وسط كل هذا الوصم الاجتماعي والأحكام الأخلاقية المحيطة بالمرض النفسي، التي تؤرق المصابين به وتسهم في صعوبة اعتراف بعض ممن يعانونه أصلًا بأنهم بحاجة إلى استشارة مختص، تستهلك رحلة البحث عن الطبيب النفسي المناسب وقتًا وجهدًا كبيرين.
حتى في حالة الذهاب إلى طبيب نفسي، يظل المريض يعاني توترًا وقلقًا دائمين نتيجة شعوره بأن محاصَر بكل تلك الأساطير المنتشرة حول طبيعة العلاج النفسي، خصوصًا المتعلقة بتناوله الأدوية، وكشف تفاصيل شديدة الذاتية عن حياته لشخص غريب.
كل هذا يعوق العملية العلاجية، ويفسد أهم ما تقوم عليه في الأساس، وهي ثقة المريض في ما يحاول الإقدام عليه ومدى جدواه. لذا، محاولين استكشاف أهم تلك الأفكار والانطباعات، إليك إجابات عن بعض الأسئلة التي قد تخطر ببالك وأنت تقرر ما إن كنت على استعداد لزيارة طبيب نفسي، أم لا.
س: ما الدواء النفسي؟
ج: دواء مُرخَّص، له تأثير في الناحية الشعورية والنفسية لمتعاطيه. يصفه الطبيب بغرض إحداث تأثير في تخليق المواد الكيميائية في المخ والجهاز العصبي وتفكيكها، ومن ثَمَّ إحداث تغييرات على كيمياء المخ عمومًا، وتحقيق الهدف العلاجي.
ظهرت الأدوية النفسية لأول مرة في منتصف القرن العشرين. منذ ذلك الحين، أصبحت واحدة من أهم الطرق العلاجية لعدد من الأمراض النفسية.
س: ماذا لو لم أرغب في تناول دواء نفسي؟
ج: شهد علم الدواء النفسي تطورًا كبيرًا، مصاحبًا لزيادة معرفتنا بطريقة عمل المخ ودور الهرمونات العصبية، مثل «الدوبامين» و«السيروتونين»، في ظهور الأعراض المرضية، كأعراض الذهان والتوتر والاكتئاب.
يرجع قرار احتياج المريض للدواء إلى الطبيب المختص الذي يتابع الحالة، وهو الوحيد القادر على تقييم الأعراض و خطورتها على المريض ومن حوله، بناءً على البروتوكولات العلاجية المعتمدة بالطبع.
س: هل بإمكاني تجربة العلاج النفسي أولًا قبل العلاج الدوائي؟
ج: كثيرون يسألون في العيادة: لماذا لا نجرب الجلسات النفسية أولًا، وإذا لم تنجح نلجأ إلى الدواء؟
الخيار بين الاثنين خيار علاجي، فلا يمكن مثلًا أن نرجح العلاج النفسي أولًا في حالات الاضطرابات العقلية الكبرى، كالفصام والاضطراب الوجداني ثنائي القطب، بينما لا يمكن أن نلجأ إلى الدواء أولًا في حالات اضطرابات الشخصية والاكتئاب البسيط. وكثيرًا ما تُستخدم الطريقتان معًا للوصول إلى نتائج أفضل وأسرع.
س: جميع الأدوية النفسية ليست سوى مهدئات فعلًا؟
ج: كثير من الأدوية النفسية من بين أعراضها الجانبية فرط النوم، خصوصًا في بداية تعاطيها.
عادة ما تكون هذه هي الأعراض الجانبية لعدد من مضادات الذهان (الذي يُستخدم في علاج الأمراض العقلية الكبرى) وبعض مضادات الاكتئاب، لكن التطور الذي يشهده علم الأدوية النفسية جعلنا على معرفة بتأثير الدواء في المستقِبلات العصبية في المخ، ما يُحسِّن الأعراض الجانبية والتعامل معها.
هناك أدوية خاصة لأعراض القلق والتوتر، وأدوية خاصة بالاكتئاب، وأدوية تعمل مثبتات للمزاج، ما يعني أن الفكرة القائلة بأن الأدوية النفسية ليست سوى مهدئات مجرد أسطورة، ومع الوقت تظهر عقاقير أكثر كفاءة وأقل في أعراضها الجانبية.
س: متى أتوقف عن تناول الدواء؟
ج: حسب الحالة المرضية.
في الحالات البسيطة، يرتبط تناول الدواء بزوال الأعراض التي يعانيها المريض ونجاح العلاج.
لكن عددًا من الأمراض العقلية الكبرى (الفصام مثلًا) لا يمكن التوقف عن تعاطي أدويتها، رغم التطور الهائل في علم الأدوية النفسية. في هذه الحالة، يصبح هدف العلاج الدوائي السيطرة على الأعراض، لا العلاج الكامل، ومن ثَمَّ إتاحة الفرصة للمريض للتعايش مع مرضه، تمامًا كأي شخص يعاني مرضًا مزمنًا مثل الضغط أو السكر، الذي يلزم أن ينتظم في علاجه لتستقر حالته، فإذا أهمل الدواء تدهورت الحالة.
