قوة الخرافة: لا أحد بمأمن من القناعات الساذجة

الصورة: Getty/Mitul Nathwani 

مريم ناجي
نشر في 2018/07/24

كان لاعب البيسبول «ويد بوجس» يرفض دخول الملعب إلا بعد أن يأكل الدجاج، والفيزيائي «نيلز بور»، الحاصل على نوبل، كان يعلِّق حدوة حصان على باب بيته، يؤمن بأنها تجلب الحظ.

نرى حولنا دائمًا أناسًا يعلقون عيونًا زرقاء وأحذية أطفال على أشيائهم التي يخافون عليها من الحسد، ويطلبون ممن حولهم أن يقرعوا الخشب كي لا يحسدوهم. في الأعراس، تتجمع الفتيات خلف العروس، كل واحدةٍ مُتلهفة وتنافس التي بجانبها لتحصل على باقة الورد التي تحملها العروس، إيمانًا بأن التي ستحظى بها ستكون العروس التالية. نظن أن بيتًا ما ملعونًا لحدوث جريمة قتل فيه، أو لأن أهله ماتوا في حريق. كلنا نؤمن بالخرافات بدرجات متفاوتة، لكن هل يجعلنا هذا أغبياء؟

يناقش «ماثيو هيوتسون»، في كتابه «قوانين التفكير السحري السبعة: كيف تُبقينا الاعتقادات اللاعقلانية سعداء وأصحاء وسليمي العقل» (The 7 Laws of Magical Thinking: How Irrational Beliefs Keep Us Happy, Healthy, and Sane)، هذه القوانين التي نمارسها في حياتنا دون إرادة منا.

1- أي شيء يمكن أن يكون مقدسًا

الصورة: Canon EOS 600d

يعتقد بعضهم أن تعليق حدوة حصان أو حذاء طفل، سيجلب الحماية أو الحظ الجيد للمكان. هذه هي الخرافات في أبسط أشكالها، وهي جزء من التفكير السحري، أي الإيمان بأن هناك معنى خفيًّا موجودًا في هذه الأشياء، وأن لها كينونة أو ذاتًا.

من منا لم يقاوم بعض الأفكار خوفًا من أن يجلب النحس لنفسه؟

ما يجعل حدوة الحصان مقدسة، ليس شكلها أو تكوينها المادي، فهي قطعة حديدية بالمعنى المجرد، غير أن تاريخها الفريد هو الذي يضفي عليها بعض التقديس. فمثلًا، حدوة الحصان القديمة أكثر حظًّا من الجديدة، والتي يجدها الشخص بالصدفة أفضل من تلك التي يشتريها، وأفضل حدوة على الإطلاق هي التي لا تزال محتفظة بمساميرها.

في كثير من الحالات، تأتي قيمة الشيء من الشخص الذي امتلكه أو استخدمه أو لمسه. تُظهِر إحدى الدراسات التي تدور حول تأثير «العدوى السحرية»، أن 80% من الطلاب الجامعيين يعتقدون أن هناك فرصة بنسبة 10% في تحسين مزاجهم، وجعلهم أكثر وِدًّا مع العالم، في حالة ارتداء سترة تخص «فريد روجرز»، حتى دون التأكد من أن السترة تخصه فعلًا.

2- أي شيء يمكن أن يكون ملعونًا

ولأن كينونة الشيء ليست جيدة دائمًا، فيمكن للعدوى السحرية أن تعمل بالعكس. الناس مثلًا، لديهم نفور قوي من ارتداء ملابس الموتى أو المجرمين أو شخص فَقد قدمه في حادث. ويعتمد نفورهم على عدم وجود انفصال بين المكان والزمان، فيفكرون أنه إذا ارتدى قاتل قميصًا، فقد حدث اتصال بين القميص والقاتل، وأصبح كلاهما واحدًا، وارتداء هذا القميص سيكون طالعًا سيئًا.

