تختلف احتياجات المرأة عن احتياجات الرجل في بعض الأمور، من أهمها احتياجاتها في فترة الحيض، من رعاية وضرورة الحصول على الفوط الصحية وغيرها. هذا ما جعل الناشطين في حقوق المرأة ينظرون إلى مسألة الدورة الشهرية بمنظور له أهمية خاصة.
يتجلى هذا في ما يتعلق بـ«ضريبة التامبون»، وهي ضريبة القيمة المضافة على منتجات وأدوات النظافة الشخصية النسائية التي تستخدم خلال فترة الحيض، الأمر الذي ناقشته «كارين زريك» في مقالها المنشور على جريدة النيويورك تايمز.
تذكر كارين أن متوسط عدد الأيام التي تقضيها المرأة في الدورة الشهرية حتى وصولها سن التاسعة والثلاثين هو 2535 يومًا من حياتها، أي ما يقارب سبع سنوات تقضيها في التأكد من وجود الفوط الصحية والسدادات القطنية، ومحاولة العثور على أي وسيلة أخرى في حال عدم وجودها. بالإضافة إلى ذلك، تتحمل المرأة الآلام وتحاول العثور على الراحة.
يوضح المقال أن النساء والمتحولات جنسيًا والجنس الثالث (من لديهم أكثر من جنس، أو دون جنس)، الذين يحظون بدورتهن الشهرية، أصبحن مؤخرًا يتحدثن عن المسألة في الأماكن العامة أكثر من أي وقت مضى، وهناك منتجات وخدمات جديدة في السوق من كؤوس سائل الحيض، والملابس الداخلية التي تستخدم خلال فترة الحيض، والقنب الطبي، وهو نوع من الحشيش يجب التصريح به من قبل الأطباء، بالإضافة إلى المدربين الذين يساعدون النساء على التثقيف والتعامل مع دورتهن الشهرية بالشكل الصحيح.
مفهوم إنصاف الدورة الشهرية
على الصعيد العالمي، مارس الناشطون في حقوق المرأة ضغطًا للاعتراف بحق المرأة في التعامل مع دورتها الشهرية بطريقة تتسم بالكرامة. وأبرز الناشطون في الولايات المتحدة الأمريكية مفهوم «إنصاف الدورة الشهرية» للمناقشة العامة في أوساط الجمهور.
أشارت كارين زريك في مقالها إلى مفهوم إنصاف الدورة الشهرية، ويُقصد به «التكافؤ وإمكانية الحصول على ما تحتاجه المرأة خلال دورتها الشهرية»، بالإضافة إلى تكافؤ فرص الحصول على منتجات وأدوات النظافة الصحية، والثتقيف في مجال الصحة الإنجابية. هذا المفهوم يهدف إلى إحداث مجموعة من القوانين والسياسات الجديدة من أجل توفير المنتجات والأدوات الصحية للمرأة في السجون، والملاجئ، والمدارس.
يدعو الناشطون في أمريكا إلى إعفاء المنتجات والأدوات الصحية للمرأة من ضريبة المبيعات، كونها تعتبر من الضروريات. وتتساءل كاتبة المقال: «لماذا تُفرض الضريبة على السدادات القطنية دون فرضها على الفياجرا؟».
تذكر كارين عددًا من التغطيات الإعلامية والأحداث البارزة التي سرعت عملية التحول في القضية، وإبراز هذه المسألة وجعلها ذات أهمية. منها ما حدث في ماراثون لندن عام 2015، حين شاركت «كيران غاندي»، الفنانة والناشطة المعروفة بلقب السيدة غاندي، في السباق خلال دورتها الشهرية دون وضع فوطة صحية، لتظهر الدماء بين فخذيها. وبالإضافة إلى هذا الحدث، كان هناك رد فعل عنيف تجاه برنامج إنستغرام عندما حذف صورة لامرأة مستلقية على فراشها ملطخة بدم الحيض.
وأعلنت إحدى عضوات مجلس العموم البريطاني عن كونها في فترة الحيض، وذلك للتعبير عن مفهوم بؤس فترة الدورة الشهرية، الذي يُقصد به «عدم إمكانية الحصول على ما تحتاجه المرأة من المنتجات والأدوات الصحية خلال دورتها الشهرية بسبب القيود المالية».
دخل أحد أعضاء الكونغرس في نيويورك في خلاف مع مسؤولي مجلس النواب، حول ما إذا كان في مقدرته إنفاق ما يبلغ 37.16 دولار أمريكي على أدوات النظافة الشخصية الخاصة بالمرأة، والتي تستخدم في فترة الحيض، لموظفيه وزواره.
