منذ خمسينيات القرن العشرين يلقى الحديث عن دور المرأة اهتمامًا متزايدًا، وتطور إلى درجة المطالبة بالمساواة والحق في التعليم والتمثيل الدبلوماسي. ولا يزال الاهتمام بالقضايا الخاصة بالنساء يعبر عن روح المستقبل. لذلك، تسعى الحكومات إلى إشراك النساء بشكل أكبر.
هذا التمثيل الدبلوماسي من الممكن أن يكون صوريًّا، لا يعبر عن الوضع الحقيقي في البلاد، وقد يرمز إلى وضع حقيقي ومستقبل واعد بالمساواة.
تمثل إفريقيا حالة فريدة للحركة النسائية، حيث تعاني المرأة الاضطهاد وانعدام المساواة، بينما يوجد تمثيل دبلوماسي ضئيل لهن ناتج عن صراع على الحق في التعليم والعدالة والأمن والتمثيل الدبلوماسي. لكن يبدو أن هذا الصراع بدأ يؤتي ثماره، ويبتعد بدرجات كبيرة عن الرمزيات الفارغة.
إثيوبيا.. امرأة على رأس السلطة
بداية نوفمبر 2018، وافق البرلمان الإثيوبي على تولي السيدة سهل ورق زودي، منصب رئيس الجمهورية، في سابقة فريدة من نوعها، لتكون أول سيدة تتولى هذا المنصب في تاريخ إثيوبيا الحديث.
فبعد حياة حافلة من الدبلوماسية، بدأت من سفارة إثيوبيا في السنغال، مرورًا بجيبوتي، وصولًا إلى تنصيبها سفيرة لبلادها في العاصمة الفرنسية باريس.
انتقلت سهل إلى العمل مع الأمم المتحدة لتشغل منصب رئيسة مكتب حفظ السلام في إفريقيا الوسطى، ثم ترأست مكتب الأمم المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي، وبعدها شغلت منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الاتحاد الإفريقي.
على الرغم من رمزية منصب الرئاسة في النظام السياسي الإثيوبي، إذ يتولى رئيس الوزراء معظم المهمات التنفيذية، فهذا لا يقلل من هذه الخطوة التاريخية، خصوصًا مع كونها ثمرة تغيرات واسعة شهدتها إثيوبيا في الفترة الأخيرة.
ثورة في الهضبة السمراء
في إبريل 2018، تولى آبي أحمد منصب رئيس الوزراء، ليكون أول رئيس وزراء من طائفة «الأورومو» (الأكبر من حيث عدد السكان)، والأكثر اضطهادًا بين ما يقارب 30 عرقًا.
أقر أحمد تغييرًا وزاريًّا لم تعتد البلاد مثله من قبل، فقد شغلت النساء فيه 10 مناصب وزارية ضمن 28 منصبًا، وأوقف العمل بقانون الطوارئ، وأفرج عن معتقلي الرأي والصحفيين الذين بسببهم شهدتها إثيوبيا اضطرابات واسعة خلال العامين الماضيين. في الوقت الحالي يسعى آبي أحمد لعقد السلام مع الصومال وإريتريا، بعد تاريخ طويل من الصراع.
في منتصف أكتوبر 2018، أقر آبي أحمد تغييرًا وزاريًّا جديدًا، ليقلل من الحقائب الوزارية إلى 20 وزارة بدلًا من 28، ويشكل وزارة تكنوقراط تتولى فيها عشر نساء مناصب وزارية، أهمها وزارتا «الدفاع» و«السلام» التي تُعنى بالحفاظ على الأمن الداخلي.
وهكذا يصبح التعديل الوزاري الأخير تأكيدًا على الخطوة السابقة في تمكين النساء من المسؤولية السياسية، وإسناد حقائب سيادية في حركة غير مسبوقة. بل يتعدى هذا التمكين إلى رئاسة الجمهورية، وكذلك إلى المحكمة العليا التي أقسمت أمامها «ميازا أشيفاني» كأول رئيسة لها في تاريخ إثيوبيا الحديث بداية من نوفمبر 2018.
