انتشر مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي والصحف اليومية نتائج ما يدعى اختبار MESA، الذي طبقه المركز الوطني لتطوير التعليم. لن يكون هذا المقال عن الاختبار لأنه اختبار تجريبي كما صرح مدير المركز الوطني (بالتكليف)، ولأنه لا يرقى لأن يكون اختبارًا وطنيًا كما هو مرتب له. هذا المقال عن قصة المركز الوطني لتطوير التعليم منذ تأسيسه إلى ما وصل إليه اليوم، فقد لاحظت أن الكثير من المواطنين وكذلك المهتمين بالشأن التعليمي على غير دراية كافية بالمركز.
إنشاء المركز الوطني لتطوير التعليم وتجميده
في عام 2006 تقدم وزير التربية عادل الطبطبائي بمقترح لإنشاء المركز الوطني لتطوير التعليم، والذي يهدف إلى توفير البيئة المناسبة ومساندة الوزارة في تطوير العملية التعليمية. وافق مجلس الوزراء برئاسة الشيخ ناصر المحمد على العرض، وعلى إثره صدر المرسوم الأميري رقم 308 لسنة 2006 المعني بإنشاء المركز، وتكليف الوزير ليكون رئيس مجلس الأمناء الذي يعتبر السلطة العليا المشرفة على شؤون المركز.
بعد صدور المرسوم، عين الوزير غازي الرشيدي كأول مدير للمركز الوطني لتطوير التعليم. وكان من أهم المهام المطلوبة من الرشيدي وضع القانون الأساسي للمركز وإنشاء وحداته، لكن خلال أقل من سنة اصطدم المركز مع وزارة التربية حول مسألة الاستقلالية وتعمد الوزارة للتضييق على المركز وتهميش دوره، ما اضطر الرشيدي إلى تقديم استقالة مسببة في 2007 لوزيرة التربية آنذاك نورية الصبيح، مبينًا أن قيادات الوزارة لا تساعد المركز على أداء مهامه وفق ما جاء بمرسوم الإنشاء.
بعد استقالة الرشيدي لم تعين الوزيرة مديرًا جديدًا للمركز، الذي ظل مجمدًا عن العمل طيلة ثلاث سنوات.
عودة المركز الوطني لتطوير التعليم في حلة جديدة
لم يعد المركز الوطني لتطوير التعليم مجددًا إلا في عام 2010، حينما قررت وزيرة التربية آنذاك موضي الحمود تعيين رضا الخياط مديرًا له. وكان ذلك تزامنًا مع انطلاق المشروع المتكامل لتطوير التعليم بالتعاون مع البنك الدولي، وهو ما قد يفسر عودة المركز مجددًا، وحصر أعماله فقط في ما يتعلق بالمشروع المتكامل، وبهذا لم يعد له أي دور رقابي على العملية التعليمية بخلاف ما نص قانون إنشائه عام 2006.
لكن ما إن ترأس الخياط المركز وبدأ في العمل حتى عادت الصراعات مع الوزارة إلى المشهد، واحتد الصراع حول استقلالية المركز وتدخل الوزارة المستمر في أعماله، فاضطر الخياط عام 2015 إلى تقديم استقالة مسببة لوزير التربية وقتها بدر العيسى.
من المهم بيان أن التغير المستمر لوزراء التربية، ولكون الوزير هو المكلف بالإشراف على المركز، وكون ميزانية المركز ملحقة بميزانية الوزارة كما نص مرسوم الإنشاء، كان دور المركز ومساحة عمله مرتبطين بشكل وثيق جدًا بمدى قناعة الوزير الشخصية بالمركز والصلاحيات التي كانت تسنده.
بعد أقل من شهر من قبول استقالة الخياط، أصدر الوزير العيسى قرارًا بتعيين صبيح المخيزيم مديرًا للمركز الوطني لتطوير التعليم. استمر المخيزيم في العمل على استكمال مشروع تطوير التعليم، ولكن الصراع بين المركز والوزارة لم يتوقف، وهذه المرة كانت الأزمة متمثلة في عدم إدراج وكيل الوزارة ميزانية المركز ضمن ميزانية وزارة التربية. وبعد ثلاث سنوات من عمله مديرًا للمركز الوطني، قرر الوزير حامد العازمي نقل المخيزيم ليكون وكيلًا للتعليم العالي خلفًا له، بعد اختياره وزيرًا للتربية وللتعليم العالي.
