قلق العمل الحر: ماذا يقدم لنا الفريلانس، وماذا يأخذ منا؟

الصورة: Getty/South_agency

سلسبيل صلاح
نشر في 2018/09/21

تتناقص الوظائف التقليدية بمعدل كبير، صار عاديًّا أن ينتقل الناس من العمل المكتبي إلى العمل الحر بدوام كلي أو جزئي. لا بد أنك سمعت مرة واحدة على الأقل أحد معارفك يقول إنه «فريلانسر»، ليس لعمله مواعيد ثابتة. 

في أمريكا وحدها، يبلغ عدد الملتحقين بالعمل الحر نحو 55 مليون شخص، أي ثلث القوة العاملة في الدولة.

في دراسة نُشرت على موقع «SIA»، المختص بتحليل البيانات الكبرى، لوحظ أن الجيل من مواليد 1997 إلى 2000 هو الأكثر اهتمامًا بالعمل الحر في التاريخ، وأن معدلات العمل الحر لديه الأعلى على الإطلاق.

لكن رغم مميزات العمل الحر، والوقت الذي يوفره لك، وشعورك بالسيطرة على ما تقبله أو ترفضه، فإن له نتائج نفسية غير مرغوبة.

لا توجد إحصاءات دقيقة تخص المنطقة العربية، لكن منصات العمل الحر هنا تلقى رواجًا متزايدًا بين المستخدمين، وتتنوع الخدمات التي تقدمها بين الترجمة والتحرير والكتابة والتدقيق اللغوي وتصميم المواقع والبرمجة، وغير ذلك. لدينا مواقع إلكترونية مخصصة بالكامل للعمل الحر، مثل «خمسات» و«مستقل» و«خدمتي».

يوفر العمل الحر مرونة في تحديد مواعيده بما يتناسب مع ظروف حياتك، إضافة إلى ارتفاع عائده عن الوظيفة التقليدية، ما يدفع كثيرين إلى التوجه له، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. لكن الصورة في الحقيقة ليست بالمثالية التي يُبرزها رواد فيسبوك وتويتر.

قلق العمل الحر

الصورة: Wokandapix

في عام 2005، نُشرت دراسة في دورية «Work and Stress»، فحص فيها مجموعة من الباحثين صحة مجموعة من العاملين بأعمال حرة باستخدام نموذج عدم التوازن بين الجهد والمكافأة (Effort-reward Imbalance Model)، الذي صممه «يوهانس سيغريست»، الأستاذ البارز في جامعة دوسلدورف، والمشارك في الدراسة.

اكتشفت الدراسة زيادة في نسبة التوتر تصل إلى 37% من الألمان المنتمين إلى العمل الحر الذين أُجرِيَ عليهم البحث، وأنه يوجد نمط محدد من الأمراض والمشكلات يعاني منه المستقلون، مثل الإجهاد المزمن وعدم القدرة على الراحة نتيجة ساعات العمل الطويلة والعبء غير المتوقَّع للعمل.

ظهر ما يسمى «قلق العمل الحر»، وينتج عن مخاوف مرتبطة تمامًا بنمط الحياة العملية والاجتماعية التي يعيشها الموظف الحر. وترى «أوليفيا ريان»، في مقالها المنشور على موقع «Wise Stamp»، أن هذا القلق يرجع إلى:

  • الخوف من قلة العملاء

هذا هو الخوف الأكبر لجميع المستقلين في دول العالم: عدم توفر العملاء، ما يدفعهم إلى قبول خمس مهمات أو أكثر في آنٍ واحد لتحقيق العائد الشهري المرغوب.

يحب الناس الشعور بالأمان والاستقرار، لكن المشكلة الوحيدة في هذه الطريقة أنها لا تجلب السعادة، لأنها تقود إلى لانشغال الدائم ومن ثَم خسارة الحياة الاجتماعية والوقت وزيادة ضغط العملاء.

  • ألَّا يكون جيدًا بما يكفي

يخشى الموظف الحر الفشل، ويشعر بقلة مهاراته وإمكانياته مقارنةً بالآخرين، ويقلق من أن تكون مهاراته غير ملائمة للعمل على الإنترنت.

  • شبح «الديدلاين»

حين تنتقل إلى العمل الحر، يكون الوقت رصيدك الحقيقي إلى جانب خبراتك. لذلك، فمهارة إدارة الوقت وترتيب الأولويات واحدة من أهم السمات التي يجب التحلي بها والتمرن عليها، لأنك غالبًا تعمل على مهمات كثيرة. عليك تنظيم نفسك لتنجز كل مهمة في الموعد الذي حددته للعميل.

