وجد بعض الشباب الأثرياء، من أماكن مختلفة في العالم، أن بإمكانهم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في غرض طالما اهتم معظم الأغنياء به منذ القدم: التباهي بما يملكونه، وبأنماط حياتهم التي لا يقدر أغلب الناس على الحصول عليها في المعتاد.
يتباهى الشباب الأثرياء عبر حساب «Rich Kids of Instagram» بنمط حياتهم على إنستغرام، وبما يستطيعون الحصول عليه من رفاهيات، في عصر تزيد فيه معدلات الفقر والبطالة بين الشباب في جميع أنحاء العالم. لكن الغريب أن بعض شباب إيران، البلد الإسلامي المحافظ التقليدي ذو القواعد الصارمة، انضموا أخيرًا إلى نادي أثرياء إنستغرام بحساب أطلقوا عليه «Rich Kids of Tehran».
شباب إيران الأثرياء والسلطة
بنفس الهيئة ونفس الصور، كان حساب «Rich Kids of Tehran» مماثلًا لقرينه العالمي: هواتف ذكية من الدرجة الأولى، فيلات ضخمة، فتيات بملابس البحر، وترى الصحفية الإيرانية «ميشا باربان»، في مقالها المنشور على موقع «Vice»، أن هذا الاستعراض الضخم ربما يكون مفاجئًا، نظرًا لأنه خرج من بلد مسلم محافظ إلى حد كبير، يحظر الكحول ويجرِّم ارتداء ملابس غير محتشمة.
منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وتعميم رؤية روح الله الخميني الجديدة لجمهورية إيران «الإسلامية»، لا تزال المراسم الدينية تنظم الحياة الاجتماعية، وارتداء الحجاب إلزامي للفتيات.
بحسب المقال، أُلقي القبض على سبعة أشخاص في سبتمبر عام 2014، بعد أن عرضوا مقطع فيديو لأنفسهم يرقصون على أغنية «Happy»، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن لمدد تصل إلى عام، فضلًا عن جلدهم 91 جلدة.
أدان المرشد الأعلى لإيران «الجيل الذي يدمر نفسه بأمواله»، بعد حادث تصادم سيارتين فارهتين أسفر عن مقتل 5 أشخاص.
حساب «Rich Kids of Tehran»، ورغم السياسات الحكومية الصارمة في البلاد، لم تلاحقه السلطات حتى هذه اللحظة على الأقل بشكل رسمي، حتى مع الصور التي تظهر فيها زجاجات الشامبانيا والفساتين المكشوفة والمايوهات.
حين تحدثت كاتبة المقال إلى أحد مؤسسي الحساب، أكد أن الحكومة تفرض مرشِّحًا تقنيًّا على الحساب لتصعيب الوصول إليه من داخل إيران. ووفقًا للكاتبة، فُرضت هذه التقنية على عديد من التطبيقات والمواقع الإلكترونية الأخرى، وتبذل الحكومة جهدًا كبيرًا لتصفية الإنترنت ووضع رقابة على المواقع التي تعتبرها غير ملائمة أو غير أخلاقية.
في مايو 2015، وقع حادث تصادم لسيارتين فارهتين أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، وكان أحد السائقين شابًّا ثريًّا. حينها، توقف المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي عن تجاهل المشكلة، وظهر في الإعلام مُدينًا «الجيل الذي يدمر نفسه بأمواله» ويسبب «انعدام الأمن النفسي» في شوارع طهران.
ومع ذلك، لم يُتّخذ أي إجراء ضد حساب «Rick Kids of Tehran»، ولا يزال موجودًا على إنستغرام.
اقرأ أيضًا: إنستغرام يقتل: هوس التقاط الصور الخطيرة يضرب العالم
شباب إيران الأثرياء: هل ينتمون إلى الطبقة الحاكمة؟
في حديث لكاتبة المقال مع أحد متابعي الحساب يبلغ 24 عامًا، ذكر أن 80% ممن يغذُّون الحساب من ذرية النخبة الحاكمة وليسوا مجرد أقلية ثرية، بل هو استعراض لسلالة الطبقة السياسية، وهي نفس الطبقة التي يدعو أفرادها البارزون، أو المنتمون إلى جهات حكومية نافذة، إلى السلوك المتواضع وضبط النفس.
يعتقد أصحاب حساب «شباب إيران الأثرياء» أنهم يُظهرون بلدهم بصورة أكثر ليبراليةً وحداثةً مما تنقله وسائل الإعلام الغربية.
