الحب ظاهرة معقدة ومحيرة، فمنذ قصائد الشعراء التي تغنت به وجعلته غاية الحياة، حتى تفسيرات العلماء الحالية التي أنزلته من كرسيه العالي إلى حيز المادية، لا تزال الآراء متضاربة بخصوص هذه العاطفة: هل هو وليد الثقافة والمجتمع؟ هل مصدره غير قابل للقياس؟ أم أن السر لا يعدو أن يكون مجرد تركيبة كيميائية بيولوجية قد يصير التحكم فيها ممكنًا، وأقرب ممَّا نتصور؟
يحاول مقال على موقع «كوارتز» استكشاف إمكانية التحكم في مشاعر الحب عن طريق نوع جديد من العقاقير، التي قد تكون حلًّا فوريًّا يعيد الزخم المفقود إلى العلاقات العاطفية، دون أن ينسى المقال الإشارة إلى الإشكاليات والعواقب الأخلاقية التي تواجه الأبحاث في هذا المجال.
مستقبل الرومانسية: ترياقٌ للحب
على عكس وصفات الحب السحرية التي لعبت دورًا رئيسيًّا في وقوع أبطال الحكايات الخيالية في الحب، يبدو أن إمكانية صنع عقار يحفز المشاعر صار أمرًا ممكنًا، ويعود الفضل إلى التقدم الهائل الذي يحرزه علم الأعصاب، وهو ما مكَّن الباحثين من بدء دراسة هذه العقاقير وآثارها على حياتنا مستقبلًا.
اقرأ أيضًا: ما لا يستطيع العلم كشفه عن مشاعرنا
يورد المقال أنه بالاعتماد على نتائج مسح الدماغ، تمكَّن بعض علماء الأعصاب من رسم خريطة لكيفية عمل دماغ الشخص الواقع تحت تأثير الحب، ممَّا يعني أن إعادة خلق نفس العمليات الكيميائية العصبية بشكل صناعي أمر وارد.
يُظهر التصوير العصبي للدماغ أن الحب ظاهرة معقدة للغاية، إذ تدخل عدة أنظمة وآليات دماغية في مختلف مراحله، ابتداءً من أحاسيس الانجذاب والشهوة، ومرورًا بدفعة المشاعر التي تغمر المُحِب خلال العلاقة العاطفية، وانتهاءً بعواطف المودَّة التي تأتي في مرحلة أخيرة مع دخول العلاقة مرحلة الالتزام والاستقرار.
ينحصر اهتمام الباحثين في المرحلة الأخيرة من العلاقة، حسب قول عالم الأعصاب «أندِرس ساندبيرغ»، بقصد تجديد الرومانسية التي تخبو مع الوقت. وتشير دراسات عدة إلى أن إفراز هرمون الحب (الأوكسيتوسين) يلعب دورًا محوريًّا في تحفيز المشاعر وتثبيتها لدى الأفراد الواقعين في الحب.
قد يعجبك أيضًا: كيف يستجيب دماغ الإنسان لرؤية حبيب سابق؟
حاضر الرومانسية: أقراص وأعشاب الحب
هناك عقاقير متاحة بالفعل حاليًّا بحسب المقال، سواءً بشكل قانوني أو غير قانوني، تحفز تحرير هرمون الأوكسيتوسين المسؤول عن بقاء الحب زمنًا طويلًا. إضافةً إلى هذا، يرجَّح أن ثمة عددًا لا بأس به من التجارب تُجرَى على مواد مثل «MDMA» و«الآياواسكا» و«رذاذ الأوكسيتوسين»، لمعرفة إمكانيات استخدامها كمحفزات لمشاعر الحب، رغم عدم وجود نتائج حاسمة توضح آثار استعمالها.
يُحتمل ظهور عقاقير «مضادة للحب»، لمساعدة الأشخاص على ترك العلاقات العاطفية المؤذية.
يؤكد ساندبيرغ أن تأثير العقاقير المتداولة في الوقت الحالي قصير الأمد، وأنها ليست فعالة في تعزيز الرومانسية على المدى الطويل، ولا بد من تدخل اختصاصيين مدربين لخلق تأثير أفضل. وبحسب كلامه، يحتاج الدماغ إلى التدرُّب على تحرير هرمون الأوكسيتوسين عند لقاء شريك الحياة فقط، وليس بصورة اعتباطية، كما يتوقع زيادة عدد الأدوية التي تؤثر على مستويات الأوكسيتوسين في المستقبل القريب.
قد يهمك أيضًا: مستقبل الجنس: هكذا حطمت التكنولوجيا المسافات والقدرات المحدودة
معضلة «من يستحق أقراص الحب؟»
يرى المقال أن هناك فرقًا كبيرًا بين التدخل الطبي لخلق مشاعر الحب، والوسائل الأخرى التقليدية لتحسين الزواج، مثل السفر أو زيارة استشاريي العلاقات، تمامًا كما يوجد خط فاصل بين التدريب البدني المكثف واستخدام المنشطات لتعزيز الأداء الرياضي، إذ مَن سيرغب في بناء مشاعره كلها على بعض العقاقير؟
العلاقة التي تحتاج إمدادات ثابتة من عقارات الحب لتستمر، ربما يجب أن لا تستمر.
يجب استخدام عقاقير الحب في حالات محدَّدة فقط، بحسب أندرس ساندبيرغ، خصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العلاقات الرومانسية ليست إيجابية دائمًا، ولذلك يُحتمل ظهور عقاقير «مضادة للحب» لمساعدة الناس على ترك العلاقات العاطفية المؤذية، بالإضافة إلى المساعدة في تخطي تجارب الانفصال أو الطلاق المريرة.
اقرأ أيضًا: كيف تعرف أنك متورط في علاقة تؤذيك عاطفيًّا؟
وبغض النظر عن العلاقات التي تكون مؤذية بوضوح، يشير المقال إلى أنه يكون من المستحيل عادةً معرفة إذا كانت العلاقة بين طرفين تستحق محاولة إنقاذها أم لا، فبعض الأزواج ينفصلون ويحملون معهم شعورًا بالأسف يستمر إلى الأبد، بينما يتجاوز آخرون مشاعر الحزن التي تلي الانفصال بسرعة، ويكتشفون شغفهم الحقيقي وينشئون صداقات جديدة، أو يقعون مجددًا في حب شخص آخر.
يعني هذا أن العلاقة التي تحتاج إمدادات ثابتة من الأوكسيتوسين لتستمر، ربما يجب أن لا تستمر، وقد يكون من الأفضل إنهاؤها فورًا، بدلًا من اجترار مشاكلها ومآسيها يومًا بعد آخر.
قد يهمك أيضًا: الرومانسية الحالمة قد تفسد صحتك
لذلك، عوضًا عن إضاعة هذه العقاقير على علاقات لا مستقبل لها، ينبغي أن نركز اهتمامنا على العلاقات الرومانسية الوثيقة التي تحتاج إلى بعض التأجيج لا غير، لكن هذا ليس أمرًا يمكن التأكد منه ببساطة.
تبقى هذه المسائل الأخلاقية مطروحة على الساحة عند الحديث عن عقاقير الحب، وهو ما قد يؤدي إلى تأخير دخولها سوق العرض والطلب، إضافةً إلى أن معرفة محلها في حياتنا، وأين تندرج بالضبط في العلاقات العاطفية، ستبقى كلها تحديات تواجه الباحثين باستمرار.
شوف الشاري مين: العلم يسابق الزمن لتخليق عقاقير الحب