  • العائد المتأرجح

أغلب أصحاب العمل الحر يواصلون العمل لكسب مزيد من المال بهدف توفير حياة كريمة، وهكذا يصبحون قلقين من عدم توفير المال، وهو قلق مفهوم ومشروع.

فريلانس: المشكلة حقيقية

الصورة: Lovefreund

كل هذه المخاوف تقود أصحابها إلى الإصابة بالقلق والاكتئاب أحيانًا، لكنها كذلك لا تُثني بعضهم عن خيارهم حتى لو قادهم إلى الطبيب النفسي.

يحكي «مايكل ستال» تجربته الشخصية مع الاكتئاب بسبب العمل الحر، فيشير إلى أنه ليس بمفرده، ولا أنت كذلك لو كنت تشعر بالمعاناة نفسها. تمتلئ مكاتب الأطباء النفسيين بأناس يمتهنون العمل الحر.

ذهاب ستال إلى الطبيب النفسي دفعه إلى التعامل مع مشاعره وأحاسيسه، ومَكَّنه من ضبط أفكاره، وجعله يدرك أن مشاعره هذه ساعدته ليصبح الكاتب الذي هو عليه الآن، ولم تقف عائقًا أمامه.

تتفق الطبيبة النفسية «إليزابيث كوب» مع مايكل، وترى أن نضال العاملين المستقلين حقيقي وموجود. قابلتْ كثيرًا من هؤلاء المستقلين في عيادتها، وتؤكد أن استقرار تدفق المال والعمل عليهم يُشعرهم بالارتياح ويقلل الضغط.

لا تستقر الأمور على حال. انقطاع المال مرهِق، لكن الأمر لا يقتصر على النقود. توضح إليزابيث أن كثيرين ممن تعاملت معهم يؤسسون هويتهم بالكامل على العمل، لذلك يعملون باستمرار، ويتركون الأمور الأخرى تفلت من أيديهم. وحين ينقطع العمل ويتوقفون عن الإنتاج، يدركون أن حياتهم خاوية من دونه، ولا يجدون ما يمكنهم فعله.

يؤكد «جوناثان ديتريشي»، أستاذ علم النفس التنموي، أن المنتمين إلى العمل الحر يؤمنون غالبًا بأن وجودهم بمفردهم فرصة لاكتشاف مزيد من الفرص، ما يجعل حياتهم الاجتماعية وحيدة ومخيفة.

والعمل؟

الصورة: Free-Photos

على المستقلين أن يستمعوا لقلقهم ويأخذوه بعين الاعتبار، ويتجنبوا المسكنات المؤقتة، بل يبحثوا عن حلول طويلة الأمد.

سأل مايكل في رحلته مع الاكتئاب مجموعةً من المختصين باحثًا عن علاج لدائه، وكانت «قائمة الرصيد» أحد التكنيكات التي وُصفت له. تقوم الفكرة على أن يُدوِّن الموظف الحر إنجازاته خلال مدة معينة، آخر أسبوع مثلًا، ليرصد ما حققه، فيوطد ثقته في نفسه باستمرار. لكن يُفضَّل استخدام القائمة لفترات طويلة ليرى العامل بنفسه الفرق بين ما أنجزه منذ سنة واحدة وما يقدمه الآن.

من الممكن أيضًا أن يدَّخر العامل الحر ثلث أجره ليشعر بأمان مالي طوال الوقت، لأن الشعور باليأس من الأزمات المادية يمكن أن يؤثر في عمله، سواء أدرك ذلك أو لم يدركه.

يمكن كذلك تجربة العمل الحر بدوام جزئي قبل البدء فيه بشكل كامل، لاختبار مهاراتك وقدراتك أولًا، ومعرفة ما إذا كان العمل الحر مناسبًا لك. أن تتعلم إدارة الوقت وترتب أولوياتك وتخصص وقتًا يوميًّا لنفسك، هذه هي الإنجازات التي ينتقل أغلبنا إلى العمل الحر من أجلها، إضافةً بالطبع إلى تحسين مهاراتك باستمرار.

يواجه المستقل تحديات كثيرة في العمل الحر، لكنه كذلك يعطي لنفسه فرصة العمل المستقل. وهناك إمكانية أن يتجاوز كل مشكلات العمل الحر مع الوقت، ويحولها إلى مميزات حقيقية تؤثر في حياته. فجميع الناس يواجهون تحديات في أعمالهم، لكن المستقلين يواجهون نوعًا مختلفًا من التحديات، لذلك ربما حان الوقت ليبحثوا عن طرق جديدة للتعامل معها.

مواضيع مشابهة