الدعوة إلى التكافؤ: ما تحتاجه المرأة من المنتجات
تذكر كارين زريك أن الدعوة إلى التكافؤ أدت إلى فرض القوانين في بعض الولايات الأمريكية، من حيث إمكانية الحصول على ما تحتاجه المرأة من منتجات وأدوات النظافة الصحية لدورتها الشهرية في المؤسسات والمرافق الإصلاحية، والملاجئ، والمدارس.
لنواب الحزب الديمقراطي في نيويورك جهود في تقديم بعض مشاريع القوانين المتعلقة بهذه القضية.
إضافة إلى هذا، أسهمت الدعوة في بذل الجهود لتشريع القوانين، وتشير كارين إلى مشروعات قوانين مطروحة في مجلس الشيوخ تتعلق بإصلاح السجون، ينص أحدها (وهو المدعوم من البيت الأبيض)، على أن تشمل المرافق الحصول على منتجات وأدوات نظافة الدورة الشهرية، بعد الشكاوى من عدم توافرها بالشكل الكافي. بالإضافة إلى الأمر الصادر من وزارة العدل، في 2018، للسجون الفيدرالية بتزويد المساجين بهذه المنتجات والأدوات «بشكل مجاني».
لنواب الحزب الديمقراطي في نيويورك جهود في تقديم بعض مشاريع القوانين المتعلقة بهذه القضية، وقد قدم النائبة «غريس مينغ» مشروعين في هذا الصدد، يهدفان إلى توفير كل ما تحتاجه المرأة خلال فترة دورتها الشهرية بأقل تكلفة، ومن ذلك السماح للموظفين باستخدام حسابات الإنفاق المرن في شراء الفوط الصحية والسدادات القطنية (وهو أحد الحسابات المالية الذي توضع فيه أموال تستخدم لدفع تكاليف رعاية صحية معينة، والذي يكون، وفقًا للقانون، معفيًا من الضريبة)، وإلزام الشركات التي لديها أكثر من 100 موظف بتوفيرها، وإلزام الشركات المصنعة بالكشف عن مكونات هذه المنتجات.
«إن الاهتمام بهذه القضية يزداد كل يوم»، هكذا تقول مينغ، وتضيف: «إنه حقًا يتعلق بهدف التكافؤ وإمكانية التوافر».
الضغط من أجل إلغاء ضريبة التامبون
بسبب الضغط الذي نفذه مناصرو القضية، توضح كارين زريك أن عددًا من الولايات، منها نيويورك وإلينوي وفلوريدا وكونيتيكت، ألغت ضريبة المبيعات على منتجات وأدوات الدورة الشهرية، مما أدى لتقديم المشرعين في 24 ولاية أخرى مشاريع قانون لإلغاء الضريبة.
تقول «جينيفر ويس وولف»، مؤلفة كتاب «علانية الحيض»، إن «مسألة الإنصاف والصحة المتعلقة بالحيض ستكون أمرًا بارزًا وقضية رأي عام، ليس لكونها قضية ملهمة فحسب، بل لأنها مؤثرة».
هناك جهود مماثلة تجري في أنحاء العالم، بما في ذلك بريطانيا، حيث انخرطت حملة «إلغاء الضريبة» في النقاش حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقدمت «لورا كوريتون»، وهي ناشطة بريطانية شابة، عريضة أطلقت عليها اسم «أوقفوا فرض ضرائب الدورة الشهرية»، وجمعت في عام 2014 أكثر من 300 ألف توقيع.
لكن المشرعين لم يتمكنوا من إلغاء الضريبة بسبب قوانين الاتحاد الأوروبي، وهو ما صار عاملًا من العوامل المحفزة لحملة المؤيدين لخروج بريطانيا، وتعهد المشرعون بإلغاء الضريبة بمجرد اكتمال الخروج من الاتحاد الأوروبي. حتى ذلك الحين، تضاف ضرائب هذه المنتجات والأدوات، إل صندوق مالي خاص بصحة المرأة.
التحرك القوي في أنحاء العالم
لهذه المسألة تحرك قوي في أنحاء العالم، بحسب ما تقول كارين زيريك، إذ اتخذت بعض الدول إجراءات لصالح القضية. «تتنامى الدعوة إلى مسألة صحة المرأة في فترة الحيض بشكل كبير»، مثلما توضح الدكتورة «جوليتا أونابانغو»، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في شرق وجنوب إفريقيا.
