أقدم الأحلام التي دُوِّنت تعود إلى الملك السومري «دوموزيد الراعي»، الذي حكم العراق نحو عام 2500 قبل الميلاد، مباشرةً قبل «غلغامش». رأى دوموزيد في حلمه «نسرًا يختطف خروفًا من الحظيرة، وصقرًا يصطاد عصفورًا من على السور، والكأس واقعة على جانبها ودومزويد لن يحيا بعد الآن، والحظيرة أصبحت في مهب الريح».
ارتعب الملك ممَّا رآه في الحلم، وطلب من أخته المتخصصة في هذه الأمور أن تفسره له، فقالت إن «أشياء سيئة سوف تحدث، ومن الأفضل أن تختبئ».
الآن، إذا كنت مضطربًا بسبب حلم فلا تنزعج، ما يحدث لك يقع لجميع البشر منذ أربعة آلاف سنة، وطَوَال هذه الفترة حاول الناس فهم ما يحدث في عقولنا خلال فترات النعاس، عن طريق الفلسفة والدين وعلم النفس وعلم الأعصاب. وهنا سنعرض خمس من أهم النظريات التي حاولت تفسير الأحلام وتأثيرها علينا عبر التاريخ الإنساني، كما جاءت في مقال على موقع مجلة «نيويورك».
1. الأحلام نبوءات تتحقق في الواقع
خلال النوم، يرينا عقلنا الأخطار المحيطة بنا في الحقيقة ليحذرنا منها.
حلمت الملكة «مايا» بفيل يأتي إليها ويخبرها بأن ابنها سيصبح بوذا، وذلك قرب عام 500 قبل الميلاد. ويورد القرآن وسِفْر التكوين في التوراة حلمًا يراه فرعون مصر بأن سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سِمان، وكذلك سبع سنابل يابسات تأكل سبع سنابل خُضر، ومن ثَمَّ يستدعي فرعون سحرته ليفسروا حلمه، لكن من يفسره هو النبي يوسف، الذي يخبر فرعون بأن مصر ستمر بسبع سنوات من الخير تليها سبع سنوات قاسية وجافة.
في كتابه «علم الأحلام وبدايات الدين»، يرى «كيلي بلكيلي» أن القدرة على التنبؤ هي واحدة من صفات الأحلام، التي يساعد بها العقل صاحبه على الاستعداد لما هو قادم.
يعرِّف كيلي الحلم بأنه «مسرحية خيالية»، وعادةً ما تكون خاصة بالمستقبل. يرى الفيلسوف «أرسطو» أننا، في أثناء النوم ومع الابتعاد عن ضجيج العالم، تصبح لدينا انطباعات خفية تمنحنا رؤية أفضل للمستقبل، ويتفق هذا التفسير مع علم النفس التطوري الذي ظهر بعد أرسطو بنحو ألفي عام، إذ يرى أن العقل يرينا الأخطار المحيطة بنا في العالم خلال النوم ليحذرنا منها، سواء تذكَّرنا الحلم بعد الاستيقاظ أو نسيناه.
2. الأحلام رموز لما يجب أن نفعل
تفسير الأحلام هو بوابة فهم الأنشطة اللاوعية للعقل.
تحولت حياة الفيلسوف «رينيه ديكارت» بسبب عدة أحلام رآها. يروي المؤرخ وعالم النفس «جورج ماكاري»، في كتابه «ماكينة الروح: اختراع العقل الحديث»، أن ديكارت رأى مجموعة من الأحلام جعلته يفكر في إمكان التعبير عن المشكلات المكانية بمعادلات جبرية، ممَّا جعله يؤسس علم الهندسة التحليلية، الذي غيَّر حياته والعالَم كله.
كذلك، ألَّف عالِم النفس الأهم «سيغموند فرويد» كتابه «تفسير الأحلام» بعد أن شاهد حلمًا في ليلة جنازة أبيه عام 1896، وكان في الحلم رسالة مكتوب عليها «عليك أن تغمض عينيك»، حسب ما يذكر المقال.
اقرأ أيضًا: 10 من أفكار «سيغموند فرويد» المؤثرة في علم النفس إلى اليوم
كان الرئيس الأمريكي «أبراهام لينكولن» يحلم كثيرًا هو الآخر، وذكر أنه يحلم أحلامًا قريبة من الواقع ليلة أي حدث مهم يخص الحرب، كما قال أحد المقربين منه إنه أرسل رسالة إلى زوجته لتخبئ أسلحة ابنهما لأنه شاهد حلمًا سيئًا، وحلم بجنازة تخرج من البيت الأبيض قبل أيام قليلة من اغتياله.
