الروهينغيا: كل ما تود معرفته عن مأساة ميانمار الإنسانية

الصورة: Getty/Allison Joyce

فاطمة بنت ناصر
نشر في 2017/09/17

تصادفنا بين فينة وأخرى أخبار العنف وأعمال الإبادة التي يعانيها مسلمو الروهينغيا في ميانمار، وبدأت مشاعر المسلمين بالتحرك، وتحركت عدة احتجاجات في آسيا، خصوصًا إندونيسيا ذات الأغلبية المسلمة، بالإضافة إلى الاحتجاجات الإلكترونية، مع أن تلك الأخبار تنقل عادةً قصصًا لا تتحرى الصدق ولا الدقة.

هل تتعلق قضية الروهينغيا بكُره البوذيين للإسلام والمسلمين؟ أم أن هناك توترًا قديمًا وجد مناخًا مناسبًا ليشتعل بهذه الصورة؟

نسعى هنا إلى البحث عن أصل القصة وبدايتها، وجمع الخطوط التي لم يهتم بعض الناس بالبحث عنها، من أجل تقديم رؤية متكاملة لأزمة الروهينغيا الحالية وتاريخها في ميانمار.

ما هي ميانمار؟

الصورة: US Department of State

كان اسم ميانمار في السابق «الاتحاد البورمي»، ثم تغير عام 1989 إلى «اتحاد ميانمار»، في خطوة يُعتقد أنها جاءت لكسب رضا الأقليات ونبذ التحيز، ثم تغير الاسم مجددًا في 2010 ليُصبح «جمهورية اتحاد ميانمار».

يتراوح عدد سكان ميانمار بين 48 و58 مليون نسمة، وينقسم السكان إلى أعراق متعددة، أغلبهم من العرق البورمي الذي يشكل قرابة 68% من إجمالي السكان، والديانة الرسمية هي البوذية، بنسبة 89% من السكان.

تمتلك ميانمار، التي تحدُّها بنغلاديش والصين والهند ولاوس وتايلاند، ثالث أكبر جيوش المنطقة بعد الصين والهند، ويصل تعداد جيشها إلى 375,000 جندي.

الروهينغيا أقلية عرقية ودينية هاجرت من أصول بنغالية إلى بورما، وطالما اعتبرهم البورميون سكانًا غير أصليين.

عانت ميانمار لفترة طويلة من عُزلة سياسية واقتصادية، بسبب رفض الجيش الاعتراف بنتائج الانتخابات الديمقراطية التي أُجريت عام 1990، وفاز بها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، الذي ترأُسه «أونغ سان سو كي»، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، لكن الحزب حصل على أغلبية البرلمان عام 2012، والرئاسة عام 2015، بعد أن قرر الجيش كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات.

رغم هذا «التحول الديمقراطي» في سياسة ميانمار، ارتفعت حدة التوترات بين البورميين وأقلية الروهينغيا المسلمة بدرجة غير مسبوقة، خصوصًا منذ 2012، ممَّا أدلى إلى تهجير أكثر من 370 ألف روهينغي وقتل العشرات وحرق بيوتهم منذ بدء الأزمة.

اقرأ أيضًا: قصة الاضطهاد في ميانمار بين حرب الإنترنت و«حرق» الواقع

من هم الروهينغيا؟

تعرف إلى مسلمي الروهينغيا

الروهينغيا أقلية عِرقية ودينية مهاجرة من أصول بنغالية، استوطنت ولاية «راخين» أو «أراكان»، حسب ما كانت تُسمَّى في زمن الاحتلال البريطاني لميانمار (1824 - 1948)، وطالما اعتبرهم البورميون سكانًا غير أصليين.

يبلغ عدد الروهينغيا اليوم 800 ألف نسمة، ويدينون بالإسلام، وترى فيهم الأغلبية البوذية عِرقًا مختلفًا من البشر لا يشبه مواطني ميانمار في شيء، إذ أن حياتهم وعاداتهم مختلفة بصورة كبيرة.

