(1)
ما قرأته صحيح، ليس هناك أي تلاعب في العنوان، هذا المقال دعوة صريحة لممارسة الجنس.
أنت لا تمارس الجنس، وحقك أن تفعل.
تنتظر الآن أن تأتي كلمة «لكن» بعد هذه العبارة، فدائمًا ما تأتي «لكن» لتنسف ما قيل. آسف سأخيِّب توقعاتك، بالصريح القبيح: من حقك ممارسة الجنس.
(2)
كلنا نولد، ونأكل، ونشرب، وننمو، ونمرض، ونموت. فلماذا كلنا لا نمارس الجنس؟
العنوان مزعج، لكن دعني أخبرك بالحقيقة. أنا أعني ما أقول، والأمور هي بالضبط كما تبدو عليه.
بص يا سيدي.. ممكن أقول لك المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس أسرة».
ويمكنني أن أخبرك بحديث الرسول محمد: «وفي بضع أحدكم صدقه، فقيل له: أيأتي أحدنا شهوتَه، ويكون له فيها أجر؟ فقال: أرأيتم إنْ وَضَعها في حرامٍ أكان عليه وِزْرٌ، فكذلك إذا وَضَعها في حلالٍ كان له فيها أَجْرٌ». رواه مسلم.
يمكن قول كثير من العبارات، لكن السؤال هنا: إنت عبيط يا ابني؟
هل تحتاج إلى نص حقوقي لإثبات حقك في أن تشرب مثلًا؟ وهل لا بد من حديث نبوي لتعلم بداهةً أن دينك لا يحرمك من غريزتك؟
(3)
كلنا نولد، ونأكل، ونشرب، وننمو، ونمرض، ونموت.
فلماذا كلنا لا نمارس الجنس؟
(4)
البشر يمارسون الجنس، فلماذا لا تفعل؟
أنت الآن يخطر ببالك الغرب «المنحل»، لكنى لا أقصد هؤلاء، أقصد ببساطة كل خلق الله: صينيين، يابانيين، أفارقة.
بعضهم يمارس الجنس داخل إطار الزواج، وبعضهم خارجه، ووفقًا لثقافاتهم واختياراتهم، ولكن النتيجة واحدة، كلهم يفعل.
أما أنت، فلا.
منذ زمن الرسول محمد وحتى أوائل القرن العشرين كان هناك إطار واضح لممارسة الجنس في مجتمعاتنا: تدرك البلوغ، فتعمل، فتتزوج وتمارس الجنس.
فكيف نمارس الجنس الآن؟
تقول الزواج؟ رائع، لكن ما ليس رائعًا أن متوسط سن الزواج 30 عامًا وشهر للذكور وفقًا لبيانات «المركزي للتعبئة والإحصاء» عام 2015.
لم تخطئ في قراءة الرقم، هو فعلًا 30 عامًا وشهر.
لو افترضنا أن سن البلوغ 13 عامًا، فنحن نتحدث عن 17 عامًا لا يلمس خلالها الذكر أي أنثى.
معلومة تهمك: لا يوجد كائن في الكوكب يقضي 17 عامًا دون أن يجتمع بالنوع الآخر..
باستثنائنا.
قد يهمك أيضًا: لماذا تخشى المجتمعات العربية تدريس الجنس؟
(5)
ربما بدأ كل شيء عام 1908.
فحتى أوائل القرن العشرين كانت الفتاة التي لم تتزوج بعد سن الخامسة عشرة تعد «عانسًا».
هذا غريب الآن، لكنه الإطار القائم حينها لممارسة الجنس.
عام 1908 افتُتِحَت أول جامعة مصرية (جامعة القاهرة حاليًّا)، العلم نور طبعًا، وربنا يوفقه، ولكن..
الطالب أصبح يتخرج وعمره 22 عامًا، وطوال هذه الفترة عالة على أبيه. وهكذا، فلأول مرة قاعدة ممارسة الجنس فور البلوغ لم يعد لها وجود.
كان هذا زلزالًا اجتماعيًّا، لكن آنذاك كان عدد الجامعيين محدودًا.
مع الإقبال على التعليم لم تعد «جامعة فؤاد الأول» تتسع للجميع، فأنشئ عام 1938 فرع لها في الإسكندرية (جامعة الإسكندرية حاليًّا)، وفي عام 1950 أنشئت جامعة إبراهيم باشا في العباسية (عين شمس حاليًّا).
أصبحنا نتحدث عن قطاع واسع من الجامعيين بات استقلاله المالي متأخرًا جدًّا، ثم يتأخر الاستقلال المالي بشكل إضافي مع التجنيد الإجباري، وأما غير المتعلم جامعيًّا، فلا يبدأ حياته المهنية بدوره إلا بعدما يتخطى 22 عامًا لأنه فور بلوغه 18 يقضي ثلاث سنوات في التجنيد.
أيًّا كان اختيارك، لن تبدأ حياتك المهنية قبل سن 22 عامًا.
