لا يزال العالم يحاول اكتشاف الطرق التي ينتقل بها فيروس كورونا من شخص لآخر، وترتفع وتيرة التشجيع على تلقي اللقاح ومواجهة حملات الرفض واسعة الانتشار. لكن مرضى كورونا السابقين يواجهون نوعًا خاصًا من المشكلات.
تحاول سوزانا ديغيز وايت الأستاذة الجامعية ورئيسة قسم الإرشاد والتعليم العالي بجامعة إلينوي الشمالية، في مقالها بمجلة «فيسيولوجي توداي»، تحليل التجربة التي مر بها بعض مرضى كورونا مع النبذ والوصم بين العائلة والأصدقاء بعد تعافيهم.
عبر التاريخ الإنساني كله، وَصم الناس عددًا لا نهائي من الأمراض والإعاقات الجسدية، ونبذوا أصحابها وسخروا من التحديات التي يضطرون لمواجهتها للتأقلم. تعلم أغلبنا الانتباه للمرضى والعناية بهم، لكن الوصم يقيد رغبتنا في دعمهم والوجود بقربهم.
كيف بدأ الوصم؟
للوصم جذور متأصلة في التاريخ الإنساني بحسب سوزانا، ويلعب التطور دورًا محوريًا في هذه العملية. حين عاش البشر معًا في جماعات صغيرة، كان المرض يؤثر في قدرة المريض على أداء مهامه، وبالتالي كان دافعًا للتخلي عنه وهجره لصالح الشأن العام للجماعة ككل. عندما يكون بقاء الجماعة على قيد الحياة مهددًا، يهرع الجميع لحماية أنفسهم وجماعتهم. وفي الحالات التي لا تهدد الجماعة فيها أي خطر، قد تدفعهم غريزة البقاء إلى تكثيف جهودهم في التخلص من الفرد المريض الذي ربما يمثل تهديدًا مستقبليًا.
في ظاهرة «الاستنزاف نتيجة التعاطف» ننغمس في العناية بالآخر، حتى تصير حياتنا تدور حول مأساة مرضه، فلا يعود بها متسع لآلامنا الشخصية.
في بحثهما بعنوان «التعامل مع الوصم بفعالية» عام 2016، قدم الباحثان جيمس جريفيث وبراندون كورت ملخصًا دقيقًا لحالات الوصم وأشكاله.
أولًا: الوصم الأخلاقي. ويصدر منا تجاه أشخاص تمثل سلوكياتهم خرقًا لقناعتنا وقيمنا. فنحن ننظر على سبيل المثال للشخص المصاب بأعراض الاكتئاب على أن تجاهله لمسؤولياته أو فشله في إتمامها مجرد كسل منه، وهو بذلك يخرق قناعتنا بأن عليه الالتزام تجاه مسؤولياته وإتمام مهامه.
ثانيًا: وصم التعطيل/العرقلة. يتمثل في شعور شخص ما بأن مرض إنسان آخر يعيق حياته الخاصة. ونشعر بذلك الوصم كرد فعل للوقت الإضافي والرعاية الإضافية التي قد يحتاجها هذا الإنسان بسبب حالته الجسدية أو العقلية، مثل لو اضطررنا مثلًا لتقديم رعاية مكثفة لمريض عاجز عن الحركة.
تتعلق بهذا الوصم ظاهرة أخرى تسمى «الاستنزاف نتيجة التعاطف»، وتحدث حين نشعر بأننا منغمسون في العناية بالآخر أكثر من اللازم، حتى تصير حياتنا تدور حول مأساة مرضه، فلا يعود بها متسع لنا ولآلامنا الشخصية.
ثالثًا: وصم الارتباط أو المجاملة. وهو وصم ينتج لرغبتنا في تجنب الارتباط بشخص موصوم أو مريض بمرض موصوم، كأن نتخذ صديقًا يُعرف بين دوائرنا الاجتماعية أنه مصاب بالإيدز، فيصبح تعريفنا بالتبعية أننا أصدقاء المصاب بالإيدز.
رابعًا: وصم الشعور بالخطر، ويظهر حين نشعر بالخوف من مرض شخص ما. ويمكن في هذه الحالة مطابقة الوصم بالخوف الذي نشعر به تجاه مرضى كورونا السابقين، والقلق المتخيل بأنهم أصبحوا مصدرًا دائمًا للعدوى.
الإصابة بكورونا، ثم الإصابة بالوصم الاجتماعي
تخيل أن تصاب بأخطر فيروس حديث في العالم، ولا ينتهي الأمر عند شفائك منه، بل تزداد حدة معاناتك بعده.
