انتشرت «التنمية البشرية» في المنطقة العربية بشكل كبير، وتزايدت أعداد من يطلقون على أنفسهم مدربو التنمية البشرية، وتزامن ذلك مع ظهور عدة مفاهيم تخدم ما يقدمه مروجو هذا «العلم»، مثل قوة العقل الباطن، وتأثير التفاؤل والتحفيز، الذي يدفع الإنسان قدمًا إلى ما يريد تحقيقه من أحلام كبيرة أو حتى مجرد أنشطة بسيطة.
في المقابل، هناك من يقللون من شأن تلك المفاهيم وينعتونها بالأوهام، بعضهم يقول هذا كرأي شخصي مبني على تجربة فاشلة في تطبيق مبادئ التنمية البشرية، ومنهم من يرفضها بعد أبحاث ودراسات مستفيضة، ومن هؤلاء «روبن خودام»، الباحث في جامعة جنوب كاليفورنيا، الذي يرى أن البحث عن التحفيز قبل بداية نشاط أو عمل معين ما هو إلا «أسطورة» لا ينبغي اتباعها، وهذا ما عرضه في مقال على موقع «سايكولوجي توداي».
تنمية بشرية: ما الذي يحدث أولًا؟
خطورة التمسك بفكرة التحفيز أن الإنسان يظل ينتظر الشعور بالتحفيز، فيضيع سنوات في الانتظار، لكن الكسل وطول الانتظار يأتي بمزيد من الكسل.
يطرح خودام في مقاله تساؤلًا عما إذا كان من الضروري لإنجاز أي عمل أن نمتلك شعور التحفيز أولًا، ويرى أن معظم الناس يؤمنون بأهمية التحفيز، لكنه في الوقت ذاته يصفه بـ«الفخ».
المشكلة حين توقف حياتك في انتظار ذلك الشعور، الذي لن يأتي إلا إذا بدأت في الحركة نحو ما تريد تحقيقه، أي أن التحفيز يأتي بعد اتخاذ الخطوات الأولى في العمل وليس قبله.
أقرب مثال على ذلك عندما تجلس في منزلك لمشاهدة التلفزيون ولا تكون لديك رغبة في الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية (الجيم)، لكنك حين تقاوم عدم رغبتك وتذهب، لا تشعر بالرضا عن نفسك فقط، بل برغبة في الذهاب إلى الجيم مرةً أخرى، وهو ما يثبت أن التحفيز لممارسة هذا النشاط جاء بعد أن فعلته.
لا نقصد بهذا الحديث أي فعل في الحياة، بل فقط الأفعال المرتبطة بقِيمك وطموحاتك في الحياة، منها على سبيل المثال أن تعيش بشكل صحي، وأن تواظب على التمارين الرياضية لمدة أربعة أيام أسبوعيًّا على الأقل، وأن تتحرك للذهاب إلى الجيم سواء أكنت في حالة مزاجية جيدة أم لا.
خطورة التمسك بفكرة التحفيز أنك، في المثال السابق، ستظل على أريكتك في المنزل تشاهد التلفزيون تنتظر الشعور بالتحفيز، لكن سيطول انتظارك، وربما تضيع سنوات من عمرك في الانتظار، فالكسل وطول فترة الانتظار يأتي بمزيد من الكسل، وربما يولِّد الإحساس بضياع العمر دون جدوى، وقد يجعلك تلجأ إلى طرق مدمرة كإدمان الكحول أو المخدرات.
اقرأ أيضًا: هكذا تنجح كتب التنمية البشرية في إقناعنا
النجاة من «فخ» التحفيز
هناك صنف من البشر يوقفون حياتهم على شعور التحفيز، ينتظرون التحفيز ليجدوا الحياة السعيدة التي يحلمون بها، دون أن يقدموا ما يساعدهم على بلوغ هدفهم، دون مزيد من التمارين، دون مزيد من الدراسة، دون بذل جهد للإقلاع عن التدخين والمخدرات، رغم أن كل ما عليك للحصول على هذا التحفيز أن تبدأ بما تريده لترى المعجزات تتحقق.
ينبغي معرفة أن الطريق إلى تحقيق الخطط لن يكون سهلًا، فالعقل بطبيعته سيحاول دائمًا جذبك بعيدًا عن جادة الطريق والالتزام بتلك الأنشطة التي ترى أنها ستنفعك، فتجد دائمًا ذلك الصوت الذي يخبرك: «سنفعل ذلك في ما بعد، ستجد متسعًا من الوقت غدًا»، أو ربما يعمل عقلك ضدك بشراسة أكبر، فيخبرك صراحةً بأنك «لن تنجح في فعل ذلك، ليس لديك من الكفاءة ما يكفي».
كل هذا ما هو إلا خدع عقلية، والطريف في أداء عقولنا أنها لا تتوقف عن الحديث معنا، لدرجة أنها تصور لنا الأهداف مستحيلةً حتى نُثبت لأنفسنا أنها ممكنة، عن طريق تحقيقها.
لتلخيص الفكرة، يمكن القول بأنه للحصول على التحفيز في حياتنا علينا أن «نأخذ خطوة إلى الأمام»، وتحديدًا في تلك الأنشطة التي تتسق مع قِيمنا وأحلامنا في الحياة، مثل إقامة علاقات أُسرية واجتماعية ناجحة، والحفاظ على الصحة، وتطوير إمكاناتنا في مسيرتنا المهنية. لو ركزت على الإخلاص في تلك الخطوة الأولى وتناسيت انتظار التحفيز، ستتيقن من أن التحفيز ما هو إلا أسطورة كبيرة.