بعد تكرار محاولة سهى العكليك (33 عامًا) من مدينة نابلس، لإنجاب طفل عبر النُّطَف المهربة من زوجها الأسير قاسم العكليك (34 عامًا)، المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ 2004، ويقضي حكمًا بالسجن لمدة 17 عامًا، رُزقت بسفيري الحرية «هاجر وعبود» في 18 يوليو 2017. و«سفير الحرية» لفظ يطلقه الفلسطينيون على الطفل الذي يجري إنجابه بواسطة النُّطَف المهربة.
تسرد سهى بداية حلمها الذي تحقق، قائلة لـ«منشور»: «قبل اعتقال زوجي قاسم في الثالث من أغسطس 2004، بشهرين تقريبًا، رُزِقت بتوأم: دلال ودعاء (14 عامًا). لكنني شعرت بأن العمر يمضي بسرعة، والفترة التي يقضيها زوجي في المعتقل طويلة، ففكرت جديًّا في الإنجاب مرة أخرى، عن طريق النُّطَف المهربة التي شهدت نجاحًا ملحوظًا لزوجات عدد من الأسرى».
تضيف سهى: «في إحدى زياراتي لزوجي، اقترحت عليه الإنجاب بواسطة النطف المهربة، فأبدى موافقته وسعادته البالغة، ليبدأ الموضوع بفكرة وينتهي بحقيقة، وقد اتفقنا على تحديد اليوم الذي سنهرِّب فيه نطفة زوجي، وذلك بعد أرشدَنا أحد المراكز المختصة في التخصيب، بكيفية إحضار النطفة وطريقة استلامها وموعد اجراء عملية التلقيح الاصطناعي، إذ أعلمني الطبيب الذي سيجري العملية ببعض الشروط الواجب الالتزام بها، لضمان سلامة النطفة وبقائها إلى حين إجراء العملية».
وعن وقت إجراء العملية، تؤكد سهى أن «الحلم بات حقيقة بعد أن جهزنا العينة لإجراء العملية. كنت أنتظر بشغف على سرير المستشفى وقت إجراء عملية التخصيب، وهل سيُكتب لها النجاح أم ستفشل بعد كل هذه المعاناة؟ بعد الانتهاء من العملية، أفادني الطبيب بأن النتائج ستظهر خلال ثمانية أسابيع، وأوصاني بالتزام الراحة لفترة، وتناول الأدوية اللازمة».
محاولة جادة لتهريب النُّطف
توضح سهى: «لكن يبدو أن الأمل أصبح بعيدًا نوعًا ما. فبعد أن انتهت الأسابيع الثمانية، وتوجهت إلى الطبيب الذي أكد لي بعد الفحص والمعاينة فشل العملية، أصابني حزن شديد لدرجة أنني أيقنت أن حياتي انتهت منذ هذه اللحظة، وبقيت بضعة أيام لا أتناول أي طعام أو شراب، ولولا دعم الأسرة لي لما فكرت في إعادة التجربة. تمنيت وقتها بأن يرزقني الله مولودًا جديدًا. كنت أتمنى أن يكون ذكرًا ليحمل اسم والده، ويكون عونًا له بعد خروجه من المعتقل».
«بعد عدة أشهر من تجربة الإنجاب بالتخصيب التي باءت بالفشل، قررنا أنا وزوجي إعادة التجربة. جهزنا أنبوبًا بلاستيكيًّا مُعدًّا في أحد المختبرات لوضع النطفة المهربة، بهدف تسليمها إلى زوجي في إحدى الزيارات، كي يسلم لي العينة بدوره عن طريق أحد حراس السجن، داخل كيس بلاستيكي أسود، بعد انتهاء الزيارة».