قفز سن الزواج إلى منتصف العشرينيات، ثم في سبعينيات القرن العشرين مع تصاعد الأزمة الاقتصادية وترهل النظام الجامعي وانفصال ما تدرسه بكليتك عن حاجة سوق العمل، ما يضطرك إلى بذل سنوات إضافية لتتعلم بعد التخرج ما ستعمل به فعلًا، تخطى سن الزواج 30 عامًا.
يبدو هذا سيئًا، لكن الأسوأ حدث بعد ذلك.
مع الاعتياد أصبح عدم ممارسة الجنس لمن هم أقل من 30 عامًا صلب هويتنا وتعريفنا لأنفسنا، فنحن متدينون رائعون، شبابنا وبناتنا لا يمارسون الجنس، بينما الغرب منحل ملحد مسرف جنسيًّا، وبالتالي، فأي حديث عن الجنس يعني أننا صرنا كالغرب: حيوانات تمارس الجنس.
الجنس لمن هم أقل من 25 عامًا عادة دخيلة على قيمنا الأصيلة، والفتاة المصرية رائعة لا تفكر في أشياء كهذه، وأي حديث عن الجنس مؤامرة لإفساد بناتنا.
نحن بائسون، والأسوأ أننا نفتخر بذلك.
قد يعجبك أيضًا: تأخر الزواج قد يؤدي إلى الطلاق
(6)
أين كنا حين وزع الله على البشر نصيبهم من الجنس؟
(7)
الكبت استفحل في المنطقة كلها.
سن الزواج ارتفع عشرة أعوام عند المغربيات، كان 17 سنة تقريبًا في 1960، ووصل إلى 25.8 سنة عام 2014. وفى الأردن ارتفع متوسط سن الزواج للذكور إلى 30.2 عامًا في 2015 بعدما كان 26 عامًا في 1979.
والآن، فلنسأل الأسئلة المهمة:
س: كيف يمارس شاب الجنس قبل أن يبلغ الثلاثين؟
ج: لا يمارسه.
قد يهمك أيضًا: الجنس هو الحل: العلاقة الحميمة تهب لحياتنا معنى
(8)
أجيالنا الثلاثة الأخيرة هي الوحيدة في التاريخ الممنوعة من الجنس بتهمة أن عمرك لم يتجاوز 30 عامًا.
عكس الشائع في مصر، فالمخ ليس ساندوتشات، وهناك أسئلة يجب طرحها لتتمكن من الاستقلال بحياتك مبكرًا.
ألا يمكن تطبيق «مراحل تعليم منتهية» لتلتحق بسوق العمل حال انتهائك من الثانوية، أو في منتصف الدراسة الجامعية. فإذا كانوا يطلبون منك كـ«خرِّيج حقوق» عمره 23 عامًا العمل في مصنع أو مندوب مبيعات، فلماذا لم يؤهلوك لتفعل ذلك في الثامنة عشرة بدلًا من رهنك سنوات في كلية لا يحتاج سوق العمل خريجيها من الأساس.
ألا يمكن تقليص سنوات الدراسة قليلًا؟ هل سينهار العالم لو أُلغِيَ الصف السادس الابتدائي الذي أضيف دون مبرر؟
ماذا عن تشجيع ثقافة العمل خلال الدراسة الجامعية؟ ماذا عن الإصرار الاجتماعي الساذج على ربط الزواج بالإنجاب كأنه مهمة يجب أن تُنَفَّذ فورًا أيًّا كان السن والاستعداد النفسي والجسدي، وماذا عن أوهام شقة العمر وزفاف العمر؟
ماذا لو فكرنا؟
(9)
نعيش الاستثناء.
أجيالنا الثلاثة الأخيرة هي الوحيدة في التاريخ الممنوعة من الجنس بتهمة أن عمرك لم يتجاوز 30 عامًا.
نظامنا الاجتماعي مصمم لتمارسي الجنس في إطار الزواج، ومصمم في نفس الوقت كي لا تتمكني من ممارسة الجنس في إطار الزواج.
فلنتوقف عن الكذب على أنفسنا، نعيش الجنون، وعدم اعترافنا بهذا هو في ذاته مرحلة متقدمة من الجنون.
عدم ممارسة الجنس نتيجة، لن تمارس الجنس إن كنت غير مستقل، لن تستقل إذا كنت لا تعمل، ولن تعمل إذا كنت عالة متفرغًا للدراسة والتجنيد.
الدولة تختطفك حتى سن 23 عامًا في نظام تعليمي ترتيبه في ذيل قائمة دول العالم، ثم تجعلك تهدر مزيدًا من سنوات عمرك لتكتسب خبرات عمليه بعد التخرج.
لأن النظام التعليمي الذي امتص عمرك لا علاقة له بحاجة سوق العمل أصلًا.
في الكائنات الحية البدائية يحدث التكاثر ذاتيًّا، وأحدهم قرر أن يعمم التجربة في مصر، لكن الإشباع الجنسي حق، وحتى يتحقق هذا الحق، فلا تسمح لأي مستقبل بأن يخدعك بأنه أفضل.
عزيزتي مصر، ستموتين بالكبت يا جميلتي.