انفجار في العراق، غارات في سوريا، اختطاف في ليبيا، هجوم مسلح في سيناء، خليط من الكوارث المفجعة يداهمنا تحت عنوان «نشرة الأخبار»، وحتى النشرة الرياضية ربما تطاردك فيها أنباء إصابة لاعبك المفضل، فنجد أنفسنا محاصرين في دوامة أقل ما توصف به أنها أكبر مصدر متجدد للطاقة السلبية.
متابعة أخبار حوادث العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد تسبب مرض اضطراب ما بعد الصدمة.
ويعرف معدو البرامج الإخبارية كيفية جذب المشاهد، فكما كان بائع الصحف قديمًا يجذب قراءه بعبارة «اقرا الحادثة»، نجد إعلانات البرامج الإخبارية تركز على أكثر القضايا سخونة مصحوبة بالمشاهد اللافتة، حتى إن كان فيها بعض الدموية والعنف.
قد يعجبك أيضًا: نظرة إلى جذور العنف في منازلنا ومجتمعاتنا
وهو ما أكده تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن قضية الآثار السلبية الناتجة عن متابعة أخبار العنف والقتل من مختلف أنحاء العالم، سواءً عبر شاشات التليفزيون أو المواقع الإخبارية وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يركز معدو التقارير الصحفية والتليفزيونية على مقاطع الفيديو والصور والرسوم التوضيحية، المتداولة عبر حسابات شهود عيان لتلك الوقائع المؤلمة.
الأخبار والصدمة النفسية
وأثبت فريق من باحثي جامعة «برادفورد» البريطانية أن مشاهدة صور أخبار حوادث العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن تسبب أعراض ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة النفسية (Post Traumatic Stress Disorder أو PTSD)، وهو رد فعل عاطفي ناتج عن حادث أليم، يستمر مع الإنسان ويؤثر بشكل كبير على حياته، حسبما أعلن الباحثون في مؤتمر بريطاني للصحة النفسية عُقِد العام الماضي.
وأحد أبرز الأمثلة على اضطراب ما بعد الصدمة هو حادث تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة، إذ إنه من الوارد عند مشاهدة أي مسيحي أنباء وصور هذا التفجير أن يضع نفسه مكان أولئك الضحايا، ويتخيل نفسه يرقد إلى جوراهم؛ ما قد يسفر في النهاية عن شعور بالصدمة النفسية لا يقل أبدًا عن صدمة من أصيبوا بالفعل في الحادث.
قبل 25 يناير كانت حادثة قتل واحدة تؤثر على المصريين أيامًا، لكن تكرار الحوادث اختزل التأثر إلى مجرد الترحم على الشهداء، ثم تناسي أمرهم.
وخرج الباحثون بتلك النتائج بعد تجربة اشترك فيها 189 مواطنًا أمريكيًّا، عُرضت خلالها عليهم صور وتقارير عن أحداث عنف، منها هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهجمات مسلحة على مدارس، وتفجيرات انتحارية، وتبين أن 22% من المشاركين في التجربة تأثروا بما شاهدوه، كما أظهرت الدراسة أن التأثير السلبي لتلك المشاهد يزيد بزيادة تتابعها، والعكس بالعكس، لكن الغريب أن من يصفون أنفسهم بأنهم شخصيات اجتماعية كانوا أصحاب النصيب الأكبر من التأثر بتلك الصور المزعجة.
علاقة الأخبار بالتبلد العاطفي
«أنيتا جاديا سميث» (Anita L. Gadhia-Smith)، الطبيبة النفسية الأمريكية، أوضحت أنه رغم اختلاف تأثير أنباء القتل والعنف من شخص لآخر بحسب طبيعة الشخص ذاته، فإن متابعة مثل هذه الأخبار لحظة بلحظة وانتشارها على نطاق عالمي ربما يؤدي إلى خلق حالة من الجمود العاطفي لدى المتابعين.
يمكن تقليل مشاعر القلق الناتجة عن الأخبار السيئة بتخصيص وقت محدد لها.
هذا التغيير لاحظه المصريون والعرب عامة على سلوكهم؛ فقبل أحداث 25 يناير، ربما كانت حادثة قتل واحدة تؤثر على مزاج المصري أيامًا، إلا أن تكرار الحوادث الإرهابية واعتيادنا مشهد الجثث والأشلاء أدى إلى اختزال تأثرنا بهذه الأنباء إلى مجرد الترحم على الشهداء، ثم تناسي أمرهم بعدها بوقت قصير.
