ويصلح ساعات: كيف تعاملت الصحافة الإسرائيلية مع وفاة ستيفن هوكينغ؟

ستيفن هوكينغ - الصورة: Getty/Eleanor Bentall

أحمد ليثي
نشر في 2018/03/26

جرى تحليل حياة ستيفن هوكينغ وإنجازاته باللغة العربية من جميع الزوايا، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الدوريات الحديثة، إلا أن انحيازاته السياسية لم تلق اهتمامًا يناسب حرص الرجل على إظهارها طوال حياته.

من بين انحيازاته السياسية تبدو علاقة هوكينغ بالمؤسسات العلمية الإسرائيلية مثيرة للتأمل بشكل واضح. فقد قاطع عددًا من مؤتمراتهم العلمية، ودعا العلماء البريطانيين إلى أن يحذو حذوه على خلفية الأحداث السياسية التي تورطت فيها إسرائيل، وبادلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عداءً بعداء.

ففي 2013 قرر هوكينغ تلبية دعوة لحضور المؤتمر الخامس للرئيس شيمون بيريز الذي يضم شخصيات دولية كبيرة، ويجذب آلافًا من المشاركين حول العالم، وقد صادف في هذا العام الاحتفال بعيد ميلاد بيريز الـ90. لكن قبل أسبوع من بدء المؤتمر كتب هوكينغ رسالة مختصرة إلى الرئيس الإسرائيلي يخبره فيها أنه قد غيَّر رأيه بخصوص حضور المؤتمر السنوي.

ما حدث أن هوكينغ لم يعلن رأيه على الملأ، لكن البيان الذي نشرته اللجنة البريطانية للجامعات الفلسطينية أكَّد (بموافقة منه) أن قراره المستقل بمقاطعة المؤتمر بُنِي على معرفته الواسعة بأحوال فلسطين، وعلى النصيحة الجماعية لأكاديميين على صلة كبيرة بهم هناك.

هآرتس:

الصورة: Doug Wheller

لم يدعم هوكينغ مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية فقط، بل أعلن دعمه للفلسطينيين، وطلب جمع التبرعات من أجل إقامة محاضرات الفيزياء للطلبة الفلسطينيين بالضفة الغربية.

لم تصمت الصحافة الإسرائيلية بعد وفاة العالم الفيزيائي، فقد ملأت صفحاتها بعدد من التقارير التي تحدثت عن علاقته بإسرائيل، تلك العلاقة التي شهدت كثيرًا من التقلبات، وفي مقالتها في صحيفة هآرتس ادَّعت الصحفية الإسرائيلية «جودي مالتز» أن هوكينغ رفض تلبية دعوة حضور المؤتمر بسبب الضغط الهائل الذي مارسته عليه الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل  «Boycott, Divest and Sanctions»، وأنه ربما لو تُرِكَ له حرية الاختيار لكان قد جاء إلى إسرائيل.

أوضح التقرير المنشور كذلك أنه على الرغم من أن عددًا من الموسيقيين والفنانين قد أعلنوا مقاطعتهم لدولة إسرائيل من قبل، فإن هوكينغ يظل أول عالم يعلن دعمه حركة المقاطعة.

قرار العالم الشهير بعدم المشاركة في المؤتمر كان انتصارًا آخر لتيار حملة مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، إذ إنه بعدها بشهور قرر اتحاد المعلمين الأيرلندي أن يكون أول مؤسسة تنادي بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وصوَّت أعضاء اتحاد الدارسين الآسيويين الأمريكيين على قرار المقاطعة، وكانوا أول مجموعة أكاديمية تفعل ذلك. لا يمكن إغفال دور هوكينغ في قرار كهذا، فقد شجَّع كثيرين على اتخاذ خطوات مماثلة.

لكن المثير للتأمل، والمناقض لكلام الصحفية الإسرائيلية، أن قرار هوكينغ لم يقف عند دعم مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية، فقد أعلن دعمه للفلسطينيين، بل وطلب من محبيه على مواقع التواصل الاجتماعي ضرورة جمع التبرعات من أجل إقامة محاضرات الفيزياء للطلبة الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية.

تدَّعي مالتز في مقالها بصحيفة هآرتس أن هوكينغ ارتبط بعلاقة خاصة بعالم الفيزياء الإسرائيلي المتوفَّى «جاكوب بيكنشتاين» الذي كان أستاذًا في جامعة «بن غوريون»، والجامعة العبرية في إسرائيل، والذي يدَّعي التقرير أنه الرجل الذي علَّم هوكينغ بضعة أشياء عن الثقوب السوداء، لكن يبدو أن الفيزيائي البريطاني لم يحفظ ذلك الجميل، إذ كان واحدًا من منتقدي بيكنشتاين، لكنه في النهاية استفاد من أفكاره الرائدة التي خدمت أساسيات نظريته الثورية التي تقول إن الثقوب السوداء تصدر إشعاعات.

