تُعَد أنظمة الكفالة المعتمدة في دول الخليج العربي من أكثر الأنظمة تصعيبًا على العمالة المهاجرة، والتي تدخل ضمن أشكال «العبودية الحديثة»؛ لما لها من إشكاليات وما يترتب عليها من انتهاكات وضعت هذه الدول في مواجهة انتقادات من قبل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والعمالة والمهاجرين.
دون إذن الكفيل، لا يستطيع العامل تجديد أوراقه، أو تغيير وظيفته، أو الاستقالة منها، أو ترك البلاد.
تذكر «بريانكا موتبارتي»، الكاتبة في مجال حقوق الإنسان والتي تعمل على إنتاج كتاب عن العمالة المهاجرة في الخليج، إن «الكفالة نظام سلطوي في سياق الهجرة. يسمح هذا النظام للحكومات بترك مسؤولية المهاجرين في أيدي المواطنين والشركات؛ إذ يعطي الكفلاء صلاحية قانونية للتحكم في مصير العامل؛ فدون إذن الكفيل، لا يستطيع العامل تجديد أوراقه، أو تغيير وظيفته، أو الاستقالة منها، أو ترك البلاد. وحينما يرحل العامل عن وظيفته دون إذن الكفيل، يحق للكفيل إلغاء إقامته، ما يضع العامل في وضع غير قانوني داخل البلاد. وبعدما يقوم الكفيل بإلغاء الإقامة، لا يستطيع العامل الخروج من البلاد سوى عن طريق إجراءات ترحيل تعرضه تلقائيًا للحبس لمدة قد تصل إلى أسابيع أو أشهر أو سنوات».
1. ما هو نظام الكفالة؟
بحسب مركز الخليج لدراسات التنمية، فالكفالة هي «سلطة لدى الكفيل تفوق قوتها سلطة المكفول، بينما تعني «الرعاية» و«الحماية» مسؤولية يتحمّلها الكفيل مقابل المكفول. هذا الدمج والتقابل بين مبدأ السلطة غير المتساوية بين طرفين، ومبدأ مسؤولية الرعاية والحماية لطرف (يملك هذه السلطة) تجاه آخر (لا يملك هذه السلطة)، يلعب دورًا هامًا للغاية في تشكيل إدراك ووعي مواطني الخليج بعلاقتهم مع العمال الوافدين طيلة العقود الماضية وحتى الآن، إلى درجة جعلت من هذا الدمج بمثابة قاعدة بديهية يستند إليها أي تفكير في واقع هذه العلاقات ومصيرها».
2. من أين جاءت فكرة الكفالة؟
نظام الكفالة كان يهدف لأن يكون نظامًا جيدًا يُحمِّل المواطنين مسؤولية الاعتناء بغير المواطنين.
حسب ما ذكرت عالمة الاجتماع «آنه نغا لونغڤا» في كتابها «جدران فوق الرمال: الهجرة والإقصاء والمجتمع في الكويت»، فإن «فكرة الكفالة ناتجة عن تجارة صيد اللؤلؤ التي كانت تُمثِّل الأساس الاقتصادي في منطقة الخليج قبل اكتشاف النفط. كان أصحاب السفن يقومون بـ «كفالة» الغواصين في كل موسم عن طريق استخدامهم في الغوص مقابل تغطية مصروفات عائلاتهم؛ إذ يقومون باقتطاع قيمة المصروفات من أجور الغواصين في نهاية الموسم. وكان من المعتاد وقتها أن يعيش الغواصون في دائرة مستمرة من الديون، ويعود مفهوم الكفالة أيضًا إلى وقت آخر من تاريخ الخليج، حينما كان عدد السكان أقل بكثير، وبخاصة عدد الأجانب في ذاك الوقت، فنجد أن السكان المحليين كانوا يتكفلون بالواصلين الجدد ماديًا وقانونيًا مع تحمل عواقب أفعالهم، فحينما يقوم الشخص المكفول بارتكاب جريمة تحت نظام الكفالة، كان الكفيل يتحمل مسؤولية هذه الجريمة».
يقول «أظفر خان»، اختصاصي الهجرة في منظمة العمل الدولية، في حديثه لموقع «حقوق المهاجرين» إن «نظام الكفالة كان يهدف لأن يكون نظامًا جيدًا يُحمِّل المواطنين مسؤولية الاعتناء بغير المواطنين، لكنه أصبح الآن أداةً تعسفية للاضطهاد والاستغلال. ومع أن الكفلاء ما زالوا مسؤولين قانونيًا عن المهاجرين تحت كفالتهم، إلا أنهم نادرًا ما يواجهون أية محاسبة قانونية عند تجاهلهم لهذه المسؤولية القانونية عن رعاية العامل المهاجر».
