قصة مصورة: السفر لوحدك هو سفرٌ مع الجميع

الصورة: منشور

هاجر المطيري
نشر في 2022/01/22

السفر وحيدًا قد يكون غير مألوف أو مرغوب بالنسبة للخليجيين، وقد يفكر البعض: ما جدوى ذلك إذا كنت أسافر مع أشخاص يحترمون خصوصيتي؟ من تجربتي الشخصية أحدثكم: لماذا يجب أن أسافر وحدي؟ وكيف يمكن أن يكون سفرًا مع الجميع؟

السياحة وكأنك مقيم: في باريس، دائمًا كان المقيمون يسألونني: ماذا تفعلين هنا؟ لماذا لست في الشانزليزيه؟

هذا لأني أخرج صباحًا ولا أعلم أين سأقصد، أمشي وأتحدث مع أول شخص وأدخل أي مكان يعجبني، إلى أن أحظى بلحظات جميلة. عندما تكون اللحظة الجميلة صدفة يتضاعف جمالها، وأيضًا بهذه الطريقة تستطيع التعرف إلى جمال البلد من الداخل.

باريس مدينة قديمة لم تطور من نفسها، وكأنها شبعت من السياح فتوقفت عن محاولة استقطابهم. في أول يومين كنت أعبر عن خيبتي في باريس للفرنسيين، والرد دائمًا ما يكون إن باريس جميلة بالنسبة للمقيمين أكثر من السياح. وفعلًا بدأت أحب باريس بعد أربع أيام، بدأت أشعر بروحها، بأناقة الناس، لباقتهم، جمالهم الممزوج بجمال المدينة.

صادفت مجموعة لبنانيين مقيمين في باريس، تحدثنا عن أوضاع العرب فيها، وعرفت منهم أن باريس دوائر وفي كل دائرة طابع معين. كنا في الدائرة الـ11 حيث يكثر محبي الفن، وأثناء الحديث ربتتْ على كتفي واحدة منهم وقالت: «ما عاد فيه حياة بالبلاد العربية، تعالي على باريس، على الدائرة 11».

لاحظت أن في باريس كل الأحاديث عميقة، والكل يتحدث عن الحرية (Liberté)، وأعترف أني أحيانًا أشعر بالوحدة، لأن غالبيتهم جالسون حول طاولاتهم يتحدثون الفرنسية فقط.

ومع هذا تعرفت إلى الفرنسيين الأصليين، هؤلاء الذين تبدأ أسماؤهم بـBenjamin وAlice، سألتهم عن مكان يمكنني أن أستمتع فيه ببقية اليوم. وبدأنا نتحدث:

- هل تحبين المقابر؟

- أحب شرب القهوة مع الموتى أحيانًا.

وضحكنا.

 فعلًا استمتعت، كانت قبورًا لمشاهير، ولأول مرة يعجبني شكل الموت، حاولت البحث عن اسم أعرفه وأحبه.

الأحاديث والتعارف: في أمستردام وباريس وبرشلونة صادفت الكثير من العرب المقيمين في أوروبا، ومعظمهم تجاوز الـ20 عامًا فيها. وبعد أحاديث طويلة لم أكن لأجريها لو لم أكن وحيدة، اكتشفت أنهم يعيشون في المناطق العربية أكثر منا، أي أنهم يعرفون عن تفاصيل الأوضاع المحلية أكثر منا. في هذا المطعم لم تبرد القهوة رغم الأحاديث الشيقة، لأن في أمستردام لا يمكنك تجاهل أي مشروب حار في الشتاء.

التأمل: السفر وحيدًا يعني أن تسافر مع رغباتك اللحظية. فرغم الشتاء القارص والمطر وجدت نفسي لا أكف عن التأمل، وخصوصًا في أمستردام، حتى أنني ركبت الدراجة تحت المطر لمدة ساعتين من غير أي حماية.

أقف أحيانًا أتأمل الغربان، يقولون إن سمعتهم سيئة، ولا أعتقد أنهم يستحقون هذه السمعة، وقد أثبتُّ اعتقادي هذا بالبحث الذي لم أكن سأجريه لو لم أكن وحدي.

وفقًا للبروفيسور جون مارزلوف من مختبر الحفاظ على الطيران بجامعة واشنطن، فالغراب من ناحية الذكاء يعتبر قردًا طائرًا، ويمكنه معرفة وجوه البشر وتصنيفها إلى جيد وسيئ، وهذا ما لاحظته في الغربان، لديها عيون تلاحقك.

كان معي عدستان، الكاميرا الفوتوغرافية وكاميرا الآيفون، وتوقعت أني سألتقط صورتين على الأقل بالكاميرا، ولكن العدسة الوحيدة التي التقطت بها الصور حقًا كانت عيني، ونادرًا ما كنت أصور بالآيفون إلا إذا فرضت الصور نفسها، ألتقطها وأستحي التعديل عليها من روعة جمالها.

استمتعت واستطعت أن أجد لي رفقة مختلفة في كل يوم، لأني حاولت بقدر ما أستطيع أن أبعد نفسي عن دائرة الراحة، حتى مع الأشياء البسيطة كنت شخصية لا أعرفها، أحببتها وتمنيت أن ترجع معي إلى الوطن.

مواضيع مشابهة