يشارك المتعافون من كورونا تجربتهم بعد الشفاء، فيتحدثون عن معاناتهم من القلق والضغط عند الاستعداد للخروج من المنزل، والتعامل مع شعور أنهم مرتبطون بكورونا. بشكل ما، يتجاهل جميع من حولهم أن رحلة الإصابة بالفيروس والتعافي منها تمثل انتصارًا عظيمًا ينبغي تقديره، بل يميل أغلبية الناس، بحسب المصابين، إلى معاملتهم بشكل مختلف بعد الإصابة، ويشير بعضهم إلى أن الأصدقاء والعائلة يتصرفون بطريقة غير اعتيادية في وجودهم، حتى عبر الهاتف أو في مكالمات الفيديو.
يقف القلق والتوتر الاستباقي عائقًا أمام ممارسة الأنشطة العادية، إذ يشعر صاحبه بأن سحابة من العار تلحق به وتحلق فوقه. قد يكون القلق طاغيًا إلى حد أن يشعر الأفراد بقلة قيمتهم، ما يدفعهم لتجنب المواقف الاجتماعية التي يمكنهم فيها إيجاد الدعم العاطفي الذي يساعدهم على التعامل مع محنتهم. تشير هذه الحالة، وفقًا لسوزانا، إلى وصم داخلي يدمر الصحة النفسية والعاطفية بطرق متعددة.
الوصم الذاتي هو حالة نكره فيها أنفسنا بناء على شعور عدم الإعجاب الذي نلقاه من الآخرين تجاه هوياتنا أو إمكانيانا أو الأمراض التي نُشخص بها. يتحول الوصم إلى حالة احتقار الذات، التي تقودنا غالبًا إلى وصم مَن يشبهوننا. تصف سوزانا الوصم الذاتي بأنه حالة غادرة، تضخم شعورنا بالخوف أو الاشمئزاز بتحويل مشاعرنا السلبية تجاه أنفسنا إلى الآخرين، ما ينشر المشاعر المدمرة ويضخمها أضعافًا مضاعفة عن حجمها العادي.
دليلك للتعامل مع الوصم بعد الإصابة بكوفيد-19
تقدم سوزانا في مقالها مجموعة من النصائح التي نأمل أن تخفف الضرر عن المتعافين، وتساعدهم على تجاوز محنتهم:
- عند التعرض لممارسات الوصم، أشر إلى السلوك الذي تجلى فيه ذلك في وقتها
- صف لمن يصمك شعورك نتيجة أفعاله أو أقواله
- صف أثر ما يفعلونه عليك، للمساعدة في تعظيم قدرتهم على التعاطف
- تحدث عن السلوكيات والممارسات التي يمارسها الآخرون ضدك
- اطلب بوضوح الأمور التي تفضل أن يقولوها أو يفعلوها بدلًا مما يزعجك، سيُعلمهم هذا في حال جهلهم بما يجب أن يفعلوه
- للقضاء على أي سلوكيات سلبية، لا تتجنب المحادثة أو تحاول إنهاءها، بل تحلى بالشجاعة ودافع عن قضيتك
مواجهة الوصم بالتوعية
- كن واعيًا للطريقة التي تتحدث بها مع المتعافين، وكيف تتحدث عنهم مع الآخرين
- شارك في نشر حقائق عن كوفيد-19 كلما وجدت فرصة لذلك. تحدث عن التحديات والتنميط والتعليقات المؤذية التي يتعرض لها المتعافون
- لا تشارك بشكل سلبي في نشر سلوكيات الوصم، دافع عن الأشخاص الغائبين أو غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم
- التزم بتعليمات النظافة المتبعة، مثل ارتداء الأقنعة الطبية وغسل اليدين وترك مسافة بينك وبين الآخرين. يجب أن تصبح هذه السلوكيات ممارسات نموذجية، حتى تكون مقبولة أكثر وتقلل الوصم على مرتدي الأقنعة الطبية
- شارك في التوعية بالتطوع، فالأفعال لها صدى أكبر من الأقوال. تطوع في أنشطة مثل المساعدة في بنوك الطعام، أو التبرع بالدم، أو صناعة الأقنعة الواقية، أو كتابة رسائل الدعم، أو العمل في خطوط المساعدة الساخنة، أو الخطوط التي توفر مكالمات التفقد بانتظام للاطمئنان على المرضى و المتعافين والتأكد من تلبية احتياجاتهم.
لا تستهن بأثر الوصم الذي يتعرض له المرضى، فالفعل الذي تظنه عابرًا قد يضر نفسية المتعرض له، فيشعر بحسب تعبير سوزانا، كأنه في سجن افتراضي.