عن ذلك الشعور المريح عندما تدخل الأشياء في أماكن تناسبها

الصورة: Katie Walker

مودة نجم الدين
نشر في 2019/10/15

في هذا العالم الذي تغلُب عليه الفوضى والعشوائية، كيف لتناسب الأشياء مع بعضها بعضًا أن يوفر لنا الراحة والرضا الوجودي؟ يساعدنا مقال على موقع «The Atlantic» على إجابة هذا السؤال الطريف والغريب بعض الشيء. 

تبدأ «جولي بيك» مقالها بحكاية طريفة حدثت لها ذات مرة، إذ ذهبت في رحلة الى آيسلندا وأخذت معها معطف المطر، وبدلت عملتها المحلية إلى الكرونة الآيسلندية، وبعد عودتها تبقى معها بعض الكرونات المعدنية في جيب معطفها دون أن تدرك. 

حين ارتدت المعطف مرة أخرى، وضعت الكاتبة هاتفها الخلوي في ذات الجيب الذي يحمل الكرونات المعدنية، وكان للهاتف غطاء واقٍ به دائرة صغيرة في الخلف، فعلقت واحدة من العملات في دائرة الغطاء بشكل فائق المثالية. 

بعد ذلك، وفي كل مرة ترتدي فيها جولي المعطف، صارت تضع هاتفها في ذلك الجيب حيث الكرونات المعدنية، واضعةً كرونة في الدائرة الخلفية للغطاء بغرض تدويرها بإبهامها، لأن هذا كان «مهدئًا للأعصاب حقًا».

السعادة الكامنة في الصدف المناسبة

 

يشير المقال إلى صفحة على موقع تمبلر اسمها «أشياء تتناسب مع بعضها تمامًا»، تختص فقط بتوثيق كل الصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر حالات تناسب فيها أحجام أشياء داخل بعضها بعضًا، كجهاز محمول يتناسب مع صينية خبز، أو كأس زجاجية تتناسب مع علبة بسكويت، أو حتى خاتمي زواج يناسبان بعضهما.

تطرح جولي هنا تساؤلًا حول ما إذا كان الجمع بين شيئين عشوائيين واكتشاف مناسبة حجميهما بتلك الأهمية حقًا. ما الفائدة المرجوة من هذا الفعل الغريب؟ 

لو تناسبت تلك الأجسام مع بعضها بنسبة 75% أو 85% مثلًا، فلن يكون الموقف مدهشًا كما يحدث مع الأجسام المتناسبة تمامًا.

يجيب البروفيسور «يوهان ويغمان»، الرائد في علم النفس التجريبي بجامعة لوفين في بلجيكا، والذي تدور أبحاثه حول التنظيم الإدراكي. 

يوضح ويغمان أن أهمية هذا الحدث تتعلق بمفاجأته وكسره للتوقعات، فعندما ترتبط أشياء من مواد وأشكال مختلفة ببعضها، نرى نشوء علاقة مختلفة تتحدى توقعاتنا، ليس حول كيفية ارتباط الأشياء ببعضها فقط، بل حول الصدفة العجيبة والطريفة التي جمعت شيئين على هذا النحو.

يضيف ويغمان: «إذا نظرنا إلى الأمر من ناحية إحصائية، ومن ناحية كيف صُنعت تلك الأجسام وكيف ارتبطت ببعضها هكذا، فإننا لن نصدق أنها مجرد صدفة»، مشيرًا إلى أنه لو تناسبت تلك الأجسام مع بعضها بنسبة 75% أو 85% مثلًا فلن يكون الموقف مدهشًا كما يحدث مع الأجسام المتناسبة تمامًا، ولهذا تكون للحدث متعة مميزة جدًا نتيجة العفوية التامة للمشهد.

تعتقد عالمة النفس «غيليان روبير» أننا نعيش في زمن تحاصرنا فيه كثير من الأشياء، بحيث أن مجرد تناسُب شيئين مختلفين تمامًا عن بعضهما يوفر لنا نوعًا من الراحة.

