لم يخطر في بال الشابين «جان كوم» و«بريان أكتون» أن فشلهما في الحصول على وظيفة في مؤسسة فيسبوك سيغير حياة مليارات البشر، إذ أتاح ذلك الفشل الوظيفي للموظفين السابقين في شركة «ياهو» أن يخرجا بفكرة، رغم ما تبدو عليه من بساطة، فإنها أسهمت في تغيير خريطة البرمجيات في العالم إلى الأبد.
كانت هذه الفكرة هي إطلاق تطبيق يقدم خدمة للمحادثات، أطلقا عليه اسم «واتساب».
انتشر هذا التطبيق على نطاق واسع ووصلت شهرته إلى العالمية، وربما لا يوجد مستخدم للإنترنت لا يعرف هذا التطبيق ويستخدمه، إذ وجد فيه الناس ضالتهم من أجل محادثات الأصدقاء والأقارب المطولة. لكن الوجه الآخر لهذا التطبيق أكثر أهمية وربما خطورة، وهو ما تحدثت عنه صحيفة الغارديان في تقرير بعنوان «Inside the secret world of group chat»، حاولت فيه استكشاف هذه المساحة التي لا يعرف بوجودها كثيرون.
واتساب: الطريق إلى التوعية ضد التحرش
اكتشف مستخدمو مجموعة محادثات أن هناك طريقة شائعة يستخدمها الصحفيون الكبار للتحرش بالصحفيات الشابات.
استفادت الصحفية البريطانية «روزاموند أروين» من واتساب في مكافحة التحرش، التي ترى أنها ظاهرة تزداد انتشارًا بالتحديد في مجال الإعلام، فأنشأت «Group» محادثة سري بقصد تداول تجارب التعرض للتحرش الجنسي.
لمعت الفكرة في رأس أروين حين استلمت رسالة عبر تويتر من إحدى زميلاتها في مجال الإعلام، تضم قائمة بالرجال الذين تحرشوا بها، فرأت أنه من دون اتخاذ خطوات عملية ستتكرر تلك الوقائع.
ضم «الجروب» خمس عضوات فقط، سرعان ما أصبحن 20 امرأة، وتؤكد أروين أنهن ليس الجروب الوحيد، فهناك عديد من الجروبات التي تناقش القضية ذاتها في مجال الإعلام وغيره، أشهرها جروب عن المخالفات القانونية داخل مجلس العموم البريطاني.
وضّح ذلك الجروب أن هناك طريقة شائعة لإيقاع الصحفيات الشابات في مصيدة التحرش الجنسي، وهي أن يدعو صحفي ذو خبرة إحداهن لاحتساء مشروب وإعطائها نصائح بشأن مجال الإعلام، لكن الأمر في كثير من الأحيان لا يقف فقط عند النصائح العملية، بل قد يتطور إلى الدعوة لغرفة في فندق.
بدأت الضحايا تسردن قصص التحرش على مجموعة أروين، التي سرعان ما تحولت إلى حركة نسائية باسم «المصدر الثاني» (The Second Source)، تهدف إلى نشر التوعية بمكافحة التحرش الجنسي في مجال الإعلام، وتوعية النساء بحقوقهن.
لا يزال تنسيق أنشطة هذه الحركة يحدث عبر واتساب، الذي يمتاز عن غيره من وسائل المحادثة بأنه الأنسب للحملات، إذ يتيح مزيدًا من السرية وإيصال القرارات السريعة، وهو ما تحتاجه حركة مثل «المصدر الثاني».
اقرأ أيضًا: ما الذي تفعله الهواتف الذكية في أدمغتنا؟
خوذ بيضاء: واتساب ينقذ ضحايا الحرب في سوريا
ظهرت أهمية واتساب بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية في خان شيخون، حين استطاع متطوعو «الخوذ البيضاء» أن يصلوا إلى البلدة بأكبر عدد ممكن بفضل استخدام جروب واتساب.
دخلت سوريا، منذ عام 2011، في حرب أهلية استمرت تبعاتها حتى يومنا هذا. خلّفت الحرب دمارًا وخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة، وبالتزامن مع تلك المعارك برز دور قوات حماية مدنية تُعرف بـ«الخوذ البيضاء» منذ 2013، حملت على عاتقها مسؤولية إنقاذ الأبرياء من ويلات هذه المعارك، وكان لتطبيق واتساب دور حيوي في تلك المهمة.
يؤكد خالد خطيب، أحد أعضاء جماعة الخوذ البيضاء، لكاتب المقال أنه يستخدم واتساب مع زملائه لتنسيق العمل، فعبره يحددون أي المناطق أكثر احتياجًا لجهود الإغاثة، وهو أمر في غاية الأهمية، خصوصًا مع المناطق الواقعة تحت الحصار مثلما كان حال ريف حمص، وغيرها من الأماكن التي لم تعد توجد طرق تؤدي إليها، فتظهر أهمية واتساب في عقد اجتماعات افتراضية تُغني عن اللقاء على أرض الواقع.
