يحتفل العالم باليوم العالمي للصحة النفسية، والمراقب للوضع العام يعي أن هناك اهتمامًا أكبر من ذي قبل بموضوع الأمراض النفسية والتوعية بها، من خلال الحملات المحلية التي نشهدها هنا في الكويت أو المبادرات التي تسعى لنشر ثقافة الاهتمام بالصحة العقلية والنفسية، مثل حملة ASAP للشيخة ماجدة الصباح، وغيرها من المساعي الإيجابية في هذا الاتجاه. كما خصصت العديد من الشركات الكبرى إجازات لموظفيها أو ندوات توعوية للاهتمام بهذا اليوم.
ويتزامن العاشر من أكتوبر (يوم الصحة العالمي) مع الضجة العالمية حول مسلسل نتفليكس بعنوان Maid، والذي لاقى رواجًا عالميًا في الأيام المنصرمة، ونشاطًا كبيرًا على وسم المسلسل عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر.
شاركت العديد من النساء حول العالم تجاربهن المماثلة لقصة المسلسل القصير الذي يحكي عن امرأة تتعرض للعنف النفسي من شريكها، مما يدفعها للهرب من المنزل وحالة الفقر التي تعيشها، هربًا نحو المجهول.
مسلسل الخادمة والعنف النفسي
يحكي المسلسل المبني على رواية بذات الاسم للكاتبة ستيفاني لاند، والتي دخلت قائمة الأفضل مبيعًا لصحيفة نيويورك تايمز، قصة الكاتبة الحقيقية في البحث عن مأوى ومسكن آمن وسط حالة من الفقر المدقع، والنوم في محطة العبارات المائية، والتنقل بين دور الإيواء والمساعدات الحكومية، وقسائم شراء الطعام المدعومة من الحكومة، والعمل كخادمة تنظيف منازل.
تكمن أهمية المسلسل ليس فقط في أنه مبني على قصة حقيقية، بل لأنه يناقش العنف النفسي خصوصًا بين الطبقات الفقيرة التي ليس لديها مكان تلجأ إليه في حال التعرض للعنف، كما يسلط الضوء على إشكالية عدم اعتراف المحكمة بالعنف النفسي كأحد أنواع العنف الأسري، الذي يشكل خطورة على حياة الأم و الأبناء. ولعل المجتمعات في غالب الأمر لا تعترف بالعنف النفسي، وغالبًا ما توصم المرأة التي تتعرض لذلك بالمجنونة، أو أنها تبحث عن شفقة الآخرين، أو ببساطة تحاول لفت الانتباه.
إلا أن كثيرين لا يعرفون أن العنف النفسي يشكل خطورة على حياة المرأة بنفس الطريقة التي يشكلها العنف الجسدي، أو قد يكون أكثر إيلامًا وأكثر قسوة، لأنه يدمر ما تبقى من شتاتها. كما أن العنف النفسي قد يكون بوابة الدخول في دوامة العنف الجسدي، كما يوضح المسلسل في حواراته.
الجدير بالذكر أنني أعددت دراسة مع حملة إلغاء المادة 153 في عام 2018 عن سلوكيات المجتمع الكويتي تجاه العنف ضد المرأة، وتبين أن 44% من العينة موضع الدراسة يعرّفون العنف الأسري على أنه عنف جسدي، في مقابل 37% ممن يعرفونه بأنه عنف نفسي. ومن جانب آخر، تبين أن 25.4% من العينة يصنفون العنف النفسي كأحد أكثر أنواع العنف انتشارًا ضد المرأة في الكويت.
لكن هل هناك تعبير وتبليغ عن هذا النوع من العنف؟ ولمن؟ وكيف يكون التعامل من المعنفات نفسيًا؟ وهل هناك من يصدقهن أو يأخذهن على محمل الجد؟ أم أن المرأة بحاجة إلى الدماء والخدوش والكسور لتستطيع تقديم إثبات حالة في مراكز الشرطة؟ وهل تدرب وزارة الداخلية منتسبيها على التعامل مع من تعرضن للعنف النفسي؟ أم ما زلنا في المربع الأول في التعاطي مع مثل هذه الحالات عند الإبلاغ، بحيث لا تُسجل القضية ولا تأخذ شكاوى المرأة بجدية؟
الدوامة والانفصال عن الواقع
المثير للاهتمام حديث العديد من النساء حول العالم عبر الوسم الخاص بالمسلسل أو تعليقًا على الكاتبة على تويتر، عن إعجابهن بطرح هذا النوع من العنف غير الظاهر للعلن والعميق جدًا في الخفاء.
ولعل القصة الحقيقية للكاتبة والمسلسل تنتهي بنهاية سعيدة، بحصولها على منحة دراسية في الأدب وفنون الكتابة وقدرتها على الابتعاد عن معنفها وشريكها السابق، مع الاحتفاظ بحضانة ابنتها، إلا أن واقع غيرها من النساء ليس بهذا الجمال أو بهذه الإيجابية. فالمرأة المعنفة جسديًا ونفسيًا في غالب الأحيان تعيش في حالة من النكران، وتدخل دوامة من الانفصال عن الواقع والأمل في التغيير وتحسين الوضع، لكن هذه النهاية ليست حتمية، وهذا ما نلتمسه في أخبار قتل النساء المتكررة وتعرضهن للعنف الأسري والتعذيب.
لذلك علينا الاهتمام بالصحة النفسية كل يوم، ودعم المبادرات التي تهتم بهذا الجانب، وتوعية الناس بأن الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، وأن العنف النفسي لا يقل ضررًا عن العنف الجسدي.