ما الذي يعنيه تولي النساء مناصب سيادية؟
التمثيل الدبلوماسي للنساء لا يعد علامة على تمكين حقيقي لهن. فرغم الحملات الدولية المتعددة التي تنادي بالمساواة وحقوق المرأة، وازدياد معدل التمثيل الدبلوماسي لهن في جميع أنحاء العالم، فإن الانتهاكات لا تزال تغطي مناطق كثيرة، قد تطال المناطق التي تشتهر بالمساواة بين الجنسين.
ولعل حملة #me_too أبرز مثال على الانتهاكات الخفية للنساء، في الأوساط التي تدعم حقوق المرأة ومساواتها بالرجل. وفي الوقت الذي استطاع فيه عدد من الضحايا الحصول على العدالة، نرى كثيرات ما زلن يبحثن عن حقوقهن، ويتعرضن لانتهاكات مجهولة لم يُسلَّط عليها الضوء حتى الآن.
في الحالة الإثيوبية، تعاني النساء من التهميش في مجتمع مضغوط يواجه التقلبات السياسية والتمييز العرقي والحروب الطائفية. وعلى الرغم من أن وضع النساء قد لا يكون هو المشكلة الأساسية في البلاد، فالتمثيل الدبلوماسي لهن قد يقلب الطاولة ويكون بمثابة رد ثوري على الطائفية.
ففي الوقت الذي تعاني فيه طائفة «الأورومو» من التهميش، ولا يجري تمثيل معظم الطوائف بطريقة ديمقراطية، فإن تمثيل النساء وتوليهن مناصب سيادية، كرمزية لسياسة المساواة التي ستتبعها الحكومة الجديدة، يأتي أداة لقهر التصور الطائفي المتوغل في عقلية المواطنين. إذ يقول آبي أحمد إن «الوزيرات قادرات على دحض الرأي القائل إنهن لا يستطعن القيادة».
لكن إثيوبيا ليست الدولة الإفريقية الوحيدة التي بدأت النساء فيها حصد مكاسب مهمة، أو لعبت فيها المرأة دورًا أساسيًّا في الحراك السياسي.
قد يهمك أيضًا: هل يعُم السلام لو حكمت النساء العالم؟ التاريخ يجيب
ليبيريا.. من الاضطهاد إلى الرئاسة
في إبريل 2003، تجمَّع أكثر من ألفي امرأة من الحركة النسائية الليبيرية للمطالبة بالسلام، أمام منزل الديكتاتور الليبيري «تشارلز تايلور» لعرض مطالبهن حول السلام وحقوق المرأة، وكذلك لإنهاء الحرب الأهلية.
كانت حركة سلمية. فإضافة إلى الحركات المطالبة بالسلام التي تتعدد مطالبها، لم تُركِّز الحركة النسائية سوى على حقوق المرأة وإنهاء الحرب الأهلية.
دفعت التجمعات الكبيرة تايلور إلى قبول سماع المطالب التي عرضتها «ليما غوبوي»، زعيمة الحركة النسائية، وأشارت إليها في مذكراتها في ما بعد: «سئمنا من الحرب. سئمنا من الهرب. لقد تعبنا من التسول للحصول على قمح. لقد سئمنا من تعرض أطفالنا للاغتصاب. نحن الآن نتخذ هذا الموقف لضمان مستقبل أطفالنا. لأننا نؤمن بوصفنا أوصياء على المجتمع، أن أطفالنا في الغد سيسألوننا: أمي. ماذا كان دورك خلال هذه الأزمة؟».
بملابس وربطات شعر بيضاء، وصلت مجموعات من الحركة النسائية الليبيرية إلى غانا، بعد هذا الحدث بأسابيع، لتعتصم خارج أبواب الفندق الذي يشهد عقد مفاوضات الصلح لإنهاء الحرب الأهلية الليبيرية الثانية، وسعيًا للتأكيد على مطالبهن التي عرضتها غوبوي على الرئيس من قبل. منع الاعتصام خروج المسؤولين قبل اتخاذ موقف حقيقي تجاه الحرب، وتحولت المفاوضات إلى مسار جاد يُقدِّر الأوضاع في البلاد.
تقول ليما غوبوي عن بداية رحلتها في المطالبة بحقوق المرأة الإفريقية، إنها كانت وليدة مطالبة ابنها الصغير بقطعة من الحلوى حين كان يشعر بالجوع.
