هل أنتَ تائه؟ ألا تعلم مغزى حياتك والغاية من وجودك؟ أتظن أن وظيفتك هي ما يمنح حياتك معناها؟ ماذا لو أغمضت عينيك وفتحتهما لتجد نفسك في عالم لا عمل فيه؟ كيف ستتمكن عندها من الإجابة على السؤال الذي يسبب لك الأرق دومًا: ما الهدف من حياتي؟
قد يساعدك المقال المنشور على موقع «New York Magazine» في الوصول إلى إجابة.
الخلطة السحرية لحياة هادفة
منذ ظهور حركة الإصلاح الديني في الغرب، صار العمل هو ما يمنح القيمة والمعنى للحياة، ووثَّق أحد المؤرخين المعاصرين هذه الحالة فكتب قائلًا إن مكان العمل هو حيث تكون على حقيقتك، وإن العمل، رغم متاعبه، يعطي المعنى والهدف والنظام لحياتنا اليومية، كما أظهر استطلاع رأي أن 50% من الأمريكيين يستمدون هويتهم من وظائفهم.
إذا كانت وظائفنا هي ما يمنح وجودنا معنًى، فما العمل حين ندرك أن تطور التكنولوجيا يهدد قسمًا كبيرًا منها؟
كيف سنوجد معنًى لحياتنا حين تسلب منا التكنولوجيا وظائفنا في المستقبل؟
تتجه كثير من الصناعات إلى استخدام طُرُق عمل آلية، ويقدِّر علماء الاقتصاد في جامعة أكسفورد أن 47% من القوى العاملة مُعرَّضة لفقدان وظائفها في العشرين سنة المقبلة لصالح الآلات، إذ سيتولى الكمبيوتر أداء كل مهامهم.
بحسب المقال، لن يقتصر هذا الغزو التكنولوجي على الوظائف البسيطة التي لا تتطلب كثيرًا من المهارات، فقد تعلمت الآلات في السنوات العشرة الأخيرة أن تفهم اللغة البشرية وتقرأ تعابير الوجه وتحدد نوع الشخصية وتُجري المحادثات. وفي وقت قريب، قد يستولي الإنسان الآلي على مهن الصحفيين والمحللين الماليين والعاملين في مجال التأمين، بل وممثلي السينما كذلك.
يثير هذا العالَم المستقبلي كثيرًا من الأسئلة، فكيف سيدبر العاطلون عن العمل دخلًا يكفيهم؟
بدأ السياسيون ورجال الاقتصاد بحث هذا السؤال فعلًا، وفكروا في إمكانية تحديد المقدار العادل للدخل الأساسي وتطبيقه عالميًّا، أو على الأقل إعفاء الرواتب من الضرائب والخصومات. لكن السؤال الآخر الذي يبلغ القدر نفسه من الأهمية هو: كيف سيتمكن الفرد من إيجاد معنًى لحياته حين تُسلب منه وظيفته مستقبلًا؟
يورد المقال رأي «فيكتور فرانكل» في المسألة، وهو طبيب نفسي بولندي شهير وأحد الناجين من الهولوكوست. قال فرانكل في كتابه «الإنسان يبحث عن المعنى» إن الهدف الحقيقي من الحياة يكمُن في سُمُوِّ الفرد على ذاته والاتجاه إلى خدمة العالم، فحين يقول الناس إن حياتهم ذات معنى، فإنهم يعنون أن حياتهم لها قيمة، وأنها جديرة بالاهتمام لأنها جزء من شيء أكبر منها.
هل يبدو لك هذا كلامًا مجردًا؟
لنرَ كيف يمكننا إذًا صياغته مجددًا في نقاط بسيطة تُطلعنا على معنى حيواتنا في عالم لا عمل فيه، فبحسب المقال، سيتلخص هدف الحياة حينئذ في غايتين:
1. تطوير المهارات الشخصية
كتب الفيلسوف أرسطو منذ ألفي عام عن كيفية حصول الإنسان على حياة هادفة بالسعي إلى التميز، لكنه استطرد مشيرًا إلى أن التفاني في ممارسة العمل الفني أو الفكري أو الرياضي لن يحقق للإنسان المتعة على الدوام، لأن «الحياة الفاضلة تتطلب مجهودًا، ولا تتكون من التسلية».
لا يهم نوع النشاط الذي ستمارسه بدلًا من عملك التقليدي، بل المهم أن لا تمارسه بغرض الإعلاء من قدر نفسك.
