كيف يمكن أن يهتم طلبة المدارس بالكتابة؟

الصورة: كونا - التصميم: منشور

خولة العتيق
نشر في 2021/10/07

يتركز اهتمام الطلاب الأول والأخير في المدارس وخصوصًا في المرحلة الثانوية على تحصيل الدرجات العالية، غير مبالين بتعلم المهارات المهمة للدراسة الجامعية والمستقبل الوظيفي، ومن أهم هذه المهارات الكتابة.

مهارة الكتابة مهمة لحياة الطلاب ومستقبلهم، إذ تدخل في جميع مناحي حياتهم، وفقا لكريستينا ريزجا الكاتبة بصحيفة The Atlantic، وهي أحد مؤسسي صفحة On Teaching التي تعرض مقالات عن الحياة المهنية للمعلمين من ذوي الخبرة في نظام التعليم الأمريكي، والمدارس التي عملوا فيها، وما شهدوه خلال هذه المسيرة.

تتحدث كريستينا في مقالها كيف تجعل الطلبة يهتمون بالكتابة عن بيريت مكامي، مديرة مدرسة Mission High School الثانوية في سان فرانسيسكو، والتي عملت كمعلمة للغة الإنجليزية وقضت 30 عامًا في البحث عن ما يساعد الشباب على رؤية أنفسهم كُتابًا.

تفتتح ريزجا مقالها بمقولة ذكرتها المعلمة مكامي لطلابها في فصل اللغة الإنجليزية في أحد أيام الخريف: «أريد أن أقول شيئًا مهمًا عن الكتابة»، مضيفة: «لقد قرأت أحد مقالاتي 20 مرة، وما زلت لا أصدق أنني ارتكبت هذا الخطأ أو ذاك».

ومن هنا تتحدث ريزجا عن الأساليب التي تستخدمها مكامي مع طلابها لعرض أمثلة في الكتابة، قائلة: «كانت غالبًا ما تشارك أحد أعمال طلابها في بداية الفصل وتعرب عن تقديرها لهذه الأعمال، فلطالما عبرت مكامي عن تقديرها لأعمال طلابها قائلة: "كنموذج لليوم، سوف أقرأ لكم مقالًا جيدًا"، ثم تضيف لطلاب الفصل: "لثقل محتواه، بالإضافة إلى الشعور بحقيقته. فهو مكتوب بشكل مرتبط مع الحقيقة"».

كتب أحد طلاب مكامي في مقاله عن ما يطمح له في حياته، وعن رغبته في أن يصبح موسيقيًا، وقارن أهدافه مع أهداف أشخاص حقيقيين وخياليين اختارهم من استبيان بحثي، الأمر الذي من خلاله رسخ في رؤية مكامي اهتمام المراهقين الذين اقتربوا من سن الرشد بدراسة رؤية الأشخاص من مختلف المناطق والثقافات للقيم مثل النجاح، والخير، والشجاعة. وبعد انتهاء مكامي من قراءة المقال لطلابها، جعلت الطلاب يناقشون الأمور التي جعلت من هذا المقال مقالًا جيدًا وناجحًا، وكذلك ناقش الطلاب المناهج التي من الممكن استخدامها في كتابتهم. ومع انتهاء النقاش وزعت مكامي أوراق العمل المتعلقة بقواعد اللغة.

طرق تعليم مهارة الكتابة

الصورة: الجريدة

تقول ريزجا عن أفضل الطرق لتعليم مهارة الكتابة: «اليوم، يتزايد الإجماع على أن الطلاب يحتاجون إلى مهارة الكتابة الجيدة للنجاح في أماكن العمل وللمشاركة الكاملة في المجتمع، لكن اختلاف المعلمين يكمن حول أفضل الطرق لتعليم هذه المهارة، فالبعض يرون أن التركيز على أساسيات قواعد اللغة من بناء المفردات، وتحديد أجزاء الكلام، وتركيب الجملة، وإتقان علامات الترقيم، يساعد في تطوير المهارة، والبعض يرون أن الطلاب بحاجة إلى المزيد من الفرص التي تسمح لهم بالتعبير الإبداعي، والذي من شأنه أن يعكس مشاعرهم وما يؤمنون به لتطور مهاراتهم الكتابية، وكذلك العمل الذي يجعلهم يرون الروابط بين أعمال الأدب العظيم وحياتهم الشخصية».

