عندما ينطفئ وهج أيام الحب الأولى، وتهدأ اللهفة، وتخبو الأشواق، ننصح الأزواج بتجديد الحب بالخروج في مواعيد غرامية توقد جذوة المشاعر، ولكن هذا هو الحل ولا حل سواه؟
ليس صحيحًا بالضرورة، فمع تأخر سن الزواج أصبح مهمًّا أن نعرف كيف نحيا سعداء كعزاب. والمدهش أن المهارات المطلوبة لعزوبية ناجحة يمكنها هي نفسها أن تساعد على بناء زيجة أكثر سعادة، وهذا ما يشرحه مقال نُشِرَ على موقع «نيويورك تايمز».
مميزات يتمتع بها العُزاب
يتمتع العزاب بشبكة اجتماعية أوسع من المتزوجين، الذين يفضلون الانغلاق على أنفسهم.
العالم يتجه نحو العزوبية، بل ويُعد القرن الحادي والعشرون قرن العزوبية حقًّا، إذ وصل عدد غير المتزوجين في كثير من الدول إلى أرقام غير مسبوقة. ففي الولايات المتحدة مثلًا كان الأمريكيون يقضون نحو 29 عامًا داخل مؤسسة الزواج بين 18 و55 عامًا في 1960، ثم انخفض هذا الرقم إلى 18 عامًا فقط في المتوسط بحلول 2015.
على العكس من بعض المزاعم، فإن الزواج في سن كبيرة يقلل فرص الطلاق بشكل عام. إضافة إلى ذلك، فإنه يعطي فرصة أكبر للتعلم وكسب المال وتطوير مجموعة كبيرة من المهارات، مثل الطهي والصيانة المنزلية والإدارة المالية، وكلها أمور تساعد الطرفين على الحياة بشكل أفضل، بما في ذلك في الأوقات التي لا يكون فيها أحدهما متاحًا لمساعدة الآخر.
يتمتع العزاب عمومًا بشبكة اجتماعية أوسع من المتزوجين الذين يفضلون الانغلاق على أنفسهم. ففي المتوسط يتفاعل العزاب بصورة متكررة مع الأصدقاء والجيران وزملاء العالم وأعضاء عائلتهم الكبيرة أكثر من المتزوجين.
الاختلاط بالأصدقاء والعائلة، والاشتراك في النوادي والمؤسسات السياسية والفِرَق والاتحادات مكونات ضرورية لما يسميه علماء الاجتماع «الاندماج الاجتماعي». ويقول الباحثون الصحيون إن الحفاظ على مستويات مرتفعة من الاندماج الاجتماعي يحمي صاحبه من الموت المبكر مثلما يحميه الإقلاع عن التدخين.
والأكثر من ذلك أن محدودية الشبكات الاجتماعية ترفع خطر الموت المبكر بشكل أكبر من السمنة المفرطة أو اتباع أسلوب حياة خالٍ من النشاط. فقد أثبت تحليل 148 دراسة صحية منفصلة أن الأشخاص الذين شكّلوا شبكة واسعة من الصداقات والعلاقات الاجتماعية الأخرى كانوا أقل عرضة لخطر الوفاة بنسبة 50% من أصحاب الشبكات الاجتماعية الضيقة.
تقول كاتبة المقال إن الاحتفاظ بشبكة كبيرة من الأصدقاء بدلًا من الاعتماد بشكل أساسي على العائلة مفيد للغاية، فقد وجدت دراسة طويلة الأجل شملت 6,500 بريطانيًّا أن النساء والرجال الذين كان لديهم 10 أصدقاء أو أكثر في الـ45 من العمر تمتعوا بصحة نفسية أفضل بكثير عند بلوغهم الخمسين، بغض النظر عن علاقتهم بشريك الحياة، مقارنة بالأصدقاء ذوي الصداقات الأقل.
وأشارت دراستان حديثتان شملتا نحو 280 ألف شخص في قرابة مئة بلد أن الصداقات تصبح حيوية بشكل متزايد بين الأشخاص الأكثر تقدمًا في العمر. فبين الكبار في السن، تكون العلاقات مع الأصدقاء وسيلة أفضل للتنبؤ بالصحة الجيدة والسعادة من العلاقات العائلية.
اقرأ أيضًا: النية الطيبة لا تكفي: كيف تحافظ على أصدقائك؟
العلاقات الاجتماعية تحدد نجاحك كزوج أو أعزب
تعترف الكاتبة بأن الزواج يوفر دعمًا عاطفيًّا وعمليًّا وماديًّا كبيرًا، لكنها تؤكد أن إيجاد الشريك المناسب ليس بديلًا عن الأصدقاء والاهتمامات الأخرى.
الناجحون كعزاب يُحتَمَل بشكل خاص أن يكوِّنوا زيجات سعيدة، ويعود هذا بشكل كبير إلى المهارات الشخصية والاجتماعية التي طوروها قبل الزواج. تقول دراسة شملت نحو 17 ألف شخص إن 80% من المتزوجين شعروا بعد أربع سنوات من الزواج بنفس مستوى السعادة الذي شعروا به قبل الزواج بأربع سنوات.
صحيح أن المتزوجين يتمتعون بسعادة أكبر من العزاب، في المتوسط، ولكن أبحاثًا متزايدة تشير إلى أن معظم العيوب التي يعاني منها العزاب مقارنة بالمتزوجين ترجع إلى الضيق الذي يشعر به العزاب الذين انتهى زواجهم، وبخاصة الذين طَلقوا أو طُلقوا في وقت قريب.