قد يهمك أيضًا: كيف غيَّر ستيفن هوكينغ طريقتنا في النظر إلى الكون؟

ويصلح ساعات

الصورة: Intel Free Press

كانت صحيفة «Time of Israel» أكثر اهتمامًا بإبراز الدور الذي لعبه جاكوب بيكنشتاين في تطوير نظريات ستيفن هوكينغ، فقد أفردت مقالًا كاملًا للحديث عن «الإلهام» الذي تلقاه ستيفن هوكينغ من هذا العالم، والمساعدات العلمية التي حصل عليها.

لكن يبدو أن هذه القصة بها بعض الثغرات، فالعالم الإسرائيلي الذي وُلِد لأبوين يهوديين بولنديين في المكسيك بدأ في تدريس المادة في جامعة «برينستون» بالولايات المتحدة، بعد 25 عامًا من دراسة هوكينغ لنفس المادة العلمية. وصحيح أن «انتروبي الثقوب السوداء» تُنسَب إلى بينكشتاين، لكن هوكينج هو الذي وجد القيمة العددية الثابتة لتلك الإشعاعات، وعندما نجمع النظريتين سنعرف ما اكتشفه هوكينغ. والحق أن موضوع إصدار الثقوب السوداء إشعاعات فكرة هوكينغ الأصلية، وهي التي أُطلِق عليها فيما بعد تعبير «إشعاعات هوكينغ».

تكررت الإشارة إلى بيكنشتاين، كأستاذ ومُعلِّم، في عدد من الصحف والدوريات الإسرائيلية في معرض الحديث عن وفاة هوكينع، ومن بينها وكالة «Israel news» التي نشرت مقالًا تتحدث فيه عن أن ستيفن استعان بأفكار بيكنشتاين في تطوير أفكاره بالكامل. ثم عاد وابتعد عن أي علاقة أكاديمية مع إسرائيل، بالرغم من «استفادته» المباشرة من عالم إسرائيلي.

لا نعلم بالضبط ما الذي تقصده الصحافة الإسرائيلية بأن بيكنشتاين الذي لم يحصل على الجنسية الإسرائيلية إلا في وقت متأخر من حياته، هو أستاذ هوكينغ الذي أوحى له بنظريته، والحال أن الصحافة الإسرائيلية باستخدامها هذا الأسلوب تضرب بالتقاليد الأكاديمية العالمية عرض الحائط، تلك التقاليد التي درجت عليها كل المؤسسات العلمية التي تقول إنه لا يمكن الوصول إلى نظرية كبيرة إلا بتراكم ما يوجد قبلها من اكتشافات صغيرة.

قد يعجبك أيضًا: تستطيع أن تصنع السلام إذا اقتنعت أنك قد تكون الشرير

يقول «ستيف كابلان» في مقالته بصحيفة «الغارديان»، أن هوكينغ له كل الحق في مقاطعة المؤتمر الإسرائيلي، لكنه يظن أنه قد أخطأ في عدم حضوره هذا المؤتمر، وبخاصة حضور الاحتفال بعيد الميلاد الـ90 لرئيس دولة إسرائيل، شيمون بيريز، بدعوى أن بيريز قاد بعض عمليات التفاوض مع الفلسطينيين من أجل التوصل إلى سلام دائم في المنطقة، وقد حصل على جائزة نوبل للسلام نتيجة جهوده، ما يجعل هوكينغ في مصاف المعادين للسلام.

طبقًا لمؤسسة «شورات هدين» القانونية، فإن هوكينغ الذي توفي عن 76 عامًا قد عانى من مرض التصلب الجانبي الضموري منذ 50 عامًا، ويعتمد منذ ذلك الحين على حاسوب للتواصل مع الناس. رأت المؤسسة أن قرار هوكينغ بالانضمام إلى حملة مقاطعة إسرائيل يعد نوعًا من النفاق لرجل يفتخر بإنجازه الفكري، ونسي في الوقت نفسه أن الحاسب الذي يعتمد عليه في التواصل مع الناس يعمل بشريحة صغيرة صَمَّمَها فريق إسرائيلي بشركة «أنتل». وأضافت المؤسسة أنه يجب على الفريق البحثي أن يسحب الشريحة الجديدة التي طورها فريق الشركة من الحاسب الخاص به.

