تصدر مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية تقريرًا سنويًا متفائلًا بشأن معدلات الفقر العالمي ونقص الرعاية الصحية، ومجموعة أخرى من المشكلات التي تواجهها البشرية وتعمل المؤسسة على محاربتها.
ومع ذلك، يصاحب هذا التفاؤل بعض القلق بشأن تحديات ما زالت تحتاج إلى استراتيجيات جديدة لمواجهتها، خاصة النمو السكاني الكبير في مناطق الأكثر فقرًا من العالم في ظل غياب رعاية صحية جيدة، كما جاء في تقرير المؤسسة لعام 2018.
الفقر العالمي، التنمية الاقتصادية، الحريات السياسية، الذكاء الاصطناعي، الطلب على الثروة الحيوانية، إلى جانب أشياء أخرى تحدث عنها رجل الأعمال الأمريكي الشهير ومؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس وعبر عن قلقه حولها، في لقاء مع الصحفي الأمريكي إيزرا كلاين من خلال البودكاست الخاص به، والذي نشره موقع VOX نصيًا.
لماذا قد تذهب جهود عقود في مكافحة الفقر هباءً؟
يرى غيتس أنه من ناحية، هناك دول آسيوية مثل الهند وإندونيسيا وباكستان وبنغلاديش، عملت بجهد كبير تجاه الاستثمار في قطاعات الصحة والتعليم والإنتاج الزراعي، مما أدى إلى تحسين الظروف المعيشية لسكان هذه البلدان.
ولكن من ناحية أخرى هناك دول ما زالت تعاني من زيادة المواليد، وبالأخص في قارة إفريقيا.
وردًا على تساؤل كلاين بشأن الاعتقاد السائد بأن إفريقيا ما زالت القارة الأفقر عالميًا، يظن غيتس أن اجتماع عوامل مهمة مثل صعوبة الطبيعة الجغرافية والاستعمار ومعدل انتشار الأوبئة والتأخر التكنولوجي، تقف حائلًا أمام تحقيق نمو قارة إفريقيا، رغم التحسن الملحوظ الذي طرأ على التعليم والصحة في القارة.
يقارن غيتس بين دول إفريقية وصلت إلى مستوى الدخل المتوسط للفرد مثل بوتسوانا وجنوب إفريقيا، ودول أخرى ما زالت تعاني من ضعف في النمو بسبب ضعف الموارد الاقتصادية والبنية التحتية، مثل نيجيريا والكونغو الديموقراطية.
ويوضح غيتس لكلاين العلاقة بين تلك العوامل وتحقيق النمو، فمثلًا بالنسبة للطبيعة الجغرافية، كانت أوروبا محظوظة بوجود قنوات بحرية تستطيع من خلالها نقل البضائع بسهولة، وبالتالي خفض تكلفة النقل، وهو ما لا يتوفر في إفريقيا.
أما بالنسبة للأوبئة، فإن الحد من انتشارها بجانب رفع الإنتاجية الزراعية يؤدي إلى بناء أساس لتنمية البنية التحتية والتعليم والصحة، وبالتالي الوصول إلى مرحلة النمو.
حتى في آسيا لم يكن عبء الأوبئة والطبيعة الجغرافية سيئًا، لأن زيادة الإنتاجية الزراعية في القارة كانت طريقًا للوصول إلى مستويات الدخل المتوسط للفرد.
يشرح غيتس لعدة قادة أفارقة عملية النمو في آسيا، وكيف كانت نتيجة تضافر جهود العمل المؤسسي مع استخدام الطرق الحديثة في الزراعة وتوفر الموارد الجيدة خلال الستينيات والسبعينيات.
في رأيه، فقد صنعوا معادلة ناجحة من مواردهم المحلية والثروة البشرية وأضافوا لها أموال المانحين، مما أدى بهم إلى النجاح في الوصول لمرحلة الدخل المتوسط والاكتفاء الذاتي.
ما علاقة النمو بالقيادة السياسية؟
أما عن العلاقة الطردية بين القيادة السياسية الرشيدة والنمو، فيرى غيتس أن رواندا وقائدها بول كاجامي مثال حي على ذلك، إذ يحرص على الاستعانة بالخبراء الأكفاء، ويتابع معدلات النمو عن قرب.
وفي سياق تلك العلاقة، وردًا على تساؤل كلاين بخصوص النمو الكبير في الصين رغم طريقة الحكم التي توصف بالمستبدة، يظن غيتس أن الحال سيتغير كما تغير في دول كانت تعاني من الحكم المستبد، مثل تايوان وكوريا الجنوبية، اللتين حققتا نموًا كبيرًا في ظل الحكم المستبد، ثم تغير الحال إلى حكم أكثر ديمقراطية، ارتبط بالحد من الفساد ونمو قطاعي التعليم والصحة. وفي العموم، يرى غيتس أن مسألة الحريات يجب أن تأخذ مسارها الطبيعي الخاص.
ما هي أولويات غيتس؟
يختلف بيل غيتس مع كلاين في الأولويات في ما يخص المشاكل التي تهدد البشرية، إذ يرى غيتس أن محاربة مشكلات معاصرة مثل انتشار الأوبئة تأتي في أولوياته، متقدمة على مشكلات مستقبلية مثل التغير المناخي أو أسلحة الدمار الشامل أو حتى الذكاء الاصطناعي. ولكنه يتفق على ضرورة وجوب إيجاد حلول لتلك المشكلات في كل الأحوال.
أما في ما يخص المخاطر التي تهدد مستقبل الثروة الحيوانية في ظل زيادة معدل نمو السكان الكبير والطلب المتزايد على الثروة الحيوانية، فيرى غيتس أنه يجب على البشر إيجاد البدائل المناسبة. ويضيف أنه شخصيًا يشارك في عدة مشروعات تسعى إلى إنتاج اللحوم معمليًا دون استخدام أي حيوانات، ومشروعات أخرى تسعى لإنتاج لقاحات تزيد من إنتاجية الحيوانات.
وما زالت مؤسسة بيل ومليندا غيتس تواصل جهودها من أجل مساعدة البشرية، واستثمرت عشرات الملايين من الدولارات في تطوير لقاحات لمحاربة فيروس كورونا المستجد، الذي ضرب كوكب الأرض نهاية عام 2019.