يعتقد أبناء الروهينغيا أنهم ينتمون إلى ميانمار منذ زمن طويل، ويقولون إن أصولهم في راخين تعود إلى القرن الخامس عشر، أما السلطات البورمية فترى أنهم مهاجرون غير شرعيين وفدوا إلى البلاد حديثًا، ولا يستحقون الحصول على حقوق المواطَنَة.

لهذا السبب، عاش الروهينغيا دون حقوق المواطَنَة الأساسية لعشرات السنين، حتى قررت السلطة في التسعينيات منح المسلمين «بطاقات بيضاء»، توفر لهم بعض الحقوق دون الاعتراف بهم كمواطنين كاملين، وهو ما يمكن اعتباره تمييزًا عِرقيًّا ودينيًّا واضحًا.

تذكرون العنف، لكن ما أسبابه؟

 

العنف ضد مسلمي الروهينغيا  - تحذير: قد يحتوي الفيديو على مشاهد صادمة

هجم متمردون من الروهينغيا في 2017 على عدد من مواقع الشرطة شمالي راخين، ممَّا أسهم في تهجير أكثر من 120 ألف روهينغي.

تذكر معظم المواقع الإخبارية اليوم أن معاناة الروهينغيا بدأت بعد أحداث جرت عام 2012، عادةً دون ذكر سبب اشتعال العنف، وتطرَّق تقرير نشره موقع «بي بي سي» في عام 2014 إلى التسلسل الزمني لتفاقم الأحداث وأسباب كل حادثة كالآتي:

2012: وقعت أولى المواجهات الدموية بين مواطني الراخين البوذيين والأقلية المسلمة، فمات أكثر من 200 شخص وهُجِّر الآلاف، وبدأت المواجهات باغتصاب بعض المسلمين فتاة بوذية ثم قتلها.

2013: أدت مشاجرة وقعت في شهر مارس بين مسلم وبوذي في محل لبيع الذهب إلى عنف كبير، راح ضحيته 40 شخصًا وأدى إلى تدمير أحياء سكنية بأكملها.

2013: في أغسطس اندلعت أحداث عنف حُرقت خلالها بيوت مسلمي الروهينغيا ومحلاتهم في منطقة «كانبالو»، بعد رفض الشرطة تسليم رجل مسلم اتُّهم باغتصاب امرأة بوذية.

2014: قالت الأمم المتحدة إن 40 من الروهينغيا قُتلوا في ولاية راخين في يناير، بسبب أحداث عنف بدأت بقتل أحد رجال الشرطة البوذيين على يد الروهينغيا.

2014: في يونيو قُتل شخصان وجُرح خمسة في «مانداليا»، المدينة الرئيسية الثانية في ميانمار، بعد شائعة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مفادها أن رجالًا من مسلمي الروهينغيا اغتصبوا امرأة بوذية.

2017: بحسب مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، هجم متمردون من الروهينغيا على عدد من مواقع الشرطة شمالي راخين، ممَّا تسبب في بدء أحداث العنف الحالية، التي أسهمت حتى الآن في تهجير أكثر من 120 ألف روهينغي.

يؤكد التقرير أن عدم الاستقرار الأمني والصراع العِرقي ليس حديث العهد في ميانمار، بل له جذور قديمة، غير أن الدولة لم تعلب دورًا كافيًا في استئصاله منذ البداية، وربما كانت تُسهِم في زيادة الأمور سوءًا.

قد يهمك أيضًا: مذابح الروهينغيا في ميانمار: الوجه العنيف للبوذية

السلطة والأقلية

الصورة: Foreign and Commonwealth Office

ظلت ميانمار تحت الحكم العسكري لفترة طويلة، ولم تبدأ بالتحول نحو الديمقراطية إلا في 2011، لذا، لا يزال الجيش ممسكًا بزمام المناحي الأمنية كافة، ولا يملك رئيس الدولة الحالي أي كلمة في إدارة الشأن الأمني.

يطالب «جيش تخليص الروهينغيا في أراكان» بإعادة المُهجَّرين إلى مساكنهم، ومحاسبة المشاركين في العنف، والإفراج عن المعتقلين، ووقف تشغيلهم بالسُّخرة.