3- الروحانيات أهم من الماديات

قد يكون التمني أكثر أنواع التعاويذ السحرية انتشارًا في كل مكان، وهو توقُّع غير عقلاني بأن هناك قوة لأفكارك وطاقة تؤثر في العالم. من منا لم يقاوم بعض الأفكار خوفًا من أن يجلب النحس لنفسه؟ هل تمنيتَ أمنية وأنت تنفخ في شموع عيد ميلادك؟ حاولت أن تحل مشكلة باستخدام لا شيء سوى الأمل والتركيز؟

هناك معتقدٌ سائد بـ«لعنة الفودو»، وهي صنع دمية من أي مواد متوفرة، والبدء في تعذيبها، باعتبارها شخصًا معينًا يُحدده صانع الدمية بعد تلاوة التعاويذ الخاصة. أقنعت الباحثة «إيميلي برونين»، في جامعة برينستون، بعض الطلاب الجامعيين، في دراسة، بأن يستخدموا هذا التعويذة على رفاقهم. وبينما كان الطلاب يستهدفون رفاقهم بأفكارهم، أدخلوا دبابيس في دُمى الفودو، وتظاهر «الضحايا» بالصداع.

أعطت برونين تعليمات لبعض الضحايا بأن يتصرفوا بحماقة في أثناء الدراسة، ليثيروا الإرادة السيئة ومشاعر الشر لدى حاملي الدُّمى، وبالفعل شعروا بأنهم المسؤولين عن الصداع. إذا كانوا هم من فكروا في الأمر، وحدث، يعني أنهم من فعلوه، كانت هذه طريقة تفكيرهم.

تصف برونين النتائج بأنها شكل معين من أشكال إيجاد السببية في المصادفة، حيث يكون «السبب» واضحًا بشكل خاص لأنه من الصعب أن تتجاهل ما يدور في رأسك.

4- الطقوس تجلب الحظ الطيب

نستخدم الطقوس في غالبية الأحيان عندما لا تكلفنا شيئًا، وعندما تكون نتيجة الفعل خارجة عن سيطرتنا، أو عندما تكون المخاطر المتوقَّع حدوثها، إذا تجاهلنا الطقوس، كبيرة جدًّا. يقول هيوتسون، مؤلف الكتاب، إنه عندما كان صغيرًا كان يتغلب على خوفه من الطائرة بأن يلمسها قبل صعودها. وبسبب كثرة التنقلات في حياته، تحول الأمر من مجرد محاولة، إلى التخلص من الرهبة إلى طقسٍ مهم يبقيه بعيدًا عن الموت، ومحاولة التخلص منه ستزعزع سلامه النفسي والعقلي.

الناس الذين يثقون حقًّا في طقوسهم يُمثلون ظاهرةً تُسمى «وهم السيطرة»، وهي الإيمان بأن لديهم تأثيرًا على العالم أكثر مما لديهم فعلًا. وهذا ليس وهمًا سيئًا، فالشعور بالسيطرة يشجع الناس على العمل بجهد أكبر.

اقرأ أيضًا: البيبليومانسي: بجوارك كتاب؟ ربما يحمل نبوءة من مستقبلك

5- الأسماء تصنع فارقًا

أجرى «بول روزين»، أستاذ علم النفس بجامعة بنسيلفايا، بحثًا حول «تأثير الأسماء». أحضر أكوابًا وسكرًا وملصقات، وبعدما رأى المشاركون في التجربة السكر يُقلَّب في كوبين من الماء، وعلى كأس ملصق كُتب عليه «سكروز» والآخر «سُم». طلب منهم روزين أن يشربوا من أحد الكوبين، فضَّل جميعهم أن يشربوا من كأس «السكروز»، ووجد أيضًا أن الناس يجدون صعوبةً في تمزيق قطعة من الورق مكتوب عليها اسم أحد يحبونه، إذ تحمل الرموز العشوائية جوهر ما تمثله.

6- كل شيء يحدث بسبب

الإيمان بوجود عالم عادل يُسهِّل الحياة على عقولنا. بمعنى أنه حتى لو كانت كل الأمور خارجة عن سيطرتنا، فإنها تحدث لسبب ما. إن فكرة الألم والمعاناة العشوائية ثقيلة على كثير من الناس، والاحتياج إلى التنظيم الأخلاقي واحد من أسباب رواج الدين. الإيمان في العدالة الكونية يبدأ في سن مبكرة.

