بعد انتشار تلك الصورة الشهيرة للمتظاهرة السودانية آلاء صلاح، تحاول صوفيا سميث غيلر في مقال نشره موقع BBC التعرف إلى السمات التي تجعل للصورة جماهيرية كبيرة.
تتساءل غيلر عن معنى كلمة أيقونة، وما الذي يتبادر إلى أذهاننا حين نسمع هذه الكلمة: أهي صورة ليز هيرلي بفستان من فيرزاتشي، أم صورة ديفيد بووي، أم صورة للمسيح مصلوبًا؟
كلمة أيقونة مشتقة من الكلمة الإغريقية eikōn وتعني صورة أو شبيه، وقد استُخدمت في القرون الأولى من المسيحية للإشارة إلى صور لشخصيات دينية كالمسيح ومريم العذراء، ولم تكن تلك الصور مبهجة فحسب، بل كانت صورًا تهذيبية ترغبك في الصلاة والالتزام، وقد كان لكل ميزة فيها، بدءًا من الألوان المستخدمة وانتهاءً بموضوعها، قيمة رمزية ربما تغيب عن بالنا اليوم في عصر وسائل الإعلام.
اخرج عن المألوف
تتساءل غيلر عن صورة المتظاهرة السودانية آلاء صلاح، التي اكتسحت شوارع العالم العربي في غضون أسبوع من نشرها، وأصبحت تجسد الثورة السودانية بأكملها. ما الذي جعلها مؤثرة؟
تجيب على هذا السؤال الدكتورة جوليا تاتيانا بيلي، منظمة الفن الحديث والمعاصر في المعرض الوطني في براغ، بقولها: «لقد أدهشتنا مصداقيتها وعفويتها في عالم مُترَع بالصور المنظَّمة».
أما الدكتورة تينا ريفرز ريان، المؤرخة الفنية ومنظمة معرض ألبرايت نوكس للفنون في بوفالو بنيويورك، فتعتقد أن قوة الصورة تكمن في هيئة آلاء صلاح، فالإشارة إلى الأعلى تدل على توجيه الطاقة إلى نقطة واحدة مركزة، بينما وضع اليد على البطن خلال الحديث يشير إلى أن كلامها صادر من أعماقها.
ثمة رموز كثيرة في تلك الصورة تنبئ عن فجر جديد للشباب في السودان، وهذا ما جعلها مثيرة ومؤثرة.
بالنسبة للمجتمع الغربي، تعكس اللقطة صورة مغايرة للصورة النمطية للمرأة العربية، وتؤيد توجهات المجتمعات الغربية للتحرر من قيود العرقية والنوع الاجتماعي. فصورة آلاء، ومثلها تمامًا صورة ليشيا إيفانز، المتظاهرة التي صارت أيقونة للاحتجاجات الأمريكية على ممارسات الشرطة الوحشية ضد الأمريكيين السود، تظهران النساء ذوات البشرة السمراء في موقف قوة واحترام، وفي هذا ثأر من التاريخ الطويل لتمجيد الرجل الثري الأبيض.
ولأن الشعب السوداني هو من نشر الصورة ابتداءً، فقد جاء صداها مستمدًا من معناها للسودانيين قبل معناها لأي أجنبي عن الثقافة السودانية.
وتذكِّرنا هيئة آلاء بالملكات النوبيات اللاتي كن يعرفن بالكنداكة، وتعكس الهوية الثقافية السودانية، وقد أضاف قرطاها الذهبيان صبغة نسوية ملكية سلطوية.
المكان والوقت المناسب
تذكر غيلر في مقالها أن المصور ألبرتو كوردا حين أراد توثيق بعض الذكريات في عام 1960 لبعض الشخصيات المهمة آنذاك، لم يكن يعلم بأنه سيلتقط الصورة التي ستجعل جيفارا شخصية معروفة عالميًا.
كانت الصورة التي عُرفت بصورة الثائر البطولي في أصلها تحوي صورة نخلة على يسار جيفارا وشخصًا آخر على يمينه، وكان جيفارا مرتديًا زيًا عسكريًا مع قلنسوة عليها نجمة، وقد رسخت هذه الصورة في أذهاننا، بل ربما عُلِّقت في غرف أبنائنا حتى صرنا نظن أن جيفارا يرتدي هذه القلنسوة دائمًا. ليست البسالة العسكرية وحدها ما يجمِّل الصورة، بل إننا نرى فيها رجلًا ذا نظرة ثاقبة حين كان ينظر للجمهور متهيئًا لإلقاء كلمة.