وتذكر أنه «من خلال ذلك، اتضح أن العديد من الأساليب والطرق لم تكن كافية ولم ترقَ إلى تحقيق الهدف المرجو».

تشير ريزجا إلى النتائج الحديثة الصادرة من التقييم الوطني للتقدم في مجال التعليم، وهي الجهة المختصة بتقييم وقياس قدرات الطلاب في مختلف المواضيع. وقد أوضحت الدراسة أن نتائج التقييم الأخير لطلاب المرحلة الثامنة والثانية عشرة بينت أن لديهم القدرة على الكتابة لأغراض معينة، وذلك في حال الكتابة من خلال أجهزة الكمبيوتر، والذي يساعدهم في تركيب الجمل واختيار المصطلحات. وتوضح أن «طالبًا من أربعة في الصف الثامن والثاني عشر حقق التوقعات على مستوى الصف في مهارة الكتابة. وفي الاختبارات الصفية، سجل الطلاب الأمريكيون من ذوي الأصول اللاتينية والإفريقية درجات أقل من أقرانهم من ذوي الأعراق الأخرى».

أفضل معلمي الكتابة هم من لديهم القدرة على إتقانها

الصورة: كونا

تتحدث الكاتبة عن معلمة اللغة الإنجليزية بيريت مكامي، التي «قضت 29 عامًا في العمل بمدارس أغلبية طلابها من ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية، وعلى مر السنين لاحظت أن العديد من طلابها يعتقدون أنهم لا يحبون الكتابة أو يرون أنفسهم كُتابًا غير جيدين. ومنذ أن بدأت مكامي التدريس في مدرسة لوثر بوربانك المتوسطة بسان فرانسيسكو عام 1989، عملت على تحسين الطرق والأساليب للمساعد في تغيير هذه المفاهيم الذاتية».

منحت مكامي طلابها «الشعور بوجوب الكتابة كل يوم، هذا ما تتبعه في تدريسها، إذ تجعل الطلاب يعملون على تمارين متنوعة في الكتابة، من ضمنها أوراق العمل لعلامات الترقيم، والمقالات السردية، والجدلية، والشعر، والخيال، والأوراق البحثية الطويلة، ولم تجعل من آليات بناء الجمل أو أساسيات الكتابة من أولويات التدريس»، جاعله هدفها مساعدة الطلاب على تطوير أعمالهم الكتابية وإنتاجها بجودة عالية، الأمر الذي تراه مكامي سيثبت أن الطلاب قادرين على الكتابة.

تتحدث ريزجا عن طفولة مكامي كواحدة من الطلاب الأمريكيين من ذوي العرق الإفريقي، فتذكر أن طريقتها في تعليم الكتابة تشكلت من خلال تجربتها الشخصية عندما كانت طالبة في الثانوية، فمعظم معلميها كانوا يعيدون أوراق العمل التي كانت تكتبها إليها مع ملاحظات وتعليقات حول الأخطاء التي ارتكبتها، وكانت الملاحظات والتعليقات غالبًا ما تؤثر على شخصيتها مهما امتدحو أعمالها.

«فران برادلي أستاذ الاقتصاد، أحد معلميها في المدرسة الثانوية، وحين تطرح مكامي بعضًا من الأسئلة أو تبدي ملاحظة ما في صفه، كان دائمًا ما يجعل من أفكارها موضوعًا لمناقشة حماسية، وكان غالبًا ما يقرأ من أعمالها أمام الصف».

وتشير ريزجا في مقالها إلى أن والدي مكامي أخبراها دائمًا بأنها طالبة ذكية وكاتبة جيدة، وقد بذل برادلي الجهد لإظهار أفكارها من كتابتها، على الرغم من درجات مكامي المنخفضة، الأمر الذي جعلها تشعر بذاتها وقيمتها، وبالتالي تنخرط بسهولة في الصف، وتكتب أعمالًا أكاديمية جيدة.

أهم مهارة للمعلم هي قدرته على بناء الثقة بينه وبين طالبه، والتي قد تتطور مع إحساس الطالب وشعوره بأن معلمه يسمع له ولأفكاره وتأملاته.

