لم يكن اسم «خه جيان كوي» مألوفًا حتى 25 نوفمبر 2018، حين أعلن العالِم الصيني الشاب نجاح أول تجربة من نوعها لتعديل جينات أجنة في الرحم.
أجرى العالِم الصيني، الذي يعمل أستاذًا مساعدًا في جامعة الجنوب للعلوم والتكنولوجيا، عملية التعديل الجيني على طفلتين توأمتين، أسماهما «لولو» و«نانا»، وفي غالب الأمر الأسماء مستعارة. حدث هذا التعديل بالكامل خلال وجودهما في المرحلة الجنينية، بغرض حمايتهما من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، عن طريق إلغاء الجين الذي ينفذ الفيروس من خلاله إلى الخلية البشرية.
لم يزل من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان العالِم أجرى العملية بالفعل، لكن الاستقبال العالمي للخبر كان سلبيًّا في غالبه، الأمر الذي يعكس حالة القلق الواضحة. أبدى كثير من العلماء ذعرهم وقلقهم من استخدام تلك التقنية دون الوصول إلى قواعد عامة تنظم هذا المسار الجديد.
رد الفعل القلِق هذا مفهوم، نظرًا لطبيعة التفاصيل التي تحيط بالعملية (أو قلة التفاصيل على نحو أدق). وعلى حد تعبير الكاتب العلمي «إد يونغ»، كان هذا الإعلان أسوأ طريقة ممكنة لتقديم تقنية التعديل الجيني الجديدة إلى العالم على الإطلاق. وفي مقاله على موقع «The Atlantic»، يشرح يونغ أسباب قلقه الشخصي من إعلان كهذا.
1. التعديل الجيني ليس حاجة طبية ملحة
ركز بيان جيان كوي على جين يُسمى «CCR5»، الذي يستخدمه فيروس الإيدز بابًا خلفيًّا للتسلل إلى الخلية البشرية.
للتغلب على نقطة الضعف في هذا الجين، حاول كثير من العلماء سابقًا أن يحصلوا على خلايا مناعية من مرضى الإيدز، ثم يثبطون عمل هذا الجين باستخدام وسائل مختلفة، وبعدها يعيدون تقديم هذه الخلايا المعدلة جينيًّا إلى الخلية البشر مرة أخرى.
لكن بالرغم من أن والد نانا ولولو مصاب بالإيدز، فإن الطفلتين غير مصابتين بالمرض. ومن ثَم، أبطل ما فعله جيان كوي عمل جين طبيعي تمامًا لتقليل الأخطار التي يمكن أن تعاني منها الطفلتان، والتي يمكن تقليلها بوسائل أخرى ببساطة، منها الجنس الآمن والأدوية المضادة للفيروسات.
حتى لو أراد العالِم الصيني تثبيط عمل الجين، فإن هناك أدوية تفعل هذا، وهي مختَبَرة طبيًّا، دون الحاجة إلى إجراء تعديل جيني غير معروف عواقبه.
النقطة الثانية، الأهم في رأي إد يونغ، أن هذا الإجراء الجيني لا يضمن المناعة الكاملة من مرض الإيدز، لأن هناك طرقًا أخرى يستطيع بها الفيروس أن ينفذ إلى الخلية البشرية.
2. لم تُجرَ العملية بشكل جيد
في أدبيات الممارسات العلمية، يتوجب أن يكون هذا النوع من الإجراءات تحت الضوء، وأن تُنشر بياناته بشكل واضح، وأن يكون هناك إشراف علمي عليه ولو حتى من الزملاء.
لكن ما جرى في تلك العملية كان ضبابيًّا ومبهمًا بشكل كبير. وحتى الشرائح الضوئية التي أعلن عنها العالِم في مؤتمره في هونغ كونغ، وصفها العلماء الحاضرون بأنها «هاوية» و«غير احترافية على الإطلاق».
على سبيل المثال، يبدو أن هذا العالِم نجح فقط في تعديل نصف جينات لولو، أما الباقي، فهي جينات طبيعية، ما يعني أنها، حتى بمنطِقه، لن تكون منيعة ضد فيروس الإيدز.
3. ليس واضحًا ما الذي ستفعله هذه الطفرات
على الأقل، هناك ثلاثة أو أربعة تغييرات كبيرة ستحدث في خريطة جينات لولو ونانا، ولا نعرف عنها أي شيء.
في المعتاد، يُجري العلماء هذا النوع من العمليات على الفئران أو حيوانات المعامل، لمعرفة ما سيحدث قبل تطبيق الإجراءات على البشر. ببساطة، نحن هنا نقامر بالنرد، ولا نعرف كثيرًا عما يحدث عندما يختفي جين بعينه أو يُضاف آخر.
تلك التغييرات، أو الطفرات، قد تستغرق دقائق أو سنين كي تظهر، ولا أحد يعرف طبيعتها، ما يثير كثيرًا من الأسئلة الأخلاقية، والمخاوف طبعًا، حول طريقة التعامل مع الأجنة البشرية باعتبارها عينات مختبَر، ما يُعد خرقًا كاملًا لكل الأعراف العلمية.