لكن موقع «أنتل» اقتبس كلمة مدير قسم التكنولوجيا الذي قال فيها: إن «الشركة تتمتع بعلاقة طويلة وصامدة مع البروفيسور هوكينغ، ونحن ممتنون لأن نكمل عملنا عن قرب مع البروفيسور في تطوير حاسبه التواصلي الشخصي».

علاقة مرتبكة مع إسرائيل

الصورة: Kosala Bandara

خلال الأسابيع الأربعة التي تلت قرار هوكينغ بعدم المشاركة في المؤتمر الذي أقيم بالقدس انهالت عليه كثير من الرسائل، من بريطانيا وخارجها، لشن حملة مكثفة من أجل إقناعه تغيير رأيه بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، لكن هوكينغ كان قد أخبر أصدقاءه أنه قرر اتباع نصائح زملائه في الجامعات الفلسطينية الذين وافقوا بالإجماع على عدم ذهابه إلى المؤتمر.

بالطبع واجه هوكينغ الاتهامات المستهلَكة التي تواجه كل من يفكر في مقاطعة أي نشاط إسرائيلي، فقد تكفَّل عدد من المعلقين المهتمين بالشأن العلمي الفيزيائي على مواقع التواصل الاجتماعي باتهامه بمعاداة السامية. لكن هوكينغ كان يعلم أنه بإصراره على قرار المقاطعة قد انضم إلى قائمة صغيرة، ولكن متنامية، من الشخصيات البريطانية ذات الشأن الذين رفضوا دعوات إسرائيلية لعدد من المناسبات، مثل المغني والموسيقي «إلفيس كوستيلو» و«رجر ووترز» وغيرهما.

وعلى الرغم من ذلك، فقد استنكر عدد من الفنانين والكُتَّاب المقاطعة، وادَّعوا أنها فكرة غير فعالة وانتقائية، مثل «إيان ماك إيوان»، الكاتب الذي حصل على جائزة القدس عام 2011، فقد قال ردًا على دعوات المقاطعة: «إنني لو قررت الذهاب إلى البلاد التي أوافق على سياساتها فقط، فمن المحتمل أني لن أنهض من السرير، وليس من الرائع أن يتوقف الناس عن الكلام، هذا طبيعي».

وفي تصريح لـ«نعوم تشومسكي»، الداعم الدائم لحقوق الفلسطينيين، قال: «إني أدعم قرار المقاطعة وتصفية الشركات التي تعمل في المناطق المحتلة، لكن يبدو لي أن قرار المقاطعة العامة لإسرائيل سيكون منحة للمتشددين الإسرائيليين وحلفائهم الأمريكان ليفعلوا أي شيء».

يمكننا أن نستشف من قرار مقاطعة هوكينغ للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية أنه لم يذهب هناك قط، لكن على العكس من ذلك، كان هوكينغ منفتحًا على كل البلاد بغض النظر عن السياسات التي تتبعها. فقد زار إسرائيل أربع مرات قبل توجيه تلك الدعوة له، والزيارة الأشهر كانت عام 2006 عندما ألقى عددًا من المحاضرات في الجامعات الإسرائيلية والفلسطينية بدعوة من السفارة البريطانية، وفي تعليقه على تلك الزيارة، قال: «كنت أتطلع إلى لقاء العلماء الفلسطينيين والإسرائيليين خارج حالة الحرب التي تستمر بينهما».

ومنذ ذلك الحين بدأ سلوك هوكينغ تجاه الجرائم الإسرائيلية يتضح، ففي 2009 استنكر الهجمات التي استمرت لثلاثة أسابيع على غزة، وقال للمذيع «ريز خان» على فضائية «الجزيرة» إن هذا الوضع يماثل ما كانت عليه جنوب إفريقيا عام 1990، ولا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة.

في 2011 مرَّر البرلمان الإسرائيلي قانونًا يوجه تهمة الجريمة المدنية تجاه أي فرد أو منظمة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى دفع تعويض بغض النظر عن الضرر الفعلي الذي يقع على إسرائيل جراء تلك الدعوات، وعُرِّفت المقاطعة في القانون بأن من شأنها أن توجَّه إلى الروابط الاقتصادية أو الثقافية أو الأكاديمية مع شخص أو مؤسسة أخرى، وأي مقاطعة من شأنها أن تُحدِث ضررًا اقتصاديًّا أو ثقافيًّا أو أكاديميًّا بالنسبة إلى إسرائيل.

مواضيع مشابهة