تمتد مسيرة «بيتر ليندبرغ» (Peter Lindbergh) المهنية، كأحد أهم محترفي التصوير الفوتوغرافي للموضة والأزياء، أو «فوتوغرافيا الموضة» (Fashion Photography)، إلى أربعين عامًا.
وحظي «ليندبرغ» بشهرة واسعة بسبب مجموعة من الصور التي التقطها لعارضات أزياء بالأبيض والأسود أوائل التسعينات؛ ضمت عددًا من الشابات اللاتي سيشكلن فيما بعد مفهومنا عن «السوبر موديل» (Supermodel)؛ مثل «كيت موس» (Kate Moss) و«ناعومي كامبل» (Naomi Campbell) و«ليندا إيفانجليستا» (Linda Evangelista).
كما التقط الرجل صورًا لعدد من ممثلات السينما؛ مثل «جوليان مور» (Julianne Moore) و«تشارلوت رامبلنج» (Charlotte Rampling)، ومجموعة من الموسيقيين؛ منهم «تينا ترنر» (Tina Turner)، والثنائي «دافت بنك» (Daft Punk)، بالإضافة إلى قضائه زمنًا طويلًا في مجالات الدعاية والإعلان والتصميم.
ويمكن القول باختصار إن «بيتر ليندبرغ» واحد من الشخصيات المركزية في قصة ظهور «السوبر موديل» وتطورها كما نعرفها اليوم، والتي ترتبط في أذهاننا بالجسد الأنثوي النموذجي، أو بكونها معيارًا متجسدًا للجمال.
لقد شكلت شخصيات مثل «سيندي كروفورد» (Cindy Crawford) و«كلوديا شيفر» (Claudia Schiffer) وغيرهن مفاهيمنا المعاصرة عن الجمال الأنثوي، وكلهن وقفن أمام عدسة ذلك المصور البارع في مناسبة أو أخرى.
قد يعجبك أيضًا: صورة «A Sister's Care»: كيف تكسر القواعد وتبني الجمالية؟
نهاية عصر «السوبر موديل»
لكن يبدو أن «ليندبرغ» غير راضٍ تمامًا عما آلت إليه «السوبر موديل» اليوم، وفقًا لمقابلة أجرتها معه شبكة (CNN) الأمريكية.
تلجأ صناعة الموضة إلى عملية معالجة رقمية (Retouching) لاحقة للتصوير الفوتوغرافي، تؤدي، في رأي «ليندبرغ»، إلى تنقيح وجه الموديل وجسدها من كل علامات الوجود الإنساني الواقعي، التي تدل على «ماضٍ» من أي نوع: «تتحول السوبر موديل الحديثة إلى امرأة لا ماضي لها؛ كأنها خرجت للتو إلى الوجود، أو هبطت إلينا من عالم مثالي للأنوثة المجردة».
وعلى النقيض من ذلك، يرفض الرجل معالجة صوره رقميًّا؛ ويشتهر لهذا السبب بأعماله التي تحمل في جمالها بعض الخشونة أحيانًا؛ مثل مجموعة صوره الشهيرة لـ«كيت موس»، ويرى أن صناعة الموضة أنتجت جمالًا معلبًا ومكررًا أدى إلى تشويه «السوبر موديل»، التي حاول هو إبرازها كامرأة واقعية.
يقول «ليندبرغ»، معلقًا على عارضات الأزياء اللاتي صوَّرهن في التسعينات: «كانت هاته النسوة ثورةً في البداية، كانت لديهن الشجاعة، وكان لديهن العقل. فقط ربطن شعورهن ووقفن أمام الكاميرا دون مساحيق، لكن سرعان ما أفسدت صناعتا الموضة والتجميل هذه الوجوه، التي فقدت بريقها وشبابها وأصبحت بالشكل نفسه الذي كانت عليه النساء دائمًا في المجلات».
النسوية والموضة: علاقة معقدة
كان «ليندبرغ» قد أثار بعض الجدل كذلك أواخر عام 2016، بعد الإعلان عن إصدار «تقويم بيريللي» (Pirelli Calendar) لعام 2017، وعليه مجموعة من الصور التقطها لعدد من الممثلات؛ مثل «أوما ثورمان» (Uma Thurman) و«نيكول كيدمان» (Nicole Kidman) و«بينلوبي كروز» (Penélope Cruz).
تنتج شركة «بيريللي» لإطارات السيارات ذلك التقويم لتوزيعه على عملائها المميزين وبعض الشخصيات السياسية، وعادة ما يكون مليئًا بصور «السوبر موديل» المنقَّحة لأغراض الدعاية الجذابة للشركة. لكن تقويم 2017، الذي أُسند تصويره إلى «ليندبرغ»، يمتلئ فقط بلقطات لممثلات تتراوح أعمارهن بين 28 و71 عامًا، بالأبيض والأسود، وفي ملابس بسيطة.
أثارت اختيارات «ليندبرغ» بعض الجدل، خصوصًا بعد تعليق «أوما ثورمان» على التقويم بقولها إنه «بيان نسوي، مركب، داعم للنساء».
اقرأ أيضًا: تقاطعات بين المثلية والنسوية
أما سبب الجدل فربما يعود إلى نظر النسويات عادةً بعين الشك إلى صناعتي الموضة والتجميل سيئتي السمعة. ورغم نزعة حديثة نسبيًّا ترى إمكانًا للتوافق بين الاثنين في شكل موضة نسوية، فإن كثيرًا من الآراء لا يزال معارضًا للصناعة بشدة، أو حتى رافضًا لفكرة «الجمال الأنثوي» ومعاييره بالكامل. وأدت السمعة السيئة التي حازتها الموضة، كمجال لتسليع المرأة، لعداء جِذري من قِبَل البعض للمجال بأكمله، لكن «ليندبرغ» يعتقد في احتمالات أخرى.
هل توجد بالفعل مساحة وسط بين احتفاء المرأة بجسدها، و«تسليعها» على الجانب الآخر؟
يؤمن الرجل بقدرة «فوتوغرافيا الموضة» مع «السوبر موديل» على حيازة الجمال الأنثوي مجددًا، كمساحة لتعبير النساء عن أنفسهن. وبدلًا من المعالجة الرقمية لصور النساء، وهي معالجة محمَّلة في رأي كثيرين بقيم ذكورية، يجب على الفوتوغرافيا أن تعيد اكتشاف الجمال الأنثوي الإنساني في كل أشكاله وتنوعاته.
وهكذا، عندما عاد «بيتر ليندبرغ» لتصوير عارضات الأزياء أنفسهن اللاتي صورهن أوائل التسعينات، ومعظمهن في العقد الخامس أو السادس من العمر، علَّق قائلًا: «من السُّخف أن نعتقد بعدم وجود نساء جميلات رغم تقدمهن بالسن».
لكن تظل العلاقة بين الموضة والأزياء والتجميل وقضايا النسوية وحقوق المرأة «متوترة» على أقل تقدير، فهل توجد بالفعل مساحة وسط بين احتفاء المرأة بجسدها، و«تسليعها» على الجانب الآخر؟ أم أن جميع قيم الجَمال هي، بصورة أو بأخرى، معايير ذكورية؟