرنسي بالصراخ، تقدم بلاتيني يواسي زيكو ويحتفل به في الوقت ذاته.

سدد البرازيليون من كل نقطة ممكنة، من منتصف ملعب الفرنسيين، وضيَّع الفرنسيون كذلك بكل طريقة ممكنة على مدار الوقت الذي امتد إلى الأشواط الإضافية حتى وصل إلى ركلات الترجيح. سدد زيكو، وسجل هذه المرة. وحين ضيع سقراط ضيع بلاتيني أيضًا، لكن جوليو سيزار حسم الأمور لصالح فرنسا بتضييعه ركلة أخرى للبرازيل.

تعيدني تجربة هذا الجيل الكروي إلى سؤال قديم: هل فِعل كل شيء بصورة صحيحة يؤدي بالضرورة إلى النتائج المطلوبة؟

خلال بطولتَي العالم في إسبانيا والمكسيك، فعلت البرازيل كل شيء يمكن فعله في كرة القدم. قدمت متعة غير محدودة. زيكو الذي ضيع ركلة الجزاء أمام فرنسا، سجل خلال مسيرته ما يقرب من 500 هدف، منها ركلات جزاء كثيرة بالتأكيد، ومنها أمام حراس أبرع من الفرنسي «جويل باتس»، فلماذا يتوقف عند هذا الحد؟

حقيقة أن كاريكا وسقراط وسيريزو وجونيور وزملاءهم لم يرفعوا كأس العالم مع البرازيل، «مزعجة». أستطيع مثلًا تصور «رونالدو» مع البرتغال دون الفوز بكأس العالم، البرتغال غير مرشحة دائمًا، ولن تكون مفاجأة ألا تفوز، ورونالدو بالرغم من أنه أفضل لاعبي العالم، فإنه غير مُطالَب بالفوز بهذه الكأس تحديدًا، لكن الكرة البرازيلية في الثمانينيات لا تستحق عدم الفوز بكأس العالم.

لكرة القدم قوانين بالطبع، وغالبًا ما تخرق المصادفات تلك القوانين. أعترف بسلطة المصادفة التي قد تجمع بين اللعب الجميل والفوز في شخصية البطل كما في حالة مارادونا مثلًا. وفي أحيان أخرى كثيرة تختار إحدى الصفتين فقط: إما الفوز، وإما اللعب الجميل. هنا لا أنكر على المصادفة أنها حين سلبتنا زيكو وسقراط منحتنا مارادونا وأسطورته الملحمية، رفعُ مارادونا إلى كأس العالم يخفف كثيرًا من آلام الندم على الجيل الذهبي للبرازيل في الثمانينيات، بينما تبقى أسطورة زيكو وزملائه حية لتصير حكايتها أهم وأكثر إلهامًا من تأهل فرنسا إلى نصف نهائي كأس العالم في المكسيك عام 1986.

مواضيع مشابهة