تنتهي الحرب الأهلية في نفس العام (2003) نتيجة رئيسية للمفاوضات، لتمثل ثمرة مجهودات الحركة النسائية، ما سيسهم في فوز «إيلين جونسون سيرليف» في أول انتخابات رئاسية بعد استقالة تايلور، وبذلك تكون أول رئيسة جمهورية في ليبيريا وفي القارة الإفريقية كلها، بعد منافسة مع «جورج ويا» ذي الشعبية العالمية، ما يشير إلى قوة وصول الحركة النسائية إلى الطبقات المختلفة.
في 2011، فاز كل من ليما غوبوي وإيلين جونسون سيرليف وتوكل كرمان، بجائزة نوبل للسلام بالتشارك، وذلك تكريمًا لمجهوداتهن السلمية في التغيير.
الأمل كان من الظلام
تقول ليما غوبوي عن بداية رحلتها في المطالبة بحقوق المرأة الإفريقية، إنها كانت وليدة مطالبة ابنها الصغير بقطعة من الحلوى حين كان يشعر بالجوع، وهي أم ترعى أولادها وحيدة ولا تملك ما يكفي من المال لإشباع رغبة الطفل البسيطة، ما خلَّف في نفسها شعورًا بالإحباط والعجز الكامل، وأخيرًا بالفشل الكبير الذي يحيط بأعمالها في منظمات المجتمع المدني التقليدية، فعلى الرغم من المجهودات الكبيرة التي تقدمها للمجتمع، لم يكن ذلك ذلك كافيًا بالنسبة إلى المجتمع الليبيري.
ترى ليما غوبوي أن الأمل الحقيقي في تحسين وضع النساء، لن يكون إلا بتمكينهن من مناقشة قضاياهم الخاصة.
نقطة البداية كانت من الظلام، واللاأمل كما تروي ليما غوبوي. هذا الإحباط والشعور الحاد بالفشل، دفعها إلى تحريض النساء على الخروج عن الصمت في وجه الحرب الأهلية التي ظلت مستمرة طوال 14 عامًا. وبداية من منتصف 2002 سعت لتشكيل حركة نسائية للمطالبة بالسلام، والتي بدأت في التجمع لنشر أفكارهن في أوساط النساء، وكذلك للنقاش معهن حول مطالبهن الخاصة.
تضمنت تجمعاتهن إقامة الصلوات المسيحية والمسلمة، واشتهرن أيضًا بأساليبهن السلمية الغريبة في الدعاية لأنفسهن من خلال الغناء والرقص في الأسواق.
ترى ليما غوبوي أن الأمل الحقيقي في تحسين وضع النساء، لن يكون إلا بتمكينهن من مناقشة قضاياهم الخاصة، ومن إكسابهن القدرة على السعي خلف أحلامهن، فمن خلال تجاربها المتعددة مع النساء المختلفات، تقول إن المشكلة الرئيسية، إضافة إلى عجز الإمكانات، تكمن في فقر المساحات التي تهتم بالنساء بشكل خاص. وبحسب تجربتها، فإن توفير المساحات لهن يطلق العنان للذكاء والالتزام والشغف والتركيز، وبالتالي إطلاق العنان لقيادات عظيمة حقيقية.
قد لا يكون الوضع في ليبيريا في الوقت الحالي هو الأفضل على الإطلاق. إذ ما زال الطريق نحو السلام والاستقرار والأمن والمساواة، محفوفًا بالعقبات، لكنه بالتأكيد ليس الأسوأ على الإطلاق. وما جرى اكتسابه بالأمس، ليس من السهل فقدانه اليوم، خصوصًا مع إسهام الخطوات الجادة نحو انتشار التعليم بين الفتيات في تصور مستقبل أفضل للسلام بشكل عام، ووضع النساء بشكل خاص.
في النهاية، لا يمكن التنبؤ بفشل أو نجاح إدارة أو سياسة من خلال «الجندر». فرغم تولي النساء في تلك الدول القيادة، ووصولهن إلى مناصب سيادية، فإنه لا يمكن تأكيد نجاحهن التام في إدارة المرحلة السياسية. فهذه عملية يتشارك فيها جميع الأطراف بشكل ديمقراطي يحترم الدستور والحقوق الأساسية للإنسان. ولكن تمكينهن سيلعب بالتأكيد دوره في دعم قضايا المساواة وتعزيز مكانة المرأة في المجتمع، إضافة إلى أنه سيجسد دورًا تاريخيًّا في القضاء على الطائفية والعنف والتمييز.