حب الشباب مشكلة جلدية مزمنة. ليست خطيرة، لكنها مزعجة. تبدو كإحدى المعضلات الطبية التي يملك جميع الناس تصورًا عن علاجها، واقتراحات عنها، دون حل نهائي فعلي.
تظهر البثور في أنحاء مختلفة في الجسم. وربما تترك ندبات وتشوهات على الشكل. هناك عشرات، إن لم يكن مئات، من النظريات التي تتناول كيفية ظهور حب الشباب وعلاجه.
ينشأ حب الشباب غالبًا من تراكم المواد الدهنية التي تفرزها الخلايا الدهنية في البشرة. والتي تؤدي، إضافة إلى وجود الخلايا الميتة، إلى سد المسام، مكونة بيئة مثالية لنشاط الجراثيم والالتهابات المتكررة.
بعض الأبحاث ترى أن المكملات الغذائية أفضل علاج، وربما الأكثر أمانًا. بينما يعتقد آخرون أن التوقف عن استهلاك منتجات الألبان، أو حتى بعض الأمور الغرائبية، مثل شرب بول الكلاب، يساعد في العلاج من حب الشباب الذي عادة ما يظهر خلال فترة البلوغ حين تنشط الغدد الدهنية.
تبقى الحلول المباشرة حتى هذه اللحظة، هي غسل الوجه باستمرار، والحرص على عدم تعريضها للأتربة، وكذلك بعض إجراءات التقشير. لكن هذه الإجراءات تعتمد على تحجيم الأضرار، لا العلاج، وتنتظر في غالبيتها انتهاء مرحلة المراهقة، وانتهاء زيادة إفراز الغدد الدهنية، وعودة الإفرازات إلى معدلاتها الطبيعية. لكن هذا ليس حلًّا بالطبع.
الأكيد لدينا حتى الآن، أن أفضل العلاجات التي تعتمد على المواد الكيميائية، قد تُسبب أعراضًا جانبية، مثل جفاف الجلد والحساسية من الشمس، وقد يصل الأمر إلى ظهور عيوب خلقية لللأجنة، لو كانت من تتعاطى العلاج امرأة حامل.
العيوب التي تعتري هذه العلاجات هي التي جعلت جميع المتعاملين مع المسألة، متحمسين لاستقبال لقاح جديد ضد حب الشباب، ما زال في طور التطوير.
رغم أن الفكرة براقة، وتعد بحل مشكلة تؤرق كثيرين، فإن هذا اللقاح ربما شابته مشكلات تجعله لا يختلف كثيرًا عن أنظمة العلاج الحالية.
يستعرض مقال نُشر على «The Atlantic»، آراء بعض أطباء الجلدية في هذا اللقاح المنتظر والعلاجات المستخدَمة حاليًّا.
اللقاح الأول لمشكلة متعددة الأسباب
لو دخل هذا اللقاح حيز الاستخدام سيكون الأول من نوعه، فهو مصمَّم خصيصًا، ولأول مرة، ليستهدف البكتريا نفسها، لا المواد الضارة ولا تفاعلات هذه المواد مع الجلد. ما يجعل هذه النقلة نوعية بالفعل في طرق تعاملنا مع هذه المشكلة التي تمثل عبئًا نفسيًّا كبيرًا على الذين يعانون منها.
اللقاح مستحضر بيولوجي، يقدم للجسم مناعة مكتسبة ضد أنواع معينة من الأمراض. وفي غالبية الأحوال يكون نسخة مخففة من المرض نفسه. يحرض هذا المستحضر الجهاز المناعي للجسم، على التعرف إلى مسبب المرض، فيرفع من كفاءة الجسم في القضاء عليه عن طريقة تنبيه جهاز المناعة.
حتى الآن لم يُختبَر اللقاح سوى على الفئران وعينات من الأنسجة البشرية. مع هذا يقول «تشن مينغ هوانغ»، طبيب الأمراض الجلدية في مستشفى جامعة كاليفورنيا سان دييغو، وأحد أبرز الباحثين الذين يعملون على تطوير اللقاح، في بيان صحفي، إن «التأثير الممكن لنتائجنا ضخم بالنسبة إلى مئات الملايين من الأشخاص الذين يعانون من حب الشباب».
من ناحية أخرى، فإن البكتيريا التي يستهدفها اللقاح تمثل سببًا واحدًا ممكنًا لحب الشباب: الهرمونات، والجينات، وبعض الأدوية يمكن أيضًا أن تتسبب في ظهورها.
«كارلوس تشارلز»، الطبيب المختص في علاج أصحاب البشرة الملونة، يرى أن تعدد الأسباب التي تؤدي إلى ظهور حب الشباب، تجعل علاجه صعبًا جدًّا. يسأله المرضى إن كان السبب هو الطعام الذي يتناولونه، أم الكريم الذي يستخدمونه، وفي الحالتين تكون الإجابة: «نعم».
علاجات لها أعراض جانبية سيئة
لعلاج حب الشباب البكتيري يصف الأطباء المضادات الحيوية، ولعلاج حب الشباب الهرموني يستخدمون عقاقير منع الحمل.
كثيرًا ما يصف تشارلز عقار «أيزوتريتينوين» (Isotretinoin) لمرضاه. هذا الدواء يؤخذ عن طريق الفم، ويصنف ضمن مجموعة من العلاجات تسمى «رتينويدات» (Retinoids)، وهي أحد أفضل العلاجات المتاحة لحب الشباب. لكن له أخطاره الموثّقة علمياً، فهو مسئول عن حدوث جفاف شديد للبشرة في بعض الحالات، وقد يتسبب في ظهور عيوب خلقية على بعض الأجنة، لو كانت من تتعاطاه امرأة حامل.