عدل الصورة لتمنحها معنى أكثر، وانتظر حتى يموت صاحبها
ليس من الضروري أن تكون الأيقونات صورًا صحيحة وحقيقية 100%، لا سيما إذا كان من يلتقط الصورة فنانًا لا صحفيًا. إن لم تكن تعرف صورة جيفارا التي التقطها كوردا، فبالتأكيد ستعرفها من اللوحة التي رسمها الفنان الأيرلندي جيم فيتزباتريك.
فبعد وفاة جيفارا بمدة قصيرة، صنع فيتزباتريك لوحة فنية مقتبسة من صورة كوردا رغبة منه في تخليد ذكرى جيفارا. ولم يكن استخدام اللون الأحمر فيها اعتباطيًا، فهو لون مثير للشيوعية، إنه لون الحب والتضحية والدماء. وبعد وفاته، صارت صور جيفارا شبيهة بصور جسد المسيح الهزيل بعد إنزاله من الصليب.
بالمثل، صنع آندي وارهول أيقونة مارلين مونرو بعد وفاتها بفترة وجيزة، مقتبسًا إحدى لقطاتها الشهيرة من أحد أفلامها.
بحسب كوكو ديفيز، وهي فنانة إسبانية تركز أعمالها على خلق أيقونات حديثة مستوحاة من فن البوب، فإن الصورتين مؤثرتان: «وهذا لا يعني أن تشي جيفارا كان مجهولًا قبلها لكنه أصبح أيقونة من خلال هذه الصورة، أما مارلين مونرو فقد كانت أيقونة بالفعل، وهذه الصورة جعلتها أيقونة بارزة جدًا».
اختر بطلًا
تعتقد كوكو ديفيز أن الأيقونات لا بد أن تكون لشخصيات معروفة مسبقًا، ومن اللافت للانتباه التشابه الكبير بين الملصق الفني لأوباما الذي صنعه شيبرد فيري، وصورتي مارلين مونرو وتشي جيفارا. إنه دمج للصورتين، أي دمج وارهول لفن البوب والنظرة البعيدة لثائر كوردا.
ويفسر هذا ما جعل صورة أوباما تسلب ألباب الأمريكيين، بحسب مقال غيلر، فهو شخص معروف في مجال السياسة، تحولت صورته إلى عمل فني، مما سهل رفعها في سباقات السيارات وتعليقها في الشوارع.
على الفنان أن يحترم الشخص الذي يصوره
لا يلزمك أن تحب شخصًا حتى تحترمه، بل ليس بالضرورة أن يبالي الشخص الذي تصوره أو ترسمه بما تفعل بكاميرتك أو فرشاتك حتى تحوله إلى أيقونة.
لم يكن ونستون تشرشل راضيًا عندما أراد المصور يوسف كَرش تصويره عام 1941، فبعد أن طلب كَرش من تشرشل بلباقة أن يتوقف عن التدخين، اضطر أن ينزع السيجارة من فمه، مما أغضب تشرشل حينها، وهي اللحظة التي التقط فيها كرش الصورة، وهذا ما جعلها تبدو أقل صورِه تملقًا.
«الصورة لا تُصنع في الكاميرا، وإنما في أحد جانبيها».
تقول كوكو ديفيز إنها صورة معقدة، وقد أشارت إلى أنها دائمًا ما تحترم الأبطال في أيقوناتها، لا سيما حين يكون العمل فنيًا حرًا، فهي تختار الشخصيات التي تتماهى معها مثلما فعلت في Faceless.
كان الفنانون الذين رسموا أيقونات في العصور المبكرة للمسيحية متدينين جدًا، بل إن بعضهم كانوا رجال دين، وقد كان صنع أيقونة شبيهًا بالصلاة، فبقدر الولاء للشخص يكون التفاني في العمل، وقد كانوا يحبون شخصيات الإنجيل التي يرسمونها حبًا جمًا.
يقول آندي وارهول: «في المستقبل سنكون جميعنا مشهورين لمدة 15 دقيقة»، وقد يكون في هذا إشارة إلى أن أعماله الفنية لمارلين مونرو مشوبة بشيء من السخرية لا المثالية، لكن احترامه لشخصية مونرو أصبح جليًا وحاضرًا في تعامله مع صورتها.
ويقول المصور إدوارد شتيغن: «الصورة لا تُصنع في الكاميرا، وإنما في أحد جانبيها». ولو طبقنا هذه المقولة على عالم الأيقونات الحديثة، سواء كانت مصورة أو مرسومة، سنجد فيها شيئًا من الصحة، فحتى تُصنع أيقونة في عالم مكتظ بالصور، لابد أن يكون صاحب الصورة شخصية فريدة أو أن يكون المصور الموهوب حاضرًا في الوقت المناسب.