«عندما تخفف آلام غيرك، فإنك تنسى ألمك الشخصي». ربما تعجبنا هذه المقولة المنسوبة إلى أبراهام لينكولن، لكننا نعتقد في الآن نفسه أن الفرحة المرتبطة بمساعدة الآخرين تكون لحظية وعابرة في الأغلب، ثم سُرعان ما تختفي وينطفئ وهجها.
لكن مجموعة من الباحثين في جامعة كولومبيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في أمريكا وجدوا أن تفريج هموم الآخرين وسيلة فعالة لمساعدة الإنسان نفسه كذلك، إذ يعينك تقديم الحلول لمشكلات الآخرين على تقليل حدة أعراض الاكتئاب عندك ويزيدك سعادةً، ويمكن تحقيق ذلك بطرق سهلة، منها تطبيقات الهاتف المحمول التي تتيح الفرصة لعرض المشكلات وطرح الحلول، وهذا ما يرصده مقال على موقع «Medium».
تطبيق على هاتفك لعلاج الاكتئاب
ابتكر كاتب المقال تطبيقًا أسماه «Koko» للتغلب على نوبة اكتئاب أصابته. يعمل التطبيق على توفير وسيلة سهلة الاستخدام للحصول على مشورة نفسية ومشاركة الخبرات، ويساعد مستخدميه في تحقيق درجة من المرونة العاطفية لتجاوز الأزمات، إذ يشرح المستخدم مشكلته والأفكار السلبية التي تؤرقه، فيعرض المستخدمون الآخرون حلولًا لها، وكل هذا في سرية تامة.
كان الكاتب يعاني توترًا شديدًا في أثناء إعداده لمناقشة رسالته الجامعية، حتى أن يديه كانتا ترتعشان بصورة ملحوظة، وحين عرض مشكلته على التطبيق جاءته رسائل تشجيع واقعية أعطته طاقة إيجابية، يذكر منها ردًّا قال صاحبه إنه مرَّ بنفس الموقف ويعلم صعوبته، ثم أضاف: «خوفك وسيلة يستخدمها جسمك لتحفيزك، وإذا لاحظ أحدهم توترك، ربما يعتقد أنه دليل على شعورك بالمسؤولية واهتمامك الجدي بعملك».
اقرأ أيضًا: كيف تجبرنا «التنمية البشرية» على السعادة؟
لا تعرض مشاكلك على فيسبوك وتويتر
يتجاهل الناس المشكلات على مواقع التواصل الاجتماعي عادةً، أو يسخرون منها أو حتى يستغلونها.
مساعدة الآخرين وسيلة لمساعدة النفس، هذه هي الرسالة المهمة التي يجب على وسائل التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار أن تستفيد منها.
يبحث ملايين الناس يوميًّا عن المساعدة، فكلمات مثل «الاكتئاب» و«الإحباط» تتردد كثيرًا على إنستغرام وتويتر وفيسبوك وغيرها. يبحث الناس عن مساحة لإلقاء همومهم، ومعظمهم لا يستخدم تطبيقات الصحة النفسية ولا يلتحق ببرامج علاجية، بل يكتفي بالصراخ على منصات التواصل الاجتماعي يوميًّا، بحثًا عن أي دعم نفسي.
لكن تلك المنصات ليست مصممة لهذا الغرض، لذا يتجاهل الناس عادةً ما يُطرح عليها من مشكلات، أو يسخرون منها، بل يستغلونها أحيانًا لأغراض سيئة. وحتى لو وجد الأشخاص المحتاجون دعمًا، فإنه يكون عشوائيًّا وغير ذي جدوى على المدى الطويل.
قد يهمك أيضًا: كيف يمكن للإنترنت أن يُحدث ثورة حقيقية في حياتنا؟
تقدم بعض المواقع مثل فيسبوك روابط لخدمات قد تمكِّن مستخدميها من حل أزماتهم أو تدفعهم إلى التواصل مع الأصدقاء، غير أن هذه المواقع لن تنجح دائمًا في تقديم المساعدة المناسبة لشخص مكتئب، بل يحتاج المكتئبون إلى تطبيق واضح لمساعدتهم.
يوضح كاتب المقال أن كمية الاحتياج إلى مساعدة شخصية تتخطى المساعدة المعروضة دومًا، وهناك حاجة ماسَّة إلى هذا النوع من العون، وهذا يتطلب تمكين الناس من مساعدة بعضهم بعضًا.
مساعدة الآخرين تجعل تفكيرك تفاؤليًّا
يحكي كاتب المقال أنه كان يطمح في تقديم تطبيق يعتبره من يحتاجون المساعدة ملاذًا لهم، ولم يفكر في تأثيره على من يقدمون النصيحة، إلى حدِّ أنه ظنَّ في البداية أن عليه أن يدفع للمستخدمين كي يحثهم على مساعدة غيرهم، لكنه فوجئ بحجم إقبال الناس على تقديم العون للآخرين فور تشغيل تطبيق «Koko» عام 2012، فخلال ستة أشهر تبادل المستخدمون 26 مليون رسالة، وهو ما يعكس تعطش الجمهور إلى هذا النوع من الخدمات.
هؤلاء الذين يقدمون المشورة يَجبُرون كسرًا في داخلهم عندما يمسحون دموع غيرهم.
كانت إحدى الفتيات تعاني اكتئابًا شديدًا جعلها تعتزل الحياة الاجتماعية، لكن عندما بدأت تستعمل التطبيق، قدمت لغيرها نصائح مُفعمة بالأمل وجميلة الصياغة، وهو ما أثار دهشة الكاتب، وجعله يلاحظ أن الأشخاص الذين يساعدون غيرهم يعالجون أنفسهم من أعراض الاكتئاب، لكن ما تفسير ذلك؟
يبدو أن مساعدة الآخرين في إعادة فهم تجاربهم لها أثر علاجي، إذ يؤدي هذا السلوك إلى تعزيز مَلَكَة عقلية معينة تساعد المرء في إعادة تقييم تجاربه الشخصية، فيرى الجانب المشرق منها. وبالمداومة على مساعدة الآخرين في التفكير على نحو متفائل، يصبح هذا الأسلوب في التفكير طبيعيًّا بالنسبة إلى الشخص الذي يقدم المساعدة نفسه.
يذكرنا هذا التطبيق وغيره من البرامج التي تقدم خدمات مماثلة بأن كل مشكلة ستجد حتمًا أذنًا مُصغية، وكل شخص يعاني هَمًّا سيجد كتفًا حنونًا للبكاء عليه، ليس فقط لأن الخير يغلب على طبيعة البشر، ولكن لأن هؤلاء الذين يقدمون المشورة يَجبُرون كسرًا في داخلهم عندما يمسحون دموع غيرهم، ربما دون أن يشعروا بذلك.