«بعد انتهاء الزيارة، توجه نحوي شخص ذو بشرة سوداء يرتدي زيًّا عسكريًّا. سلَّمني النطفة المهربة. فور عودتي من المعتقل أودعت النطفة مركز التخصيب للاحتفاظ بها حتى يحين موعد إجراء عملية التلقيح. وذلك بعد التأكد من كتابة اسم زوجي وتاريخ تسليم العينة على الأنبوب، حسب الشروط التي يفرضها المركز، للتأكد من مصدر النطفة المهربة وسلامتها».
تقول سهى: «بعد إجراء العملية، أعلمني الطبيب المختص، بضرورة الالتزام بالتعليمات التي ذكرها سابقًا خلال التجربة الأولى، لكي يتوفر النجاح للعملية هذه المرة».
«انتابني القلق والتوتر خوفًا من فشل العملية، إلى أن أخبرني الطبيب بأن التخصيب نجح. حينها لم أدرِ ماذا أفعل من شدة فرحي. تهافت جميع أفراد عائلتينا أنا وزوجي عليَّ لتقديم التهاني، وذلك بعد أن تأكد خبر نجاح العملية».
تضيف سهى: «ظللت أنتظر انقضاء فترة الحمل حتى أتى اليوم الموعود. في أثناء شعوري بآلام المخاض، توجهت برفقة العائلة إلى المستشفى العربي في نابلس بهدف تحضيري للعملية القيصرية. بعد الولادة بدقائق، أفقت من التخدير، فرأيت جميع أفراد العائلة بجانبي، والزغاريد تملأ غرفتي وجميع الأروقة. طلبت على الفور رؤية طفليَّ التوأم ووضعهما بجانبي على السرير. وتيمنًا باسمَي والدَي زوجي، سميتهما هاجر وعبود، والآن يقضيان عامهما الأول بعيدًا عن والدهما المعتقل منذ 14 عامًا».
النجاح الأول
أول عملية ناجحة لتهريب النطف من داخل السجون الإسرائيلية جرت للأسير عمار الزبن، الذي يقضي عقوبة السجن 27 مؤبدًا. اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1998، بتهمة مشاركته في عدد من العمليات الفدائية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. رُزِق بمولوده الأول مهند في 2012. وخلال محاولة أخرى لتهريب النطف، أنجبت زوجة الأسير الزبن مولودها الثاني صلاح الدين في 2014، ليكون الطفل الثاني في العائلة الذي يولد بواسطة النطف المهربة.
عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى، يقول إن «بداية محاولات تهريب نطف الأسرى من السجون الإسرائيلية، كانت في التسعينيات. لكن لم يُكتَب لها النجاح في تلك الفترة، وبدأت الفكرة تتبلور بين مجموعة صغيرة من الأسرى من ذوي الأحكام العالية في ذلك الحين. كانت محاولات خجولة في ما بينهم. وبعد نجاح الأسير عمار الزبن عام 2012، في تهريب نطفة، وإنجاب طفله الأول، فكر الأسرى في تهريب النطف إلى زوجاتهم، وتكوين عائلة من خلف القضبان».
يشير فروانة إلى أن «عدد الأطفال الذين جرى إنجابهم بواسطة النطف المهربة من داخل السجون، بلغ 65 طفلًا، بعد نجاح 51 أسيرًا فلسطينيًّا في تهريب النطف إلى زوجاتهم. وبذلك استطاع الأسرى تسجيل انتصارات جديدة على السجان الإسرائيلي، رغم القيود المفروضة عليهم».
يضيف فراونة أن الأسرى الفلسطينيين يوجهون من خلال تهريبهم النطف رسائل للمحتل الإسرائيلي بأن الحياة مستمرة، وأنهم لا يزالون يتمسكون بالأمل، وأن الأحكام التي صدرت بحقهم لن تكون نهاية المطاف، ولن تقف عائقًا أمام تحقيق مزيد من الانتصارات على السجون الإسرائيلية».