دراسة حديثة أثبتت أنه، وبغض النظر عن مدى تديُّن الوالدَيْن، فإن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمس وسبع سنوات، يفضلون تفسيرات تحتوي على حكم للأحداث من حولهم، مثل: إن «منزل ماجي احترق لتتعلم ألا تلعب بالنار مجددًا». لكن الإيمان بالعدالة الكونية يُضعِف إرادة المرء في الدفاع عن حقوقه، مثلما يحدث عند النظر إلى ضحايا العنف أو التحرش أو أي ضحايا بمنظور «ربما استحقوا ذلك بطريقة ما، أو ربما هذا جزاء لجرم ارتكبوه في الماضي».

7- العالم حي

تقدم الخرافة والتفكير السحري للإنسان شعورًا بالسيطرة وشعورًا بالمعنى.

إن الإيمان بأن الكون متعاطف مع رغباتنا هو أن تؤمن بأن للكون عقلًا أو روحًا. انتشرت قصة قديمة عن فتاة اشترت دبدوبًا هائل الحجم، ووضعته في غرفتها، عادت في اليوم التالي لتجده في المطبخ يُعِد الطعام، ولما رآها ألقى الزيت على وجهها. غالبيتنا صدَّقت هذه القصة، وشعرت بالخوف من دُماه الخاصة التي كان يُطلق عليها أسماء يحبها، ويناديها مُنتظرًا منها أن تستيقظ وتجيبه.

تُعرِّف «مرجانا ليندمان»، وهي عالِمة نفسية في جامعة هلسنكي، التفكير السحري بأنه معاملة العالم كما لو كان لديه صفات ذهنية، أو التوقع أن يُظهر العقل صفات العالم المادي. وجدت الباحثة أن الناس الذين يقولون عبارات مثل «الأثاث القديم يعرف أشياء عن الماضي»، يؤمن أيضًا بأشياء مثل التنجيم وفلسفة «فينغ شوي»، وهي فكرة أن طريقة ترتيب الأثاث يمكن أن تحدد طاقة الحياة.

دفاعًا عن الخرافة

الصورة: Vik Walker

النبأ السار أن الخرافة والتفكير السحري، حتى وإن كانا يسيئان تمثيل الواقع، لهما مميزاتهما: إنهما يقدمون منافع نفسية لا يمكن للمنطق أو للعلم تقديمها دائمًا. تقدم الخرافة شعورًا بالسيطرة وشعورًا بالمعنى. أن تعتقد ولو للحظات أن «الحظ بين يديك»، إذ يمكنك أن تؤثر في مصيرك من خلال طقوس خرافية، مثل طرق الخشب أو تعليق عين زرقاء. نحن نعتمد كثيرًا على مثل هذه الطقوس عندما نكون قلقين، أو نرغب في أن نؤدي جيدًا في مقابلة وظيفية أو امتحان. وعلى الرغم من إدراكنا أنها قد لا يكون لها تأثير سحري مباشر، فإن هذه الطقوس تنتج وهمًا للسيطرة، وتعزز الثقة بالنفس، وهذا بدوره يمكن أن يحسِّن من أدائنا، وبالتالي تؤثر بشكل غير مباشر في مصيرنا.

على سبيل المثال، في إحدى الدراسات التي أجراها عالم النفس «ليسان داميش» من جامعة كولونيا، وزع الباحث على المشاركين في التجربة كرات غولف، وأخبر نصفهم أن كراتهم محظوظة جدًّا. أصحاب الكرات المحظوظة أصابوا أهدافهم بنسبة تزيد 35% عن أصحاب الكرات العادية.

هذا لا يعني أن التفكير السحري ليس له جانب سلبي. ففي أسوأ الحالات، يمكن أن يؤدي إلى الهوس أو الذُهَان أو القدرية، وهي الإيمان بأن الإنسان عاجز عن القيام بأي شيء آخر غير ما يقوم به فعلًا. لكن من دونه، فإن الفزع الوجودي المتمثل في إدراك أننا مجرد كتل زائلة من الجزيئات دون غاية أساسية قد يطغى علينا. بطرق مختلفة، طرق التفكير السحري تخرجنا من عادات العقل الأساسية، وتضيف كيانًا ومعنى إلى عالمنا الفوضوي والعبث.

إذًا، الإيمان بالسحر لا يجعل منك غبيًّا أو جاهلًا أو مجنونًا، بل يجعلك إنسانًا.

مواضيع مشابهة