3. الأحلام ساعي بريد من اللاوعي
رأى «فرويد» أن الأحلام هي رسائل من اللاوعي، وفي هذا يقول: «تفسير الأحلام هو الباب لفهم الأنشطة اللاوعية للعقل»، وكان يرى أن الغرض من الحلم هو التعبير عن رغبات مكبوتة، ويمكننا أن نفهم بعضًا من معانيها من خلال ربطها معًا.
في السياق نفسه، ذهب «كارل يونغ»، زميل فرويد ومنافسه لاحقًا، إلى منظور متأثر بالمستقبل، فقال إن الأحلام هي أجزاء من اللاوعي تلفت انتباهنا إلى أشياء بعينها قادمة إلينا من الكون في صورة رموز، ولهذا فإن رؤية شاب يهرب مثلًا يمكن تفسيرها بأنك ستدع فرصة هامة تفلت من بين يديك.
ويرى المعالج النفسي المعاصر «ماكسون ماكدويل»، الذي يتبع مدرسة يونغ في تفسير الأحلام منذ 29 عامًا، أن الأحلام طريقة تحاول ذاتنا عن طريقها أن تتواصل بها معنا، من أجل إيصال رسائل ترى أنها مهمة لكشف المزيد عن جوانب حياتنا الخفية، التي كانت غائبة عن وعينا.
قد يعجبك أيضًا: فيلم «Dreams»: هلاوس المخرج الياباني «أكيرا كوروساوا»
4. الأحلام سينما الذكريات
من النادر أن يكون الشخص وحيدًا في الحلم، وعادةً يظهر معه أشخاص مقربون.
بدأت الأحلام تخضع للعلم التجريبي بدايةً من خمسينيات القرن العشرين، مع اكتشاف مرحلة من مراحل النوم تُعرف بـ«حركة العين السريعة» أو (REM)، عن طريق الباحثَين «إيجين أسيرينسكي» و«ناتانيال كليتمان».
اليوم، تطورت العلوم التي تجيد قراءة إشارات المخ، وبدا بالإمكان رصد ماهية الأحلام بتطوير معادلات لملاحظة ما يكون عليه المخ عندما نستيقظ، وربما تظهر في المستقبل أجهزة لتسجيل الأحلام، حسب المقال.
أطلق الباحث «بلكيلي» قاعدة بيانات النوم والحلم، التي تضم أكثر من 20 ألف حلم رآها متطوعون من أنحاء العالم. ولاحظ «بلكيلي» أن هناك سمات عامة لأحلام معظم البشر، فمن النادر مثلًا أن يكون الشخص وحيدًا في الحلم، وعادةً يظهر معه أشخاص مقربون، لأن الأحلام تعكس العواطف التي نشعر بها، بل يذهب إلى أن الأحلام وسيلة لاختبار مدى قوة علاقاتنا، ومَن الذين نهتم بأمرهم أكثر.
5. الأحلام تمارين لنشاطات اليقظة
لِما يزيد عن قرن، أخذ الباحثون يكتشفون كيف تعزز الأحلام الذاكرة، خصوصًا في ما يخص تكوين الذاكرة بعيدة المدى، ويرى علماء الأعصاب حاليًّا أن الصور التي تحتوي على كثير من الألوان ونراها في أحلامنا أحيانًا، هي عَرَض مصاحب لعملية تشكيل الذكريات.
قد يهمك أيضًا: العلم يشرح كيف تخوننا الذاكرة
ترتبط الأحلام والذكريات بشكل قوي وغريب، فتقول الباحثة «سو لوالين» إن هناك صورة غير حقيقية مركبة من الكثير من الذكريات معًا، تتحول هذه الصورة إلى حلم في أثناء مرحلة حركة العين السريعة.
خلال إحدى التجارب، حاول بعض الناس إيجاد طريقهم في متاهة، ثم طُلب منهم أن يناموا لفترة قصيرة، فوجد الباحثون أن الذين حلموا بالمتاهة قدموا أداءً أفضل عندما عادوا لحلها مجددًا.
في تجربة أخرى، قرأ الباحثون إشارات مخ عصفور ذكر في نومه، فوجدوا نشاطًا يطابق ذلك الذي يحدث حين يغرد للفت انتباه الأنثى، ولمَّا كان من الصعب أن نسأل العصفور عن حقيقة شعوره، يفترض العلماء أنه يتمرن على الغناء في نومه ببساطة.
مع كل هذه الدراسات، يبدو أن الأحلام تحمل لنا ما هو أكثر من ملء وقت الفراغ أثناء النوم، وربما نجد قريبًا تطبيقات للهواتف تسجل الأحلام وتمنحنا تقريرًا عن أهم النقاط التي جاءت في حلم اليوم.