ومن هذه التحركات أن استضافت الندوة الإقليمية الأولى في هذه المسألة قادة من الحكومات المحلية والقطاعات غير الربحية. بالإضافة إلى إلغاء كينيا وأوغندا ضريبة المبيعات على المنتجات والأدوات الصحية للدورة الشهرية، في حين دعمت زيمبابوي المصنعين المحليين ماليًا، ووفرت الحكومة الكينية التمويل للفوط الصحية في المدارس.
لكن الدكتورة أونابانغو تنبه إلى أن تسهيل الحصول على هذه المنتجات شيء من عدة أشياء، إذ إن المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي والثقافة والعلاج الطبي والفقر، كلها أمور مهمة يجب أخذها في الاعتبار.
يشير التقرير الذي نشره صندوق الأمم المتحدة حديثًا إلى وجود دليل قوي على أن الفتيات أكثر عرضة للتغيب عن المدرسة أو تركها، إذا لم يكن بمقدورهن التعامل مع دورتهن الشهرية، وأحيانًا يكون راجعًا إلى المضايقة التي يسببها الحيض. بالتالي، تؤكد أونابانغو أنه يجب على الفتيات والنساء في جميع أنحاء العالم أن يواجهن وصمة العار والخزي والعزلة الاجتماعية.
الأمر الأكثر إثارة للقلق، من وجهو نظر كاتبة المقال، أن الدراسات التي أُجريت في كينيا قد أظهرت أن الفتيات الفقيرات يلجأن إلى الإتجار بالجنس من أجل شراء الفوط الصحية، مما يجعلهن عرضة للأمراض الجنسية.
تقول الدكتورة أونابانغو: «نريد حقًا أن نضمن تحقيق تقدم في هذا الأمر، بالنظر إليها إلى أنها مسألة تتعلق بالحقوق والصحة الجنسية والإنجابية».
هل يمكن للابتكار التقني أن يحل مشكلة الدورة الشهرية؟
توضح كارين زريك تفاؤلها بأن المنتجات والخدمات الجديدة في عصرنا ستكون واعدة في جعل الدورة الشهرية أقل عبئًا ومشقة، بدءًا بالتطبيقات الخاصة بتتبع الدورة الشهرية، والتدريبات التي تقدم عن التغذية والرعاية الذاتية، إلى منتجات مثل الفوط الصحية الصديقة للبيئة والقابلة لإعادة الاستخدام، والملابس الداخلية الماصة، وكؤوس سائل الحيض.
أعلن منتجو البرنامج الشهير «كلو»، الذي يساعد على تتبع حالة الدورة الشهرية، أن هناك 2.5 مليون مستخدم للبرنامج في 180 دولة، بالإضافة إلى نشر بيانات مجهولة المصدر مع الباحثين في صحة المرأة في أفضل الجامعات.
غير ذلك، فقد عمل مطورو المنتجات على جيل جديد من جهاز التحفيز الكهربائي (يعالج ويخفف آلام النساء من تشنجات الحيض المؤلمة)، والذي يُطلق عليه «زر إيقاف ألم الحيض»، وكانت الأرباح 1.7 مليون دولار.
وهناك قدر أكبر من الاهتمام بالدور الذي يمكن أن يلعبه النظام الغذائي والتمارين الرياضية في فترة الدورة الشهرية. وقد اقترح عديد من المدربين العلاج بالوخز بالإبر والأعشاب الطبية، بالإضافة إلى التأمل والتدليك.
تقول «إريكا شيدي كوهين»، المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لمؤسسة «Loom»، مركز الصحة الإنجابية في لوس أنجلوس، والذي أطلق مؤخرًا برنامج التدريب عن الدورة الشهرية: «ما أفعله هو مساعدة النساء على أن يكن أكثر معرفة بكيفية عمل أجسادهن».
يعمل ذلك البرنامج على إدراك التغيرات الهرمونية التي تحصل على مدار الشهر، وكيف يمكن أن تنحسر طاقة الفرد وتتدفق عند نقاط مختلفة. وقد خطط بعض من عملائها لعدد من الأحداث، مثل رحلات العمل بناءً على دوراتهن. تضيف إريكا: «يمكن أن يكون هذا أمرًا إيجابيًا للغاية إذا علمنا بما يحدث لأجسادنا، وتعلمنا خلاله».