س: متى تبدأ الأعراض في التحسن بعد تناول الدواء؟
ج: الأدوية النفسية بطيئة المفعول مقارنةً بغيرها. قد تتطلب مضادات الاكتئاب مثلًا أسبوعين ليشعر المريض بتحسن أعراضه، فيما ربما تتطلب مضادات الذهان نحو ثلاثة أسابيع للتحسن. على الطبيب أن يشرح للمريض دائمًا الخريطة الزمنية المقترَحة بمفعول الدواء.
س: هل الجلسات الكهربائية ضمن العلاج النفسي أيضًا؟
ج: مع الأسف، وقعت جلسات تنظيم إيقاع المخ ضحية تأثير الدعاية السلبية للدراما، التي دأبت على تقديمها كأنها عقاب لا علاج، ما يحرم كثيرين من فوائدها بسبب ذعرهم من تكرار المشاهد السينمائية التي نألفها.
الجلسات الكهربائية علاج مثالي لعدد من أعراض الاكتئاب النفسي الجسيم (خصوصًا المصاحب بأفكار أو محاولات انتحارية) والتهيج النفسي الشديد، وهي إحدى طرق علاج السيدات الحوامل، اللاتي يشكل الدواء خطرًا على حملهم. تجري الجلسات تحت تأثير التخدير فلا يشعر المريض بها، ولها نتائج ممتازة.
س: ما الأعراض الجانبية للدواء النفسي؟
ج: يُقال إن دواء دون أعراض جانبية، دواء دون فعالية. لكن الأعراض الجانبية للدواء النفسي جزء بالغ الأهمية. ويمكن القول إنه أحيانًا ما يقع الاختيار على دواء بعينه لا لتأثيره، بل لأن أعراضه الجانبية تناسب المريض. مثل «أولانزابين»، وهو دواء قوي التأثير في علاج الذهان، لكنه يسبب زيادة في الوزن ولا يتناسب مع مرضى السكر، بينما يعد دواء «أريبيبرازول» أضعف تأثيرًا في علاج المرض ذاته، لكنه يناسب مرضى السكر أكثر.
على الطبيب أن يُلمَّ بكل تفاصيل حياة مريضه قبل أن يكتب له الدواء. وهناك عوامل عديدة توضع في الاعتبار عند اختيار الدواء المناسب، مثل مهنة المريض وعدد ساعات عمله وحياته الأسرية.
هل يوصف الدواء لمريضة لم تتزوج من قبل، أم مريضة تخطط للحمل؟ كلها تفاصيل مهمة جدًّا، وواجب اختيار الدواء المناسب يقع بالكامل على الطبيب.
س: هل تناسب الأدوية النفسية أصحاب الأمراض المزمنة؟
ج: الأمراض المزمنة، مثل الضغط والسكر والقلب والكبد والكلى، عبء ثقيل على المريض النفسي، الذي يحتاج في هذه الحالة إلى أن يواظب على المتابعة مع طبيبه المختص، واستشارته دومًا في ما يتعلق بأدويته النفسية. وعليه أن يُطلع طبيبه النفسي على تطورات حالته الصحية ليقرر له الدواء المناسب. فكما أشرنا، بعض مضادات الذهان لا تصلح لمرضى السكر، وبعضها لا يصلح لمرضى الكبد.
س: هل هناك تحاليل لازِمة لمتابعة الأدوية النفسية؟
ج: أشهر الأدوية النفسية التي تحتاج إلى إجراء تحليل الدم «الكلوزابين»، الذي ينتمي إلى عائلة مضادات الذهان، لكنه يسبب حالة خطيرة من نقص كرات الدم البيضاء، لذلك يجب إجراء تحليل صورة دم كاملة كما يوصي الطبيب.
«الليثيوم» واحد من تلك الأدوية أيضًا، وهو من عائلة مثبتات المزاج. يحتاج الطبيب إلى متابعة نسبته في الدم باستمرار، لأن الفارق بين كونه فعالًا وسامًّا ضئيل للغاية ويتطلب مراقبة دقيقة. لذلك لا تنسَ سؤال طبيبك عن التحاليل اللازمة للمتابعة.
س: هل هناك تفاعلات بين الأدوية وبعضها؟
ج: دراسة فعالية الأدوية النفسية وتأثيرها في المستقبِلات العصبية يجعل من كتابة الروشتة الدوائية نوعًا من الفن، أو كما يُطلق عليها «The Art of Psychopharmacology». بإضافة دواء إلى آخر، قد تزيد فعالية الأول أو تمنع عرضًا جانبيًّا من الحدوث، وقد تحمي كتابة دواء ما المريض من تقليل فعالية بقية الأدوية. تَذكَّر دائمًا أن تسأل طبيبك عن سبب كتابة الأدوية والطريقة التي تتفاعل بها بعضها.