يؤكد فروانة أن «السلطات الإسرائيلية تعمد إلى فرض إجراءات عقابية صارمة على الأسرى الذين يثبت تهريبهم النطف، وتُمنع عائلاتهم وأطفالهم من زيارتهم، ويجري إجبارهم على دفع غرامات مالية باهظة، بهدف تفتيت العلاقات الأسرية، في محاولة منهم لحرمان مئات الأسرى الفلسطينيين من الإنجاب».
اقرأ أيضًا: كيف يحاكم قضاء إسرائيل الأطفال الفلسطينيين؟
تهديد إسرائيلي
في المقابل، تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي حرمان الأسرى الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة، مثل إنجاب الأطفال، وبخاصة الأسرى الذين صدر ضدهم أحكام بالمؤبد. إذ علقت الناطقة باسم مصلحة السجون الإسرائيلية، «سيفان فايتسمان»، قائلة إن «إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية على علم بتهريب النطف من جانب الأسرى، ومحاولاتهم»، مشددة على أنهم «سيضعون حدًّا لهذه الظاهرة. إذ تشكلت لجنة تحقيق، وبحسب النتائج ستصدر التعليمات الجديدة التي تحد من أدوات تهريب الحيوانات المنوية».
أضافت فايتسمان أن «إدارة مصلحة السجون اكتشفت وسائل تهريب الحيوانات المنوية»، موضحة أن لجنة التحقيق الجديدة أصدرت تعليمات لن تُعرَض في الإعلام، لأنه في حال كشفها سيحاول الأسري الفلسطينيون الالتفاف عليها».
لمعاقبة كل أسير فلسطيني ينجح في تهريب نطفة من داخل أحد السجون، عمدت السلطات الإسرائيلية إلى عدم الاعتراف بشهادات ميلاد هؤلاء الأطفال، وبقية الأوراق الثبوتية. ومنعتهم من زيارة آبائهم في المعتقلات، للضغط على الأسرى الفلسطينيين، وإجبارهم على عدم تهريب مزيد من النطف إلى زوجاتهم.
مضى الأسرى قدمًا في محاولات تهريب النطف خاصة بعد صدور عدة فتاوى شرعية تحلل ذلك.
كان لزوجات الأسرى وأطفالهن نصيب من عقاب الاحتلال. فقد منعت السلطات الإسرائيلية زوجة الأسير عبد الكريم الريماوي، وطفلها مجد الذي جرى إنجابه بواسطة نطفة مهرَّبة، في أثناء زيارته في سجن نفحة الصحراوي قبل عدة سنوات، وذلك بسبب تهريبه نطفة من المعتقل. ويقضي الريماوي حكمًا بالسجن لمدة 25 عامًا.
وفق شؤون الأسرى، يبلغ عدد الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ستة آلاف أسير، من بينهم 54 أسيرة فلسطينية، و430 أسيرًا يواجهون الاعتقال الإداري، والذين لم تصدر السلطات الإسرائيلية أي لائحة اتهام بحقهم، ولم يُقَدَّموا للمحاكمات العسكرية. فيما يقضي 550 أسيرًا أحكامًا بالسجن المؤبد.
مضى الأسرى الفلسطينيون قدمًا في محاولات تهريب النطف، وبخاصة بعد صدور عدة فتاوى شرعية تحلل ذلك. إذ أجاز الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، والراحل الشيخ حامد البيتاوي، رئيس «رابطة علماء فلسطين»، لزوجات الأسرى الحمل بواسطة نُطَف أزواجهن المهرَّبة من المعتقلات الإسرائيلية.
ربما لا يكون إيقاف تهريب النطف نهاية المطاف، ولن يشكل عائقًا أمام تحقيق آمال الأسرى الفلسطينيين وطموحاتهم لتكوين عائلات. بل قد يكون دافعًا للبحث عن طرق وأساليب جديدة، لينقلوها إلى غيرهم من المعتقلين، رغم العقوبات والضغوط الإسرائيلية.