اقرأ أيضًا: ما الذي يحدد تعاطف العرب السياسي؟
وأيدت «سميث» تلك النظرية؛ إذ ترى أن متابعة مشاهد إطلاق النار والهجمات الإرهابية تخلق حالة من القلق في نفوس المشاهدين، ما تلبث أن تفرز إحساسًا بالضعف والعجز لديهم. ورغم أن التسلسل الطبيعي لتلك الحالة أن يصبح تكرار الوقائع ناقوس خطر من وقوع تلك الأحداث للشخص، فإنها ربما تتسبب أيضًا في إصابة المشاهد بالتبلد مع الاعتياد.
ما العمل إذًا؟
1. خصص وقتًا للـ«نكد»
علينا الاعتراف بأهمية متابعة آخر المستجدات والأخبار، لكن في الوقت ذاته يمكن تقليل مشاعر القلق الناتجة عنها بتخصيص وقت محدد لتلك الأخبار الكئيبة. بمعنى أنه يمكنك مطالعة تحديثات الصفحة الرئيسية على «تويتر» في أثناء تناولك قهوة الصباح فقط، ولا تترك نفسك فريسة لمتابعة الأخبار من الراديو وأنت في طريقك إلى العمل، مع الأخذ في الاعتبار أهمية تقليل الوقت المهدر على مواقع التواصل الاجتماعي عمومًا، حسبما ترى «آن ماري ألبانو» (Anne Marie Albano)، اختصاصية علم النفس الإكلينيكي ومديرة مستشفى جامعة كولومبيا لعلاج القلق واضطراباته.
ربما يهمك أيضًا: خبير سابق في غوغل يرصد هوسنا بوسائل التواصل الاجتماعي
2. تنفس بعمق وأغمض عينيك
أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي دليلًا للتعامل مع القلق المرضي الناتج عن ظاهرة الإرهاب، ومن بين نصائحه: أخذ نفس عميق وإغلاق العينين لتهدئة التوتر بشكل ملحوظ، وسيعزز من ذلك أيضًا التريض قليلًا، أو تجاذب أطراف الحديث مع صديق مقرب.
الإرهابيون يريدون أن يغير الناس ممارساتهم وعاداتهم؛ لأنهم يتغذون على تغيير سلوك الشعوب.
وأعطى الدليل بعض النصائح وصفها بأنها أساسيات للوقاية من التوتر العصبي؛ جاء على رأسها تجنب شرب الكحوليات أو تعاطي المخدرات، والانتظام في أداء التمارين الرياضية، وتناول الأطعمة الصحية، ويضاف إلى ما سبق التأكد من وجود وسيلة اتصال بأفراد العائلة في حالات الطوارئ؛ ما يسهم في تنمية الشعور بالأمان.
ربما يعجبك أيضًا: كيف يُستهلك الكحول في الدول العربية التي تمنعه؟
3- تمسّك بعاداتك
تقول الدكتورة «ألبانو» إن من أكبر مخاطر الاضطرابات النفسية أن يغير الإنسان عاداته وروتين يومه؛ اعتقادًا منه أنه سيصبح بذلك أكثر أمانًا، لدرجة أنه يضيِّق العالم من حوله، وللأسف هذا تحديدًا ما يتمناه الإرهابيون؛ يريدون أن يغير الناس ممارساتهم وعاداتهم، فالإرهابيون «يتغذون على تغيير سلوك الشعوب».
وضربت «ألبانو» مثلًا للتغير الذي يريده الإرهاب ويستسلم له بعض الناس، وهو أن يُحجم الإنسان عن التعامل مع الغرباء ويرفض استخدام المواصلات العامة، فمثل هذه السلوكيات يمكنها أن تزيد من حالة القلق، خصوصًا لدى الأطفال.
وأخيرًا، ينبغي إدراك خطورة الأثر السلبي لأنباء القتل والعنف على أطفالنا. لذا، إن كان لا مفر من مشاهدتهم لها، فحاول سؤالهم عن انطباعاتهم عنها؛ للتأكد من أنها لا تترك آثارًا سلبية في نفوسهم كما يحدث للبالغين.
وأتى «سين روجيرز» (Sean Rogers)، الطبيب النفسي، بخلاصة العلاجات النفسية لاضطرابات القلق، بتأكيده أن «أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على تجاوز آثار أعمال العنف هي الإنصات لهم، فالاستماع في حد ذاته علاج، بل إنه أساس جميع العلاجات النفسية».