لديك جدول أعمال مزدحم دائمًا؟ أصبحت تلهث باستمرار لإنجاز مهام ملقاة على عاتقك؟ صرت تشعر بالذنب حين تغلق الكمبيوتر وتريح رأسك قليلًا من عناء التركيز؟ ربما عليك أن تعرف أن قضاء بعض الوقت بعيدًا عن شاشة الكمبيوتر أو دون الرد على بريدك الإلكتروني ليس مَضيعة للوقت، بل ضرورةً ستُشعرك بالإشباع والرضا، وهذا ما يكشفه مقال نُشر على موقع «كوارتز».
الإنتاجية لا تكون على حساب الراحة
تقول كاتبة المقال إن «مرلين مان»، خبير الإنتاجية وتنظيم الوقت، بدأ بتأليف كتاب عن طريقة تنظيم البريد الإلكتروني التي ابتدعها، المشهورة باسم «Inbox Zero»، وهي تعتمد على حذف الرسائل أو الرد عليها أو الاستجابة لها أولًا بأول من أجل ترك صندوق البريد الوارد فارغًا طول الوقت.
توقف مان عن التأليف بعد عامين من شروعه في الكتابة، وبدلًا من الكتاب نشر مقالًا على مدونته يشرح فيه أن استغراقه في التركيز على حُسن إدارة الوقت جاء على حساب الاستمتاع بالأوقات التي يقضيها مع ابنته، لكنه حذف المقال فيما بعد بحسب الكاتبة.
تحدث المشكلة حين نركز على الإنتاجية لدرجة نتوقف فيها عن أخذ قسط من الراحة، فلا نعود ننام ساعات أطول أو نتنزه أو نقرأ كتابًا في جو من الاسترخاء، والأسوأ أن الدقائق التي نسترقها لأنفسنا يعكِّر صفوها شعور الذنب، إذ لا يكاد الذهن ينصرف عمَّا كان يُفترض القيام به في وقت الراحة.
التحديق في شاشة الكمبيوتر ليس بديلًا للراحة
يؤدي تفقد صفحات الإنترنت خلال الراحة إلى شعور زائف بأننا ننجز مهام متعددة في نفس الوقت.
بدلًا من الاسترخاء، يظل الكثيرون جالسين أمام شاشة الكمبيوتر يتصفحون مواقع الإنترنت ويتنقلون بين الأخبار، وهي عادة سيئة، لأنها لن تؤدي إلى أي سعادة أو تحقق إنتاجية، ناهيك بأنها الأقل إشباعًا من بين الأنشطة المختلفة التي يمكن فعلها.
اقرأ أيضًا: كيف تؤثر المماطلة على صحتنا؟
يقول «مايكل غتريدغ»، عالم النفس المتخصص في السلوك الوظيفي، إننا نعتقد أنه ينبغي أن ننشغل بالعمل طَوَال الوقت، وهو شعور يصعب التخلص منه واختيار الراحة والتنزه بدلًا عنه، لذلك أصبحنا نفضل الشرود أمام أجهزة الكمبيوتر، باحثين عن ملهاة على وسائل التواصل الاجتماعي.
يؤدي تفقد صفحات الإنترنت في أوقات الراحة القصيرة إلى شعور زائف بأننا ننجز مهام متعددة في نفس الوقت، بينما نحن في الحقيقة نضيع وقتًا أطول من اللازم في مهام شديدة البساطة.
يضيف غتريدغ أن إصرارنا على التضحية بأوقات الراحة يضيع الفوائد الذهنية والجسمانية التي قد نجنيها من التفرغ لأنفسنا، إذ بات كثيرون يأكلون وهم جالسين على مكاتبهم، بينما الأفضل أن يتجولوا قليلًا أو يجلسوا في مقهى.
بحسب غتريدغ، حتى المصانع الإنجليزية في العصر الفيكتوري كانت تمنح العمال أوقاتًا للراحة، فهل أصبحت بيئات عملنا أقسى من هذه المصانع سيئة السمعة بسبب عزوفنا عن الراحة؟
مشاهير ناجحون لم يعملوا لساعات طويلة
الراحة ستحسن من أدائك في العمل، والأهم أنها ستحقق إشباعًا في حد ذاتها.
يوضح مؤلف كتاب «كيف تُنجز أكثر حين تعمل أقل؟»، «ألكس سويونغ كيم»، أن أشخاصًا مثل الروائي الإنجليزي «تشارلز ديكنز»، والروائي الكولومبي «غابرييل غارسيا ماركيز»، والعالم البريطاني «تشارلز داروين»، كانوا يعملون لمدة خمس ساعات أو أقل في اليوم.
قد يعجبك أيضًا: ما العلاقة بين الكسل والإبداع؟
لسبب ما، يبدو أن العمل الذي نعكف عليه يتمدد ليملأ مساحة الوقت التي نخصصها له، لذا يستطيع كلٌّ منا تقصير المدة التي يقضيها في مكان عمله وإنجاز نفس القدر من المهام.
إن الأنشطة التي يفترض أننا ندلِّل أنفسنا بها، مثل مشاهدة فيلم أو تناول الغداء في مطعم، قد يفسدها شعور متضخم بالمسؤولية، فيحكي غتريدغ أنه سمع عن مديرين يشاهدون الأفلام على وضعية التقديم السريع لكي يختصروا الوقت، وبالتأكيد لم ينعم هؤلاء بمشاهدة ممتعة.
الراحة للمتعة.. والراحة للراحة
رغبتك في الراحة لا ينبغي أن يفسدها شعور بالذنب أو يقتلها تكاثر المسؤوليات.
تقول كاتبة المقال إن تمضية بعض الوقت بعيدًا عن العمل يعيد شحن بطاريتك ويقلل من وطأة ازدحام الأفكار في رأسك، حسب غتريدغ، فالراحة ستحسن من أدائك في العمل، والأهم أنها تحقق إشباعًا في حد ذاتها.
من شأن مشاهدة التليفزيون أن تساعدك إذا ما استرخيت ونويت الاستمتاع، إذ كشفت إحدى الدراسات أن مشاهدة التليفزيون تصبح أقل متعةً لدى من يلومون أنفسهم عليها ويعتبرون أنفسهم من الكسالى الجالسين أمام الشاشة طَوَال اليوم.
رغبتك في الراحة لا ينبغي أن يفسدها شعور بالذنب أو يقتلها تكاثر المسؤوليات، فإذا أردت أن تتصفح مجلة أو تذهب إلى المقهى، أو أن لا تفعل أي شيء على الإطلاق، اسمح لنفسك بذلك، فالوقت الذي تظن أنك تضيعه هو في الحقيقة وقت أحسنتَ قضاءه.