يعرفنا المقال إلى صفحة أخرى رائجة على تمبلر تسمى «أشياء منظَّمة بدقة»، تشترك في فكرتها مع صفحة «أشياء تتناسب مع بعضها تمامًا»، وتعرض صورًا لأجسام مرتبة نمطيًا بطريقة عمودية أو أفقية، حسب اللون أو الحجم أو الشكل أو النوع إلخ. 

تحكي غيليان، وهي واحدة من أعضاء «الرابطة الوطنية لمحترفي التنظيم والإنتاجية»، أن العمل في حقل علم النفس ليس عملًا ملموسًا بشكل حقيقي، وهذا من الأسباب التي جعلتها تتوق إلى العمل كمنظِّمة، فهي تجد الكثير من التسلية في العمل الفعلي الجسدي، الذي يُشعرها بالتحكم في المساحات الفوضوية وإضافة شيء من النظام إلى المساحات التي حولها. 

الاشتياق إلى النظام في وجودٍ فوضوي

تؤمن غيليان بوجهة نظر تشبه ما يظنه ويغمان، فكلاهما يتفق نظريًا على أن البشر لديهم رغبة فطرية في وضع الأشياء في مكانها المناسب. ويشترك الاثنان أيضًا في نقطة مهمة، وهي أن المصابين بمرض التوحد لديهم ميل إلى صف وتكديس الأجسام، وهو ما يظنانه نسخة متطرفة من ميل الإنسان الطبيعي لفعل ذلك.

يقول ويغمان إن المتعة كلها تكمن في العمل الجسدي، فالتنظيم والتنسيق يعززان شعورًا بالسيطرة المبهجة يجعل العالم مكانًا أكثر نظامًا، وهو يشبه ما ذكرته غيليان عن ميلها للعمل الجسدي.

تكتظ مواقع مثل «Buzzfeed» بعناوين على شاكلة «29 صورة ستجعلك تتنفس بسهولة»، أو «26 صورة ستجلب السلام إلى حياتك»، أو «34 صورة ستُشعر كل محبي الكمال بالرضا». وتحقق هذه المنشورات ملايين المشاهدات لأنها تمنح نوعًا من الرضا والراحة للمُشاهد بالفعل، لأنها تعرض صورًا لأجسام منظمة ومصنفة حسب معيار معين، أو أجسام تتناسب حجميًا مع بعضها بعضًا. هناك تصنيف مثلًا يدعى «أشياء أزيلت بسلاسة»، كصورة لعملية تقشير تفاحة بشكل حلزوني تام، وتصنيف آخر يحمل اسم «أشياء تبدو مثالية بشكل خارق للطبيعة»، مثل صورة لكرة ثلج لا تشوبها شائبة.

العمل على جعل الأشياء تتناسب معًا بشكل منظم يُشعرنا بالبهجة، نعم، لكن رؤية الأشياء تتكون على هذا النحو عشوائيًا يوفر نوعًا مختلفًا من البهجة.

يشير المقال أخيرًا إلى كتاب «مبدأ اللا احتمالية» لعالم الإحصاء «ديفيد هاند»، الذي يوضح أن الأشياء غير محتملة الحدوث تقع على الدوام، سواء أكان ذلك لقاء زميل من المدرسة الثانوية في مدينة يتخطى سكانها مليون نسمة، أو مجرد عملة معدنية تتناسب بشكل مثالي مع فتحة ما في غطاء الهاتف الجوال. 

تختم كاتبة المقال بأنه أيًا كان ما تقوله الرياضيات، سيظل من المدهش والمثير أن تعمل الأشياء كما لا يُفترض بها أن تعمل. إنها معركة ضد فوضوية الحياة، أن تصل إلى الأشياء بسلاسة تامة معتقدًا أنك كنت ستعاني للوصول إليها.

مواضيع مشابهة