تحكم الأغلبية المسلمة دول الوطن العربي، ورغم وجود أقليات غير مسلمة فإن القوانين في الغالب تُصاغ بحسب العادات الإسلامية وما تقننه الأغلبية، ومن ذلك القانون الذي يعاقب المجاهرين بالإفطار في نهار رمضان.
تفرض عدة دول عربية ذلك القانون، لكن بعضها تخصصه للمسلمين وحدهم مثل المغرب وعمان، والأخرى تترك الأمر مفتوحًا ليشمل جميع من يعيشون على أرضها، مثل الكويت والسعودية وقطر والأردن.
ويُعاقَب المجاهر إما بالحبس أو الغرامة أو الجَلد والإبعاد، كما في السعودية، ممَّا يضعنا أمام سؤال: لماذا يتضايق المسلمون إلى هذه الدرجة من المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان؟
أيها المجاهرون بالإفطار، لا تخدشوا صيام المسلمين
يرى المؤيدون لهذه القوانين أن المجاهرة بالإفطار تخدش صيام الصائم، وفيها ما يزيد عليه حمل الصوم وتعبه، كما أن الصبغة الإسلامية للدول تحتم على المرء إن كان مسلمًا أن لا يجاهر بمعصيته، وإن لم يكن مسلمًا أن يحترم الأغلبية، لأنها تشكل الآداب العامة للدولة التي يجب المحافظة عليها.
الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء المصرية، قال إن المجاهرة بالإفطار خلل في السلوك ونزع للحياء، كما أكدت مجموعة من علماء الأزهر وأفتت دار الإفتاء بأن المجاهر يعبث بشعيرة مهمة من الدين ويخل بالنظام العام ويعتدي على قدسية الإسلام.
وأعلنت شرطة دبي، وهي المدينة التي يكثر فيها السياح الأجانب، أن احترام الشعائر الدينية وعدم التدخين وتناول الطعام في الأماكن العامة يحافظ على مشاعر المسلمين.
قد يعجبك أيضًا: رحلة في أركان الدين منذ آدم حتى الإسلام
ما الحكمة من الصيام إذًا؟
يطالب رافضو هذه القوانين باحترام حق الأقليات في ممارسة حياتهم الطبيعية، خصوصًا أنها لا تؤثر على صيام المسلمين، فادعاء خدش الصيام لا صحة له مع وجود هذا الكم الإعلاني الكبير عن المنتجات الغذائية في كل الأماكن العامة، كما أن المسلسلات، التي تعتبر تقليدًا في الشهر الفضيل، تمتلئ بمشاهد تناول الأطعمة، فكيف تختلف مجاهرة الفرد بإفطاره عن هذا كله؟
لماذا مِن شأن شخص مجاهر أن يجرح صيام مسلم، وليس من شأن الإعلانات والأعمال الفنية أو تناول الأطفال لأطعمتهم أن تفعل؟ لماذا لا يتضايق المسلمون في الدول الغربية من المجاهرة بالإفطار؟ كيف لا يُخدش صيام المسلم الغربي أو العربي المهاجر في تلك الدول، في حين من السهل أن يُخدش في الدول العربية؟ هل إيمان المسلم بشعيرة الصيام رقيق إلى هذه الدرجة وقابل للخدش؟
أَوَليست الغاية من الصوم التحمل ومجاهدة النفس وتعويدها على كبح جماح رغباتها؟ أَوَليس الهدف حفظ النفس وصون الجوارح وأن يكون رمضان فرصة للتدريب على ذلك؟ لقد استبدلت تلك القوانين بمسألة «تطويع النفس» تطويع المحيط بهم، وعلى هذا فما الحكمة من الصيام إذًا؟ أهو مجرد جوع وعطش؟
إن مسألة منع المجاهرة لا تمُت لمشاعر المسلمين بصلة، بل هي قشرة ناعمة تغطي حقيقة رغبة الأغلبية في السَّطوة وإثبات القوة وفرض السُّلطة فقط.
قد يهمك أيضًا: الإسلام الوسطي مجرد أسطورة: الشعراوي نموذجًا
صراع المدنية والدينية
يجب أن تراعي الدولة جميع أطياف مواطنيها، ولذلك فإن حرية الفرد غير المسلم لا تقل أبدًا عن حرية المسلم، إلا أننا في الوطن العربي نعاني صراع هوية بين مدنية الدولة وتدينها، أي أن هناك بناءً مدنيًّا في أغلب دولنا إلا أن الأعراف الدينية تحكمه، وذلك يخلق تناقضًا مشوهًا في النظام القانوني فيها.
معظم غير المسلمين في دول الخليج، الأكثر تشددًا في الدين وذات الأغلبية المسلمة الساحقة، ليسوا مواطنين من حاملي جنسية الدولة، لهذا تتوحش تلك الدول أكثر في حق من لا يلتزم بهذه القوانين.
يجب تعديل ثقافة المجتمعات العربية القائمة على ديكتاتورية الأغلبية وعدم قبول الآخر.
يثير عدم تقبل التنوع الديني في الخليج مخاوف كثير بين المواطنين الذين لهم معتقدات مختلفة عن الأغلبية المسلمة، خصوصًا مع تصاعد موجة اللادينية والإلحاد بين شباب هذه المجتمعات.
يكشف الصيام أزمة عدم تقبل الآخر بشكل جلِيٍّ، بحيث يُضطر هؤلاء الشباب للتخفي وتناول الأطعمة سرًّا في عملية إخفاء كامل لمعتقداتهم، كما يُهدَر حق المواطنين من غير المسلمين ويُجبَرون على اتباع قواعد دينية لا يؤمنون بها.
اقرأ أيضًا: عواقب الإلحاد في القوانين العربية
المشكلة الكبرى هي ارتفاع درجات الحرارة بشكل شديد وقاسٍ في منطقة الخليج، خصوصًا أن رمضان في الأعوام الماضية والقادمة يحلُّ خلال فصل الصيف، ويعمل كثير من غير المسلمين تحت حرارة الشمس ليكنسوا الشوارع ويشيدوا المباني، فلماذا لا يُتاح لهم الإفطار؟
ربما يجب على مؤسسات المجتمع المدني التي تؤمن بالتعددية الدينية وحرية العقيدة أن تتكاتف في سبيل تغيير مثل هذه القوانين، وتعديل ثقافة المجتمعات القائمة على ديكتاتورية الأغلبية وعدم قبول الآخر.