أما «سابا»، الفنانة ذات الـ27 عامًا التي تتابع الحساب، فأشارت إلى أنه لو كان من يظهرون في الصور قريبين من السلطة في إيران بطريقة أو بأخرى، فإنهم «حديثو عهد بالثروة، وليسوا أرستقراطيين تقليديين ممن لا يزالون أكثر تحفظًا على ثرواتهم»، فالثقافة الإيرانية التقليدية ليست مع التباهي بما تملك، خصوصًا كي لا تؤذي مشاعر الآخرين.
قد يعجبك أيضًا: كيف وقف «إنستغرام» في وجه الرقابة الإيرانية؟
«هذه هي الأشياء التي لا يريدونك أن تراها في إيران»
الشباب الذين يديرون حساب «Rick Kids of Tehran» دافعوا عن رسالتهم، خلال حديثهم إلى كاتبة المقال، ويعتقدون أن ما يفعلونه يُظهر إيران أكثر ليبراليةً وحداثةً من الصورة التي يجري تصويرها في وسائل الإعلام الغربية.
بالنظر إلى ما ينشره الحساب من صور، سنشعر بتلك الرغبة في تصوير إيران من منظور آخر، وسنجد ذلك في بعض الشعارات على الصور، مثل «نحن لا نركب الجمال»، أو «هذه هي الأشياء التي لا يريدونك أن تراها في إيران»، لكن من يقصدون بضمير الجمع في «يريدون»: الحكومة الإيرانية أم الغرب؟
أكد مديرو الحساب لكاتبة المقال أنهم يشيرون بشكل عام إلى وسائل الإعلام التي تنشر صورة ملفقة ومخيفة عن إيران لخدمة أهداف سياسية، فعلى مدى السنوات الثمانية الماضية، كانت معظم الأخبار تدور عن السياسة الإيرانية والعقوبات والقضايا النووية، واستخدمت وسائل الإعلام الغربية هذه المواضيع لخلق صورة عن إيران ستعود بالنفع على أجنداتها السياسية.
يرى أصحاب حساب «شباب إيران الأثرياء» أن الفقر في بلادهم لا علاقة له بثرواتهم، فإيران تخضع لعقوبات من الغرب تشل اقتصادها.
الرغبة في إظهار جانب مختلف من إيران كان عاملًا مشتركًا بين من يديرون الحساب جميعًا، بحسب الكاتبة، التي توضح أنها لا تختلف معهم في الأفكار الأساسية، لكنها كشابة إيرانية توَد أن يفهم المجتمع الدولي أن بلدها ليس كما يعتقدون، فالإيرانيون لا يرتدون الحجاب بشكل منهجي، ولا يطيل جميع الرجال لحاهم، ففي إيران الحياة طبيعية: الناس يتزوجون، ويرقصون، ويغنون، ويشربون الكحول، ويدخنون، ويخرجون في لقاءات رومانسية.
شباب إيران الفقراء
أثار حساب الأغنياء حفيظة الشباب المتعاملين مع الإنترنت في إيران بشكل عام، وربما كان حساب «Poor Kids of Tehran»، ردًّا عليه بشكل ما، إذ يستعرض صورًا للفقراء في إيران، في ما يبدو كوجهة نظر مقابلة للتصور «الثري» لو جاز التعبير، الذي يستعرضه حساب الشباب الأثرياء.
لكن شباب إيران أثرياء، بحسب أحد مديري الحساب، لا يرون علاقة بين الفقر في البلاد وثرواتهم، بل يرونه راجعًا إلى أن إيران تخضع لعقوبات غربية شديدة منذ أكثر من عقد، لدرجة شلّت الاقتصاد تقريبًا، إضافةً إلى أن هنالك عدد أكبر من الفقراء في أوروبا وأمريكا الشمالية أكثر مما في إيران.
تجد كاتبة المقال صعوبة في تصديق أن الحساب أُنشئ بهدف مواجهة أي صورة عالمية عن إيران، وترى غرضه الأساسي، في الأغلب، أن يتمكن هؤلاء الشباب الأثرياء من التباهي بنقودهم.
ومع ذلك، فإن مجرد وجود «Rich Kids of Tehran» على إنستغرام ينجح في الالتفاف على المفاهيم القديمة، حتى لو كان ما يكشفه مجرد أقلية صغيرة من الشباب، تعيش حياتها في إيران، واحدة من أكثر بلدان العالم تحفظًا، بطريقة مختلفة وغير تقليدية عن السائد.