قد يهمك أيضًا: الزواج أم العزوبية: أيهما طريقنا للسعادة؟
«كريستي ويليامز»، عالمة الاجتماع التي تدرِّس في جامعة ولاية أوهايو الأمريكية، توضح أن كثيرًا من المشكلات التي يعاني منها المطلقون والأرامل لا تأتي بسبب انتهاء الزواج، بقدر ما تَنتج عن اعتمادهم بشكل مبالغ فيه على الزوج، وفشلهم في الاحتفاظ بشبكات اجتماعية وتكوين مهارات الاعتماد على النفس. فالعزاب الأكبر سنًّا الذين يتمتعون بصداقات قوية، سواء سبق لهم الزواج أم لا، كانوا سعداء وأصحاء مثل المتزوجين، وفق الأبحاث.
الزواج: تفاعل أقل، اكتئاب أكثر
دراسة جديدة تؤكد أن العزاب الفقراء هم الشريحة الوحيدة من الأمريكيين الذين يشعرون براحة نفسية أقل من المتزوجين. ويعود هذا جزئيًّا إلى حفاظ المتزوجين في تلك الشريحة على درجة من الاندماج الاجتماعي أعلى من غير المتزوجين.
لكن بارتفاع مستوى الدخل تزول الميزات التي يتمتع بها المتزوجون مقارنة بغيرهم، أو ربما تنقلب الصورة تمامًا. بينما تتضاعف تفاعلات الأشخاص الأغنياء الذين لم يسبق لهم الزواج مع الأصدقاء والجيران والعائلة، لا يحدث نفس الشيء بالنسبة إلى الأغنياء المتزوجين. وقد يفسر هذا كون المتزوجين أصحاب الدخول الأعلى أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب، من الذين يتمتعون بنفس درجة الثراء ولم يسبق لهم الزواج.
الاحتفاظ بشبكات اجتماعية والاعتماد على الذات بعد الزواج يفيدك أكثر بكثير من مجرد حمايتك من الاكتئاب ومما ينتج عن الطلاق أو الترمل، فيمكن لتلك العلاقات الاجتماعية أن تعيد الحيوية لزواجك.
قد يعجبك أيضًا: كل الزيجات الفاشلة، تفشل لنفس السبب
صداقات الزوجين تعزز الزواج
يركز كثيرون على تطوير مهارات الزوجين دون أن يأخذوا في الاعتبار كيف يتأثر الزواج بالتفاعلات مع أشخاص خارج الزواج. فقد وجدت دراسة صادرة في 2017 أن تفاعل الأشخاص اجتماعيًّا بشكل متكرر مع أصدقاء جيدين يؤدي إلى خفض إصابتهم هم أنفسهم وشركاء حياتهم كذلك بأعراض الاكتئاب.
يشعر الناس بأن حالهم أفضل حين يتمتع أزواجهم بصداقات جيدة. إضافة إلى ذلك، فإن النساء للاتي يتمتعن بزواج سعيد يشعرن بقرب أكبر من أزواجهن إذا استطعن مناقشة مشكلات متعلقة بزواجهن مع صديق/صديقة.
في مراحل الحب الأولى، اخرجوا في موعد غرامي لا يشارككم فيه أحد، أما إذا انطفأت شرارة الحب، رتبوا موعدًا مزدوجًا يشارككم فيه اثنان من الأصدقاء.
يقول عالم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا «بنجامين كارني» إن مقولة «أنت كل حياتي» ليست الوصفة السحرية لنجاح الزواج. فطبقًا لأبحاثه، نجد الصداقات الداعمة ترتبط بالزيجات المَرضيّة، حتى لو كان الأزواج راضين بالدعم الذي يقدمه الطرف الآخر. فحتى أسعد الأزواج يكسبون شيئًا من «الاحتفاظ بعلاقات مع أشخاص خارج الزواج».
الاندماج مع الآخرين يعطي للحياة تنوعًا وروحًا متجددة يطلق عليها علماء النفس «بهارات السعادة»، فهو يعطي الزوجين فرصة لاستعراض مهارات الطرف الآخر. تقول الكاتبة إن زوجها قاصٌّ ماهر، لكنها سمعت معظم حكاياته ولم تعد ترغب في سماعها مجددًا حين يكونان وحدهما، أما حين يلتقيان الأصدقاء تشجعه على الحكي، فرد الفعل الإيجابي الذي يتلقاه يسعدهما معًا.
إذًا، هل يحتاج الأزواج إلى مواعيد غرامية لتجديد العلاقة؟
تقول الكاتبة إنه في تجربة بحثية، طُلِبَ من أزواج أن يمضوا ليلة معًا ينخرطون فيها في حوارات ذات طبيعة شخصية جدًّا. في الوقت نفسه، طُلِبَ من أزواج آخرين تمضية وقت مع زوجين آخرين لا تجمعهم بهما معرفة مسبقة، على أن ينخرطوا أيضًا في أحاديث شخصية.
بعد التجربة، قال الجميع إنهم أكثر رضًا عن علاقتهم بشريك الحياة، ولكن الأزواج الذين جلسوا مع زوجين آخرين قالوا إنهم شعروا بمشاعر رومانسية «أكثر» تجاه شريكهم مقارنة بالأزواج الذين خرجوا دون صحبة.
إذا كنتم في مراحل الحب الأولى، اخرجوا في موعد غرامي لا يشارككم فيه أحد، أما إذا كانت شرارة الحب الأولى قد انطفأت، ففكروا في ترتيب موعد مزدوج يشارككم فيه زوجان من الأصدقاء. ولو لم يكن في حياتك حبيب بعد، عليك تطوير مهاراتك الاجتماعية بالخروج مع الأصدقاء، لتكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد: قضيت عزوبية سعيدة، وأعددت نفسك للزواج.