3. كيف تحولت الكفالة إلى عبودية؟
تشكل العمالة المهاجرة نسبةً هائلة مقارنة بعدد السكان في دول الخليج، حيث يعيش ما يقارب 17 مليون وافد وأسرهم، تتصدرها السعودية بتسعة ملايين وافد. ويُصادر الكفيل عادةً وثيقة سفر العامل المهاجر؛ لإجباره على العمل وإرهابه من تركه، دون أن يُحاسب الكفيل على ذلك؛ فنظام الكفالة لا يضمن للعامل حق تقديم الشكوى في حال انتهاك أي من حقوقه، كما أن الكفيل يتمكن، في حال رفع دعوى عليه من قِبَل العامل، تسجيل تغيُّب أو إلغاء الإقامة، مما يدخل العامل في دوامة الحبس ثم الترحيل عن البلاد بسبب عدم شرعية بقائه بلا إقامة. وحتى في حال إعطاء إذن للعامل بالبقاء حتى البت في الشكوى، فإنه يكون مُكلِّفًا فوق طاقة العامل المادية.
تستفيد الشركات التي تتاجر بإقامات آلاف من العمالة المهاجرة من هذا النظام بقدرٍ كبير.
4. مَن هم المنتفعون من نظام الكفالة؟
تستفيد الشركات التي تتاجر بإقامات آلاف من العمالة المهاجرة من هذا النظام بقدرٍ كبير، ويأتي بعدها من المستفيدين بعض المواطنين الذين يستغلون ذلك لصالحهم في انتهاك حقوق العمالة المنزلية؛ فعند إلغاء الإقامة وتسجيل حالات التغيب، لا يؤخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت عاملات المنازل قد حصلن على حقوقهن المالية أم لا، علمًا بأن ترك العاملة المنزلية للعمل يسمى «هروبًا» ويُسجل في مركز الشرطة كحالة تغيب لا ترك للعمل. وتعد العاملات المنزليات الأكثر تضررًا من قانون الكفالة؛ فقوانين العمل التي يتم تعديلها لتحسين ظروف العمال في دول الخليج العربي تشمل العديد من العمال عدا العمالة المنزلية.
5. ماذا عن العمالة المنزلية؟
أعدَّت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرًا عنونته بـ «لقد قمت بشرائك سلفًا» ذكرت فيه العديد من الانتهاكات التي تقع بحق العمالة المنزلية في الإمارات، وتذكر في تقريرها بأنه «قد أدخلت سلطات الإمارات إصلاحات في بعض جوانب نظام الكفالة في السنوات الأخيرة، وأضافت إلى قانون العمل تدابير حماية لبعض فئات العمال الوافدين، ولكن ليس للعاملات المنزليات، وقد قالت أكثر من 20 عاملة منزلية لـ«هيومن رايتس ووتش» إن أصحاب عملهن أساءوا إليهن بدنياً أو جنسيًا، بما في ذلك تصريح إحداهن بأن صاحبة عملها لَوَت ذراعها بعنف لدرجة أنها كسرتها، وتصريح أخرى بأن صاحب عملها اغتصبها.
نظام الكفالة يحرم العامل من حرية التنقل ويجعله مملوكًا للكفيل.
زعمت أغلبية كبيرة من العاملات المنزليات اللواتي أجرت معهن «هيومن رايتس ووتش» المقابلات أن أصحاب عملهن أساءوا إليهن لفظيًا بالصياح فيهن وسبهن بأوصاف من قبيل «حمارة» و«حيوانة». وشَكَت جميع العاملات المنزليات اللواتي تحدثن إلى المنظمة تقريبًا من طول ساعات العمل، التي وصلت إلى 21 ساعة يوميًا في الحالات المتطرفة، وقالت كثيرات إن أصحاب عملهن لم يسمحوا لهن بفترات راحة أو أيام عطلة، بينما كانت الكثيرات تعملن لدى عائلات كبيرة وممتدة، ويُطلب منهن أداء أعباء متعددة مثل الطهي والتنظيف والاعتناء بالأطفال أو كبار السن والبستنة، كما اشتكت كثيرات أيضًا من إخفاق أصحاب عملهن في دفع الرواتب في موعدها أو بالكامل، بينما قالت بعضهن إنهن لم تحصلن على أية رواتب قط، لمدة تقترب من 3 سنوات في حالة إحداهن».
