نمتلك جميعًا حاجبين، نعرف أنهما يحميان أعيننا من دخول الشظايا والأتربة والعرق، لكن هل تصورنا أن لهما غاية أخرى؟
«بيني سبيكينز»، المحاضرة في جامعة يورك والمختصة في مجال الأركيولوجيا (المعني بالبحث في الماضي وانعكاساته على تطور الحياة البشرية)، طرحت في بحثها المنشور على موقع «Sciencealert» فرضية مختلفة تخص الحواجب.
نحن نعرف بالفعل أن عقولنا المتطورة عادة ما تعكس الطرق التي احتاج أسلافنا إلى أن يسلكوها حفاظًا على بقائهم، لكن يبدو أن تشريحنا يعكس كذلك الطريقة التي نتواصل بها مع الآخرين، ونتفاعل معهم بأشكال مختلفة.
تقول بيني إن بحثها الجديد، الذي نُشره في مجلتي «Nature Ecology» و«Evolution Suggests»، يفترض أن قدرتنا على أن نبدو مخيفين أو ودودين تنعكس على عظامنا، أو على الأقل في ما يتعلق بشكل الجمجمة.
بدت الأنواع القديمة من البشر، مثل «النياندرتال»، مختلفة عنا قليلًا. لكن أكثر الفروق وضوحًا هي أن الإنسان القديم امتلك عظمتي حاجب بارزتين وواضحتين ومميزتين، وهو ما يتناقض مع جباهنا المستوية. وكان هذا الفرق بيننا وبينهم لغزًا استعصى على العلماء تفسيره، إذ إننا متشابهون إلى حد أن بإمكانهم أن يتجولوا في المترو دون أن يلاحظهم أحد، فقط لو غطوا رؤوسهم قليلًا.
لكن بيني تزعم أن البحث الأخير وجد تفسيرًا للسبب الذي يجعل الإنسان القديم يملك حافة عظمية بارزة عند حاجبيه بينما لا نملكها نحن، وهو ما ربما لعب دورًا مصيريًّا في بقاء الجنس البشري.
الحواجب: علامة هيمنة
بروز الحاجبين لدى الإنسان القديم كان يُستخدَم لهدف اجتماعي، وهو على الأرجح استعراض الهيمنة.
أظهرت إحدى الدراسات أن البشر هذه الأيام يرفعون حواجبهم دون وعي حين يرون شخصًا على مسافة بعيدة ليثبتوا أنهم لا يمثلون تهديدًا، ويرفعون أيضًا حواجبهم لإظهار تعاطفهم مع الآخرين، وهو ما لاحظه داروين في القرن التاسع عشر.
فحصت بيني عظمة الحاجب الشهيرة في جمجمة متحجرة تُعرَف باسم «كابوي 1» (إنسان روديسيا) ليعرفوا مزيدًا عن سبب وجودها.
وفق ما ذكرته بيني، استُخدِم برنامج هندسي ثلاثي الأبعاد لخلق عظمة الحاجب الضخمة في الجمجمة، وبهذا اكتُشِف أن عظم الحاجب الكثيف لا يوفر أي منفعة مكانية، أي إن مكانه في ذاته لا يمثل أي غرض، إضافة إلى كونه لا يخدم أي ميزة واضحة مرتبطة بالمضغ أو أي غرض عملي آخر، فاستبعاد عظمتي الحاجب لم يُحدِث أي تغيير في بقية الوجه في أثناء المضغ.
يعني هذا أن بروز الحاجبين لدى الإنسان القديم كان يُستخدَم لهدف اجتماعي، هو على الأرجح استعراض الهيمنة.
بالنسبة إلى نوعنا، ربما تكون خسارة بروز الحاجبين تعني أننا نبدو أقل رهبة، لكن بتطور الجبين ليصبح مسطحًا، استطاع نوعنا فعل شيء غير اعتيادي: تحريك الحاجبين بأشكال مختلفة. فرغم أن خسارة بروز الحاجبين في البداية كان بسبب التغيرات في عقلنا، أو صغر حجم الوجه، فإنه بعد ذلك سمح لحاجبينا بإطلاق إشارات مختلفة وودودة تجاه من حولنا.
اقرأ أيضًا: ليست مجرد جملة شعرية: عيوننا حقًّا تقول كل شيء
التعبير عن الانفعالات
تاريخيًّا، هذه التغييرات الملحوظة حدثت عندما ظهرت تغييرات اجتماعية مهمة، هي بشكل أساسي التعاون بين المجموعات بعيدة الصلة.
كان هذا هو الوقت الذي بدأت فيه المجموعات البشرية الحديثة تبادل الهدايا عبر المناطق الكبيرة، وساعدت إمكانية خلق صداقات عبر المسافات البشرَ الأولين على استعمار بيئات جديدة، بما أنهم صار لهم أصدقاء يمكن الاعتماد عليهم.
عاش الإنسان الحديث أيضًا في جماعات أكثر تنوعًا وضخامةً من النوع السابق، الذي قل فيه التهجين أو التزاوج، لذا كان أثر العلاقات الودودة والدعم المتبادَل مع أشخاص خارج مجموعاته أمرًا بعيد المنال.
لكن هذه التغيرات لم تكن حصرًا بين البشر، فالتطورات التي شوهدت في سلالات الذئاب التي تطورت لتصبح كلابًا مستأنَسة يمكن أن تتشابه معها بشكل ما. فالكلاب لها ذيول متدلية ووجوه مسطحة أكثر من أسلافها الذئاب، والكلاب القادرة على أن تبدو أكثر ظرفًا برفع حاجبها، تكون على الأرجح أكثر حظًّا في أن يقع الاختيار عليها في الملاجئ.
يبدو أن الأمر متشابه في البشر والكلاب: كلما كنت قادرًا على التعامل مع الآخرين امتلكت مفتاحًا للبقاء.
أما بالنسبة إلى أسلافنا، فتطوُّر الحواجب صفة مهمة في التعبير عن الود، وجزء من عملية ترويض الذات، ويعكس جزءًا مهمًّا من الطريقة التي تعمل بها عقولنا البشرية، وكذلك أجسادنا وتشريحها.
كل ما نحن عليه هو نتيجة نجاح وسائل مختلفة تهدف في النهاية إلى تحقيق أفضل قدر ممكن من التواصل مع من حولنا.
عن طريق الحواجب استطعنا كبشر تعزيز مهارات التواصل بيننا، والتعامل مع بعضنا بطرق أعمق وأقوى، وهو ما كفل لنا مساحات جديدة من التفاهم والتفاعل الإنساني، لولاها لانتهى أمرنا على كوكب الأرض منذ آلاف السنين.