مرحلة التهميش
بعد نقل المخيزيم إلى منصب وكيل التعليم العالي بدأت مرحلة تهميش المركز، فمنذ عام 2018 إلى اليوم لم تعين الوزارة مديرًا للمركز بالأصالة، وهو ما لا شك أنه يعيق المركز عن ممارسة دوره. بعد نقل المخيزيم، أصدر الوزير العازمي قرارًا بتكليف وكيل التربية هيثم الأثري بأعمال مدير المركز بالإضافة إلى أعماله، وهو ما اعتبره ديوان المحاسبة في تقريره الصادر في 2018/2017 «مخالفة للمرسوم رقم 308 لسنة 2006 الخاص بإنشاء المركز، وكذلك لأحكام مرسوم 116 بشأن التنظيم الإداري وتحديد الاختصاصات والتفويض فيها».
وعليه تقدم هيثم الأثري باستقالته، وكُلف صلاح دبشة الوكيل المساعد للمناهج التربوية بإدارة المركز إضافة إلى أعماله، وهو ما اعتبره ديوان المحاسبة مخالفًا كذلك. ومنذ ذلك التاريخ، ومع تعاقب ثلاث وزراء للتربية (حامد العازمي وسعود الحربي وعلي المضف) لم يصحح الوضع، ولم يعيَّن مديرًا للمركز بالأصالة، وهو ما يبين بشكل واضح التهميش الذي يتعرض له.
صاحَبت عملية التهميش هذه استقالات كثيرة من قيادات ومدراء إدارات المركز، مما جعله يفقد رأس ماله البشري الذي كان قائمًا عليه طيلة السنوات الماضية. والجدير بالذكر أن مرحلة التهميش لم تطل المركز فقط، بل كذلك المشروع الذي كان منوطً بالعمل عليه، وهو المشروع المتكامل لتطوير التعليم، فمنذ نقل المخيزيم إلى التعليم العالي، اختفى ذكر المشروع بتاتًا وأصبح في دائرة النسيان كسابقه من مشاريع تطوير التعليم.
مستقبل المركز
منذ إنشائه عام 2006، مر على المركز 11 وزيرًا للتربية، وثلاث رؤساء للوزراء، وتعرض للتجميد لمدة ثلاث سنوات بين 2007-2010، واستقال اثنان من مديريه لعدم تمكنهم من أداء عملهم بالشكل المطلوب وعدم استقلالية المركز، وعُين مديران (بالتكليف) على نحو مخالف للقوانين. خمس سنوات والمركز الوطني دون مدير بالأصالة، وثلاث وزراء للتربية تجاهلوا تسكين هذا المنصب القيادي الشاغر، وهو ما يعتبر تعطيلًا للمركز وأعماله، وظهرت عدة دعوات لتعيين مدير بالأصالة للمركز الوطني لتطوير التعليم.
دون حل مشكلة الاستقلالية، لا يوجد أي داعٍ لوجود المركز الوطني لتطوير التعليم.
لكن السؤال: هل تعيين مدير للمركز يحل المشكلة؟ بالطبع لا، فمشكلة المركز ليست غياب مديره، وإن كان هذا مسألة مهمة وجوهرية. المشكلة الأكبر هي تطويع المركز ليكون تابعًا للوزارة وعدم استقلاليته. دون حل هذه المعضلة، لن يتمكن المركز من أداء الدور المنوط به. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون المركز مسؤولًا عن تطوير التعليم وعن الرقابة على العملية التعليمية وهو تابع لوزارة التربية ماليًا وإداريًا.
أكبر دليل على عدم الاستقلالية هو عدم تعيين مدير للمركز من قبل الوزير. فأيًا كانت الأسباب التي دعت الوزراء السابقين لعدم تعيين مدير للمركز بالأصالة، وأيًا كانت الأسباب التي أدت إلى تجميد المركز فور إنشائه، إلا أن الوزير هو المعني بتعيين مدير للمركز، وعدم التعيين يعيق أعماله بشكل واضح.
دون حل مشكلة الاستقلالية لا يوجد أي داعٍ لوجود المركز الوطني لتطوير التعليم. ولو كان التعليم وتطويره أولوية، فلا بد من العمل على علاج الإشكالات التي واجهت المركز بشكل مستعجل، وعلى رأسها قانون إنشائه، ومنحه الاستقلالية الكاملة (إداريًا وماليًا) عن وزارة التربية، حتى يتمكن من تقديم الإسناد اللازم لتطوير العملية التعليمية.