6. ما الذي حدث في قطر؟
تعرضت قطر للعديد من الانتقادات من جانب منظمة العفو الدولية، وبخاصةٍ فيما يخص العمالة التي تشتغل في ترتيبات كأس العالم 2022 الذي ستنظمه الدولة، وهو ما أسمته بالعمل القسري، ﻻفتةً إلى أن نظام الكفالة يحرم العامل من حرية التنقل ويجعله مملوكًا للكفيل، كما أشارت إلى معاناة الكثير من العمال من العيش في أماكن قذرة وحرمانهم من رواتبهم ومصادرة جوازات سفرهم والحرمان من العيش الكريم، بالإضافة إلى وفاة عدد 1200 منهم أثناء عملهم في منشآت المونديال، وسط لامبالاة الفيفا بهذه الظروف التي يعمل فيها العاملين على ملاعب كأس العالم.
ولتلافي هذه الملاحظات، أصدرت قطر القانون رقم 21 لسنة 2015 لتنظيم العمالة، الذي من المقرر أن يدخل حيّز التنفيذ في ديسمبر 2016، وقد عالج القانون مسألة التعاقد وتنظيم التنقل من عمل لآخر عن طريق وضع قيود محددة، بالإضافة إلى قواعد تنظيمية أخرى، إلا أن القانون لم يعالج مسألة حرية السفر للخارج دون موافقة الكفيل ولم يضع قواعد تضمن الحد الأدنى من العيش الكريم.
7. لماذا ﻻ تنجح محاولات الإصلاح؟
وسط مطالبات دولية بإلغاء نظام الكفالة الاستعبادي، قامت بعض من دول الخليج بإجراء تعديلات على النظام وإصدار قوانين جديدة توفر بعض الحقوق للعمالة، إلا أنها لم تكن كافية ولا تصل بعد لمصاف الحقوق التي توفر معيشة كريمة؛ لما لنظام الكفالة نفسه من مثالب تعطي سلطةً للكفيل على حياة العامل.
لم يقدم قانون عمال المنازل آليات إنفاذ، مثل تفتيش أمكنة العمل.
تذكر منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها العالمي لعام 2016 بشأن إصلاح وضع العمالة المنزلية في الكويت أنه «في يونيو 2015، أصدرت الكويت قانونًا جديدًا أعطى عاملات (وعمال) المنازل حقوقًا عمالية. لأول مرة يمنح القانون عاملات المنازل الحق في يوم راحة أسبوعي، و30 يوم إجازة سنوية مدفوعة الأجر، والعمل 12 ساعة يومًا مع استراحة، وتعويض نهاية خدمة مقداره راتب شهر لقاء كل سنة عمل في نهاية العقد، وعدد من المزايا الأخرى».
لكن المنظمة تضيف: «مع ذلك، تحدث القانون عن ساعات راحة دون تحديدها، كما افتقر إلى قضايا أساسية أخرى حول الحماية موجودة في قانون العمل العام، مثل العمل لثماني ساعات في اليوم، والحصول على ساعة راحة لكل 5 ساعات عمل، وأحكام تفصيلية حول الإجازات المرضية، بما فيها الحصول على 15 يوم إجازة مدفوعة الأجر، كما لم يقدم قانون عمال المنازل آليات إنفاذ، مثل تفتيش أمكنة العمل، وقد حظر القانون على أصحاب العمل مصادرة جوازات سفر العمال أو الاعتداء عليهم، إلا أنه لم يحدد عقوبات، ولا يتضمن القانون الجديد الحق في تشكيل النقابات».
أما في السعودية، فقد أثنت «هيومن رايتس ووتش» على مشروع القانون الذي أصدره مجلس الشورى للعمالة المنزلية، إلا أنها نبهت على مثالبه فيما يخص الطاعة للكفيل الواردة في القانون، وبخاصةٍ بوجود قدرٍ كبير من الانتهاكات التي تتعرض لها عاملات المنازل في المملكة، والتي أوردتها في تقرير خاص بذلك تحت عنوان «وكأنني لست انسانة».
ورغم الوعود بإلغاء نظام الكفالة من قبل الدول الخليجية، إلا أن النظام لا زال معمولًا به وساري المفعول، وهو الباب الذي من خلاله تحدث كافة الانتهاكات بحق العمالة المهاجرة.