نشرت مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي دراسة أجرتها عالمة النفس الأمريكية «كارول ريف»، استطلعت فيها آراء 300 شخص لتصل إلى أسباب السعادة، وأثبتت أن الأشخاص الذين يطورون أنفسهم على نحو مستمر، ويلحظون انعكاس ذلك على مهاراتهم الشخصية، يرضون عن حياتهم بنسبة كبيرة ويملكون قدرًا عاليًا من احترام الذات، وهو ما يفتقده أولئك الذين لا يسلكون المسار نفسه.
قد يعجبك أيضًا: من الكولومبيين إلى العرب: هكذا أصبحنا سعداء
وأوضح بحث آخر عن سيكولوجية السعادة أن الأفراد الذين يكرِّسون جهودهم لأجل نشاط ما، بغض النظر عن مقابله المادي، يشعرون بالرضا والسعادة لفترة أطول.
كذلك، أجمع مئة من الشخصيات المتميزة في مجالات علمية وفنية مختلفة على أنهم لم يتوصلوا إلى الهدف من حياتهم إلا عندما سخَّروا أنفسهم بالكامل لأجل ما يحبونه وفقدوا أنفسهم فيه.
لا يهم نوع النشاط الذي ستتجه إليه بدلًا من عملك التقليدي، سواءً كان الجري أو النحت أو الطهي، إنما ما يهم حقًّا أن تحترم قواعده وتقاليده، وتسعى لتحقيق التقدم فيه على المدى الطويل، ولا تمارسه بغرض الإعلاء من قدر نفسك، وإنما للخروج من ذاتك نهائيًّا والاندماج في هذا النشاط بشكل كُلِّي.
اقرأ أيضًا: ما الهدف من حياتك؟
2. مساعدة الناس
لا تحتاج بالضرورة إلى الانغماس في العمل من أجل إضافة قيمة لحياتك، فقد يدفع بك العمل الخيري إلى استشعار هذه القيمة بطريقة أكثر فعالية وتضمن استمرار شعورك بالسعادة لفترة أطول. التطوع لأي عمل خيري، أو حتى الأفعال الطيبة البسيطة مثل كتابة خطاب تقدير وعرفان لشخص ما، كلها قد تُسهم في إحساسك بالمعنى.
يبدأ طريق تحقيق حياة هادفة حين يتخلى الإنسان عن التفكير في ذاته ويشرع في خدمة مَن حوله.
أكد بحث بعنوان «المشاركة الاجتماعية تزيد من معنى الحياة» هذه النظرية، فقد سأل الباحثون ما يزيد عن 400 شخص يشاركون بانتظام في أنشطة تطوعية عن القيمة التي يشعرون أنها أُضيفت إلى حياتهم، وأظهرت النتائج أنه كلما زادت الأعمال الخيرية للفرد، ارتفع إحساسه بوجود معنًى في حياته.
وفي دراسة أُخرى، اختار الباحثون مجموعة أشخاص وقاسوا مقدار إحساسهم بقيمة حياتهم، ثم أشركوا نصفهم فقط في أنشطة خيرية فلاحظوا زيادة شعورهم بوجود معنًى لحياتهم، بخلاف الآخرين. يدل هذا على وجود علاقة وطيدة بين عمل الخير والشعور بوجود هدف لحياة كل فرد، لكن الآلية التي يحدث بها هذا التأثير لا تزال مجهولة.
يزيد فعل الخير من شعور الفرد بمدى ارتباطه بالمجتمع، فحين يعمل الإنسان على إسعاد الآخرين، يضع بذلك غاية لنفسه تتجاوز ذاته الأنانية، ليُسهم في تحقيق هدف أسمى، حسبما يُرجح العلماء.
قد يهمك أيضًا: هل ينبغي أن يكون العمل الغاية الأساسية من حياتنا؟
يبدأ الطريق إلى تحقيق الحياة الهادفة حين يتخلى كل إنسان عن التفكير في ذاته، ويشرع في العمل على خدمة مَن حوله. وتصُب الأنشطة الخيرية كما تصُب وظائفنا التقليدية في صالح المجتمع، لكن هذا بشرط أن ينفصل كل فرد عن ذاته ويعمل لأجل الجماعة، وحينها فقط سيشعر بمدى أهمية حياته ونُبل الهدف الذي يعيش لأجله.