تُتهَم سلطات ميانمار بغضها الطرف، بل وإسهامها بشكل أو بآخر في المعاناة التي تنال من مسلمي الروهينغيا، أما «سان سو تشي»، مستشار الدولة والحاكم الفعلي للبلاد، فتراهم إرهابيين يسعون إلى الاستقلال بولاية راخين، ويعود السبب في ذلك إلى وجود تنظيم مسلح يُدعى «جيش تخليص الروهينغيا في أراكان».

أُسِّس التنظيم في أكتوبر عام 2016، وكان اسمه في البداية «حركة اليقين»، ثم تغير إلى اسمه الحالي، ويقوده عطالله أبو عمار جنوني، وهو من مواليد باكستان وعاش في المملكة العربية السعودية، ويهدف من إنشاء التنظيم إلى الدفاع عن الأقلية الروهينغية المضطهدة.

يؤكد التنظيم في بياناته أحقية الشعب الروهينغي في ولاية أراكان، وأنهم استوطنوها قبل البورميين، الذين جاؤوا لاحقًا محتلين ليحكموهم بالقسر والعنف، ويمكن رؤية نزعة انفصالية في تمسُّكهم بأحقيتهم في الأرض دونًا عن البورميين وسلطتهم.

يذكر التنظيم أن هناك حملة منظمة للتطهير العِرقي ضدهم، بدأت من السبعينيات ولا تزال مستمرة حتى اليوم، ويناشد المجتمع الدولي نصرته وإنقاذه من التشريد والقتل على أيدي السلطات، وينفي تهم الإرهاب التي تُوجَّه إليه، أو تورطه مع أي تنظيمات إرهابية خارجية، أو حصوله على تمويل منها.

يطالب «جيش تخليص الروهينغيا في أراكان» بإعادة المُهجَّرين إلى مساكنهم، ومنحهم بطاقات هُوية، وتشكيل لجان تحقيق مستقلة برئاسة الأمم المتحدة لتحري الوضع الحالي، ومحاسبة المشاركين في العنف، وضمان حقوق الروهينغيين وحرياتهم، والإفراج عن معتقليهم، ووقف تشغيلهم بالسُّخرة، وتوفير التعليم لأطفالهم، وعدم التدخل في شؤون الزواج بينهم، وغير ذلك.

تعاطفنا مشروط، كالعادة

الصورة: Global Panorama

بسبب مسارها التاريخي المعقد، تعيش أقلية الروهينغيا المسلمة وضعًا مزريًا منذ عشرات السنين، وتجد نفسها متورطة في دوائر من العنف والعنف المضاد. وبسبب موازين القوى في ميانمار، تخرج الأقلية الروهينغية عادةً مهزومة، فيزيد حنقها ومقاومتها، واضطهادها كذلك.

من المؤسف أن التعاطف العربي والإسلامي مع هذه الأقلية مرهون كالعادة بدينها الإسلامي، متجاهلًا أن مأساتهم إنسانية قبل أي شيء، ويؤثر هذا التعاطف المشروط بالطبع في رؤية الناس للصورة، فيتناول الإعلام الأحداث من زاوية واحدة رغم تعقيدها الشديد، وتنتشر الصور المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي لحشد المشاعر دون محاولات حقيقية للفهم.

المؤكد أن الوضع لو كان معكوسًا، لو أننا أمام أقلية بوذية مضطهدة، لكان الخطاب الشائع على وسائل التواصل الاجتماعي معكوسًا كذلك.

ربما يكشف لنا تعاملنا مع الأزمة في ميانمار أننا بحاجة إلى مراجعة انحيازاتنا قبل أي شيء، ويجب هنا الإشارة إلى أن المعونات الغربية التي وصلت ميانمار منذ بدء الأزمة تقدر بمئات ملايين الدولارات، في حين لم تقدم الدول العربية إلا بعض المعونات الضئيلة، التي بدأت على استحياء فقط في 2017.

هكذا، يبدو أن الأزمة في ميانمار كشفت لنا أزمة محلية مقابلة، هي تعاطف العرب المتحيز، المشروط بالديانة، الذي يقف عند حدود مشاركة المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، دون الاهتمام حتى بالتحقق من صحتها.

مواضيع مشابهة