ظهرت أهمية واتساب عند وقوع هجوم بالأسلحة الكيميائية على بلدة خان شيخون، فقد استطاع متطوعو «الخوذ البيضاء» أن يصلوا إلى البلدة بأكبر عدد ممكن وفي أسرع وقت، بفضل استخدام مجموعة على واتساب، وهو بالضبط ما كان يتطلبه الوضع، خصوصًا أن الهجوم أسفر عن مقتل أكثر من 60 شخصًا وإصابة آخرين، ما يجعل للجانب الإغاثي لواتساب أهمية إنسانية حقيقية.
واتساب: مسيرة فخر افتراضية
ساعد تطبيق واتساب أقليات الهوية الجنسية، من مثليين ومتحولين جنسيًّا ومزدوجي الهوية الجنسية، في عرض قضيتهم، التي يرون حقها في الظهور إلى العلن وتقديم الدعم لها، وظهرت أهميته بالتحديد في مساعدتهم على إطلاق ما يُعرف بـ«مسيرات فخر المثليين» (Pride marches) في شوارع العاصمة البريطانية لندن.
«خاكان كوريشي»، الذي ينتمي إلى جماعة تؤيد حقوق المثليين اسمها «Gaysians»، استخدموا واتساب لتنظيم مسيرة فخر مكونة من مئة فرد، وساعدهم التطبيق على الخروج بالمسيرة بشكل منظم وتنسيق تام بين أعضاء الجماعة، بعكس الماضي، حين كان أفراد يخرجون بشكل عشوائي.
يحاول بعض أعضاء الجماعة التوفيق بين إيمانهم بمعتقدهم الديني وتوجههم الجنسي، وتضم الجماعة مختلف التوجهات الدينية، بين ملحدين وعلمانيين وسيخ وهندوس ومسلمين وغيرهم، وجميعهم يناقشون التحديات التي تواجههم لإعلان توجهاتهم الجنسية، من بينهم سيدة أرادت الاعتراف لعائلتها بأنها مثلية، فقدم لها أعضاء الجماعة إرشادات للإقدام على تلك الخطوة.
واتساب: أداة ضبط مجتمعي
فرانك برادلي، رجل الأعمال الأيرلندي الشمالي، يرى أن تطبيق واتساب نجح في إرساء نوع من السِّلم الاجتماعي، إذ لاحظ خلال الصيف الماضي انتشار السلوك العدائي في مدينته «كورك»، وأن السلطات لا تهتم كثيرًا بردع مرتكبيه، حتى أن الإتجار في الهيروين كان يحدث في وضح النهار، وهناك من يحتسون الخمور في الشوارع الرئيسية، ما أدى بالتالي إلى انتشار المشاجرات.
تواصل برادلي، عبر مجموعات واتساب، مع أصحاب أعمال التجارة في المدينة، الذين ينتمون إلى 29 مجالًا مختلفًا، لمناقشة الأعمال المنافية للقانون التي تقع في المدينة، ودعموا تلك المناقشات بالتقاط صور للمخالفات، واستمر دور المجموعة على هذا النحو لفترة، حتى انتهت المشكلة بفضل المراقبة المستمرة للشوارع والتواصل بين السكان وأصحاب الأعمال، ثم انتقل استخدام هذه المجموعات إلى أمور اجتماعية أخرى، مثل تنظيم الاحتفالات والمهرجانات.
اقرأ أيضًا: خبير سابق في غوغل يرصد كواليس هوسنا بوسائل التواصل الاجتماعي
ماذا لو اختفى واتساب من حياتنا؟
تتكرر على فترات متباعدة أعطال تطبيق واتساب في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يقابَل باهتمام واسع من وسائل الإعلام العالمية، ويُحدث توترًا بين نحو مليار مستخدم، يلجؤون إلى تطبيقات أخرى ربما تكون أقل شهرةً للاستفسار عن أسباب العطل، أو للإعراب عن انزعاجهم مما حدث.
تثير مثل هذه الحوادث تساؤلات عما سيحدث حال اختفاء واتساب من حياتنا، فعلى الرغم من أن النتيجة الحتمية لذلك هي صعود نجم تطبيق محادثة آخر ليحل محله، فإن ذلك لا بد أن يستغرق بعض الوقت حتى يحصل التطبيق الجديد على شهرة مساوية أو على الأقل مقاربة لواتساب، وتلك الفترة تحديدًا هي ما يجب التفكير فيه.
بطبيعة الحال ستتأثر الفئات التي ذكرناها بشكل سلبي مع غياب واتساب، خصوصًا أنه صار مكونًا أساسيًّا في حياتهم وأنشطتهم اليومية وأعمالهم، إلا أن هناك فئة احتل التطبيق مساحة واسعة من حياتها قد تتأثر بشكل إيجابي، فمعظم الشباب في مراحل الدراسة المختلفة يستخدمون التطبيق بشكل يصل إلى الإدمان، ويطالعون قائمة الرسائل حتى دون أن تصلهم إشعارات منه.
سيشعر هؤلاء الشباب بشيء من الفراغ من دون واتساب، لكن ذلك سيجعلهم، حتى دون أن يشعروا، يلتفتون أكثر إلى مهامهم الدراسية والعائلية، وسيتيح لهم الفرصة لتجربة حياة اجتماعية على أرض الواقع، وسيمنحهم ذلك بطبيعة الحال مهارات تواصل أكبر عند خروجهم من أسوار التفاعلات الاجتماعية الافتراضية.