شكلت مكامي طريقتها في التعليم من خلال تجربتها الشخصية، فتأثرت بدراسة باحث علم النفس الاجتماعي كلود ستيل كما تذكر ريزجا، والذي اشتهر بدراسته لـ«تهديد الصورة النمطية»، وهي حالة من القلق والتوتر يؤكد فيها الشخص صورته النمطية بشكل سلبي عن المجموعة. وهي كما تذكر ريزجا شكل من أشكال المعاناة التي تؤثر بشكل سلبي على التحصيل الدراسي، إذ تثبطه وتخمده في ظروف معينة، مثل الطلاب الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية في الاختبارات مع ذويهم من البيض، والإناث في فصل مادة الرياضيات مع الذكور.

توصل بحث ستيل إلى أن الأفعال التي تصدر من المعلمين أو المرشدين من شأنها أن تزيل هذه المخاوف المعوقة للطلاب، كإشارة المعلمين في ملاحظاتهم إلى أنهم يرفعون مستوى الطالب إلى مستويات عالية، والإشارة إلى تحدي الطلاب لأنفسهم لتبديد هذا القلق.

تروي ريزجا قصة باولو رودريغيز، أحد الطلاب السابقين لمكامي، والذي انتقل من غواتيمالا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2009، ولا يزال يتذكر النجوم التي وضعتها معلمته بجانب بعض الأجزاء من أول مقال كتبه في صف مكامي. كانت ملاحظاتها التي دونتها على ورقة كتابته تقول: «هذا مثير للاهتمام، لم أكن أفكر فيه بهذه الطريقة أبدًا. أنا مفتونة جدًا بالنقطة التي طرحتها هنا، هل يمكنك إخباري بالمزيد عما تعنيه؟».

وتكمل قائلة: «في الماضي، كانت درجات رودريغيز في الكتابة غير مرضية أو مرضية نوعًا ما، وكانت أوراق العمل التي يكتبها غالبًا ما تعود إليه مليئة بالتصحيحات في القواعد النحوية. أما الآن فهو في الثالثة والعشرين من عمره ويعمل مستشارًا للشباب، وقد أخبرني أن هذا الأمر جعله غير متفائل بقدرته على الكتابة، وذكر أن المعلمة مكامي ساعدته في تعلم مهارات التعامل مع نقاط ضعفه، لكنها "رأت نقاط قوتي، وهذا ما جعلني أشعر بالحماس، وجعلني أرغب في كتابة مقالات من شأنها أن تعجب المعلمة مكامي أكثر من أي شيء قرأتْه على الإطلاق، وبدأتُ أقضي وقتي في المكتبة وأعيد كتابة أعمالي"».

تكمل ريزجا حديثها عن مكامي قائلة إنها ترى أن «أهم مهارة للمعلم هي قدرته على بناء الثقة بينه وبين طالبه، والتي قد تتطور مع إحساس الطالب وشعوره بأن معلمه يسمع له ولأفكاره وتأملاته، بالرغم من التحديات التي تواجه الطلاب مع قواعد اللغة، ومع الدرجات المنخفضة أو درجات الاختبار في الفصول السابقة، الأمر الذي لا يجعل المعلمين يخففون من ردود أفعالهم بمديح وهمي». ولكن مكامي تعتقد أن المدارس عليها أن تساعد المعلمين في تطوير مهاراتهم لمعرفة ما يعرفه الطلاب في فصولهم الدراسية، بدلًا من التركيز على ما يعرفونه، ومن ضمنهم الطلاب من ذوي الإنجاز المنخفض.

قواعد اللغة والتفكير العميق

الصورة: كونا

تروي ريزجا في مقالها أن أجاني غرين، وهي إحدى طلاب مكامي وتبلغ 23 عامًا وتدرس بجامعة Jackson State University، والتي تقول إن «عدم إتقاني لقواعد اللغة والكتابة لا يعني عدم قدرتي على التفكير العميق».

كتبت غرين «واحدًا من أقوى الأبحاث التي قرأتها مكامي في فصولها، على الرغم من حصولها على درجة منخفضة في مادة اللغة الإنجليزية في مدرسة أخرى، فقد كشفت غرين في ورقتها البحثية عن إسهام الإقصاء العنصري في زيادة العنف بالمجتمعات ذات الأعراق الإفريقية، والذي ترك أثرًا على عائلتها في سان فرانسيسكو».