4. العملية حدثت في إطار عام من السرية
بتعبيراته التي قالها علنًا، لم يتحدث يونغ مع المؤسسة التي يعمل فيها (جامعة الجنوب للعلوم والتكنولوجيا) عما يفعله بالضبط. وحتى في الفترة التي بدأ فيها إجراء التجربة، كان حاصلًا على عطلة غير مدفوعة الأجر.
الجامعة أعلنت فتح تحقيق في المسألة، ووصفتها بأنها «خرق حاد لكل الأعراف الأكاديمية والعلمية».
الأخطر كان ادعاء جيان كوي حصوله على موافقة أخلاقية من مستشفى «شينزهين هارمونيكير» على إجراء هذه التجربة، لكن المستشفى نفت حدوث هذا، وأكدت أن التوقيع الذي كشف عنه العالِم الصيني مزوَّر تمامًا.
5. صاحب التجربة انضم لشركة علاقات عامة للترويج له
بالنظر إلى كمية المعطيات المجهولة في كل الخطوات العملية السابقة، من الغريب أن نكتشف أن العالِم الصيني كان يبذل مجهودًا حقيقيًّا في مجال العلاقات العامة.
حسبما يقول إد يونغ، انضم العالِم إلى محادثات مع عدد من خبراء العلاقات العامة، إضافة إلى طرحه سلسلة من مقاطع الفيديو على يوتيوب يشرح فيها المنطق الذي استخدمه من أجل هذا الإجراء، وكذلك الخطوات اللازمة.
كل هذه خطوات تبقى، حتى اللحظة، خالية من أي عنصر تقني علمي حقيقي.
6. علينا أن ندرس خطواتنا بعناية
لا يمكن أصلًا معرفة ما إذا كان هذا الإجراء مفيدًا من الناحية الطبية أم لا.
حتى وقت قريب، كان الإجماع العلمي في ما يخص هذه المسألة على عدم الاستعجال على الإطلاق.
كان هذا هو الحال في المؤتمر الوطني الأكاديمي للعلوم في أمريكا، الذي ناقش المسألة من كثير من زواياها، واتفق العلماء على ألا يستعجلوا الأمر، وأن ينتظروا من أجل الحصول على مزيد من النقاش المجتمعي حوله.
البيان الصادر عن المؤتمر وضَّح أن هناك احتياطات من الواجب اتباعها في ما يتعلق بمسألة التعديل الجيني، وهي أن يحدث هذا «بمنتهى الحذر»، وأن يكون «تحت رقابة واضحة وشفافية كاملة»، ولا نتجه إليه إلا «في حالة غياب أي بديل طبي آخر».
7. التناقض الواضح
في 2017، وخلال حضوره مؤتمرًا نظمه «Cold Spring Harbor»، أحد المعامل المهتمة بالعلاج الجيني وتطوراته، تحدث جيان كوي عن حالة «جيسي غيلسينغر»، التي توفيت عام 1999 بعد تعرضها لعلاج جيني فاشل.
دعا جيان زملاءه العلماء إلى توخي الحذر، والتعامل باحتراس كبير مع مسألة تعديل الجينات، لأنها حسب وصفه «شديدة الخطورة».
بالطبع، فعل جيان عكس كل هذا في تجربته.
8. من المستحيل معرفة نجاح هذا الإجراء أو فشله
ستخضع نانا ولولو للمراقبة اللصيقة حتى بلوغهما 18 عامًا على الأقل، وفقًا لكلام جيان كوي. لكن المشكلة الأساسية أن الطفلتين لا تعانيان من أي احتمالية للإصابة بمرض الإيدز أصلًا، ما يعني أنه من المستحيل معرفة ما إذا كان للعملية أي تأثير يمكن قياسه.
لو لم تُصَب إحدى الفتاتين بفيروس نقص المناعة، فإن هذا لا يعني شيئًا، ولن نعرف ما إذا كان السبب هو التعديل الجيني أو أي شيء آخر. كيف يمكنك مراقبة شيء لا يحدث؟
9. يمكن أن يحدث هذا مرات أخرى
يكشف هذا الإجراء عن هشاشة كبيرة في عالم أبحاث الطب، وبهذه الطريقة يمكن أن تجري أي مجموعة من العلماء أو الباحثين تجارب ذات خطورة واضحة دون أن يعرف أحد، ودون مراقبة واضحة لمثل هذا النوع من الإجراءات.
تعديل جيني: ما الوضع الآن؟
يشير تقرير نشرته وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» إلى أن الصين قررت إيقاف كل أنشطة العالم جيان كوي، التي قالت عنها الوكالة إنها «شديدة الخطورة على الطبيعة، وتخالف كل القوانين الصينية».
عملية التعديل الجيني بالفعل ممنوعة في عدد من الدول، مثل أمريكا، وتقننه بعض الدول مثل بريطانيا تحت ظروف محددة بدقة.
لكن بلدًا مثل الصين يمثل الجبهة الأولى لهذا النوع من الإجراءات التي تعتمد على التعديل الجيني، مستغلًا عدم وجود قوانين واضحة تتعلق بهذه المسألة.