يطلب كثير من الأطباء من مريضاتهم من النساء، أن يثبتن أنهن يستخدمن وسيلتين اثنتين لمنع الحمل، أو أنهن ممتنعات تمامًا عن ممارسة الجنس في حال تعاطيهن دواء «أيزوتريتينون». تشارلز يرى هذا العقار وسيلته الأساسية، والاختيار المثالي، في علاج حب الشباب. لكنه يؤكد أنه يجب أن يستخدم بحرص.
«أديليد هربرت»، أستاذة الجلدية بكلية طب «ماكغوفرن» بمدينة هيوستن الأمريكية، تقول إن دواءً لتنظيم ضغط الدم اسمه «سبيرونولاكتون» (Spironolactone)، يصفه بعضهم أحيانًا لعلاج حب الشباب.
وبعض أطباء الجلدية يرشحون طرقًا «أقل غزوية» (Non Invase)، وهي طرق علاج طبية تعتمد على إجراءات لا تتضمن تدخلًا عنيفًا في الجسم، مثل المضادات الحيوية وعقاقير منع الحمل ومنتجات دوائية متاحة دون وصفة طبيب، مثل «حمض الساليسيليك» (Salicylic Acid) أو «بيروكسيد البنزويل» (Benzoyl Peroxide).
المشكلة أن معظم هذه العلاجات تستهدف مسببًا واحدًا فقط لحب الشباب دون غيره: لعلاج حب الشباب البكتيري يصف الأطباء المضادات الحيوية، ولعلاج حب الشباب الهرموني يستخدمون عقاقير منع الحمل.
قليل من هذه الأدوية يعالج السببين معًا: البكتيري والهرموني، وغيرهما من العوامل، بدءً من استخدام مساحيق التجميل التي تسد المسام، وصولًا إلى ارتداء الخوذة المتكرر، أو الأردية التي تحجب الشمس والهواء عن مسام الجلد.
شكوك حول اللقاح
رغم أن اللقاح الجاري تطويره «يعد بكثير من الآمال»، وفق تشارلز، فإنه يركز على منطقة ضيقة في العلاج، وهي التفاعل الالتهابي لبكتيريا الجلد. أما «إيمانويل كونتاسو»، العضو بجامعة «زيورخ» وأحد الذين كتبوا تعليقًا طبيًّا على الأبحاث الخاصة باللقاح، فيقول إن الأبحاث سبب الشعور بالأمل في إيجاد علاج لحب الشباب، غير أنه ينبه إلى أنه ستكون له أعراضه الجانبية.
«استهداف البكتيريا البروبيونية العدية (Propionibacterium Acnes)، وهي البكتيريا المرتبطة بظهور حب الشباب، عن طريق اللقاح، سيكون وسيلة أكثر تحديدًا وأقل سُمِّية مقارنة بالعلاجات الكيماوية»، وفق كونتاسو. لكن ليست كل أنواع هذه البكتيريا ضارة، فلها سلالات مختلفة، وبينما يسبب بعضها حب الشباب فإن الآخر منها مفيد. فإذا استهدف اللقاح الأنواع المفيدة، ربما يؤدي إلى تدهور حالة المرضى، وإلى آثار جانبية أخرى ليست معروفة لنا بالضبط.
علاجات حديثة نتائجها ليست سيئة
وجود علاج مسبق لحب الشباب سيكون فارقًا لحالات تمتد إلى آثار اجتماعية ونفسية تؤثر في من يعاني منها.
خلال العقدين الماضيين، أظهرت طرق علاجية جديدة نتائج تعطي أملًا لمن يعانون من حب الشباب. إحدى هذه الوسائل العلاجية تعتمد «بروبيوتيك» (البكتيريا والخمائر المفيدة للإنسان)، حسب «جنيفر تشواليك»، وهي طبيبة جلدية بمركز الجلدية الأشهر في نيويورك، التي تضيف أن هذه الطريقة تستهدف مشكلات «الميكروبيوم»، وهو مجموع الميكروبات الموجود في جسم الإنسان وعلى جلده. تقول بعض الدراسات إن استخدام بكتيريا محددة ربما ساعد في الحد من الالتهاب وقتل البكتيريا التي تسبب المشكلة.
تزايَد كذلك استخدام الليزر في علاج حب الشباب، رغم أن «الأكاديمية الأمريكية لطب الجلدية» تشير إلى أن طرق العلاج باستخدام الليزر تستغرق وقتًا طويلًا، إضافة إلى أن نتائجها تكون غير متوقعة. ولليزر أيضًا آثاره الجانبية من حدوث احمرار وتورم وحروق في الجلد في بعض الحالات.
رغم كل هذه المشكلات الممكنة، فإن تشارلز وغيره من أطباء الجلدية متحمسون لهذا اللقاح. فكرة وجود علاج مسبق لحب الشباب يبدو علاجًا فارقًا لحالة لا تقتصر على الضيق من هذه البثور، لكنها تمتد إلى آثار اجتماعية ونفسية تؤثر في من يعاني منها. هذه المرة يحاول الأطباء استهداف المشكلة نفسها، ربما يكمن الحل هناك.