كانت غرين الأولى التي تحصل على الشهادة الثانوية في عائلتها، وقد كتبت أن «الصحف تتحدث عن العنف، لكنها لا تتحدث عن وباء أكبر بكثير، وهو ألم العائلات التي تُركت لتعيش مع عواقبه وآثاره»، «الألم الشخصي مرعب أكثر مما يمكن لأي ألم قد يلحق بالشخص، العنف يستمر مع العائلات ويصبح جزءًا من حياتهم، ولا أحد يشعر بالشيء نفسه، وتتوتر بذلك العلاقات الأسرية، الأمر الذي يسبب المزيد من الألم ويجعله يتكاثف مع الزمن، الألم النفسي يدمر المجتمعات أكثر من البطالة والفقر».

قرأت غرين وحللت 20 مقالًا ودراسة، وعملت على مقابلات مع الجيران، وأضافت وجهة النظر الخاصة بها إلى ورقتها البحثية. تقول ريزجا: «لم تكتب غرين قبل فصل مكامي ولو حتى ورقة بحثية واحدة». وتكشف غرين أن «الأستاذة مكامي آمنت بي ودفعتني إلى العمل بجد». وقد حصلت في نهاية المطاف على درجة ممتاز في فصل مكامي.

تتحدث ريزجا في مقالها عن أساليب مكامي التي تستخدمها في فصلها للغة الإنجليزية، فقد كانت تدرب معلمين آخرين من جميع المواد منذ نحو عقد من الزمن. وضمن التدريب، «يلتقي المعلمون في مجموعات صغيرة لمراجعة أعمال الطلاب من ذوي الإنجازات المتوسطة، الذين انتقلوا منذ وقت قريب من درجة "مُرضٍ نوعًا ما" إلى درجة "ممتاز" في مقالاتهم، أو الطلاب الذين حللوا بعض الفقرات بشكل أعمق، أو أظهرو مشاركتهم الفكرية بدلًا من المحاولة فقط للحصول على الدرجة الجيدة. وبعد ذلك يشارك المعلمون التمارين التي أسهمت في تنمية مهارة الطالب: التعليقات والملاحظات الشفهية أو الكتابية، والتعليمات الأكثر وضوحًا لأجزاء الكتابة الأكاديمية، أو قراءة عمل الطالب أمام الفصل، وغيرها من الأمور الأخرى».

تشير ريزجا إلى أن «تحليل أعمال الطلاب من ذوي الإنجازات المتوسطة (بدلًا من مجرد النجاح أو الفشل) يمكن أن يحسن بشكل كبير من فعالية المعلمين مع الطلاب من ذوي التحصيل الضعيف. إذ لاحظت مكامي أنهم حين يركزون على أعمال الطلاب من ذوي الإنجازات الضعيفة، غالبًا ما تتحول هذه النقاشات إلى مساحة لإلقاء اللوم على الطلاب أو أولياء الأمور أو غيرهم من المعلمين، أو تنحرف إلى مناقشات عاطفية حول الحياة الخاصة للطالب». وقد أظهر التركيز على الطلاب من ذوي الإنجازات المتوسطة تحسنًا ساعد المعلمين على تبديد القوالب النمطية غير المعترف بها، وتعلم كيفية ملاحظة نقاط قوتهم والعمل على تقويتها.

تختتم ريزجا مقالها بقول المعلمة مكامي إن «المهمة والهدف هو تثقيف جميع الطلاب الحاضرين وتعليمهم»، «هناك الكثير من الفرص التي أدت إلى تفويت مهارات بعض الطلاب من خلال عدم منحهم الأهمية، وذلك بعدم رؤيتهم أو سماعهم، بل وقمعهم»، «خلال سنوات وسنوات من التدريس، تعلمت أن هناك أوقات عندما يحاول الطالب إيصال شيء ما إليّ ولا أتمكن من سماع تفكيره أو فهمه في ذات اللحظة، فعليّ أن أبقيه موجودًا على قيد الحياة دون تخريبه».

مواضيع مشابهة