هل الحق في الاعتقاد مسألة شخصية؟

رسم تخيُّلي للكرة الأرضية مسطحةً كما يعتقد بعضهم.

دينا ظافر
نشر في 2018/06/02

قد تسمع كثيرًا عبارة مثل: «من حقي الاعتقاد في ما أشاء، وأنا أعتقد أن تغيُّر المناخ أكذوبة مهما يقل الآخرون». فهل من حقنا أن نعتقد في ما نريد أن نعتقد فيه، أيًّا ما يكون؟

الإجابة «لا» بكل بساطة، فهذا «الحق» يدَّعيه الجاهل إذا أعيته الحيل، وغلبته الحقائق والآراء. نحن لا نتمتع بحق مطلق في الاعتقاد في ما نشاء، فهناك قيود تحجم هذا الحق لأن آراءنا لا تخصنا وحدنا، وهذا ما يسعى مقال نُشِرَ على موقع «Aeon» إلى توضيحه.

المعتَقَد يختلف عن المعرفة

نحن نعترف بالحق في معرفة أمور معينة، وفق كاتب المقال. فمن حقك مثلًا أن تعرف الشروط الوظيفية التي تخضع لها، أو تشخيص الطبيب لحالتك، أو درجاتك في المواد الدراسية، أو اسم من يتَّهمك، وطبيعة الاتهامات التي يوجهها إليك. لكن المعتقَد يختلف عن المعرفة.

الاعتقاد في شيء يفترض أنه حقيقة، فاعتقادك في شيء يعني أنك تراه صحيحًا. كما قال الفيلسوف البريطاني «جورج إدوارد مور» في أربعينيات القرن العشرين فإنه من السخف أن تقول مثلًا: «إنها تمطر، ولكنني لا أعتقد أنها تمطر».

المعتقدات محاولة للوصول إلى الحقيقة، ولكنها لا تكرسها. يمكن أن يكون المعتقد خطأ، لا تثبته الأدلة أو التفكير المنطقي. يمكن كذلك أن يكون المعتقد منفِّرا من الناحية الأخلاقية، مثلما هو الحال مع المعتقدات التي تؤدي إلى التمييز الجنسي، أو العنصرية، أو تربية الأطفال عن طريق «كسر إرادتهم» واستخدام العنف البدني، أو التي تدعو إلى قتل كبار السن بشكل روتيني، أو اعتماد التطهير العرقي حلًّا سياسيًّا.

إذا وجدنا الأفكار التي تؤسس لمعتقد ما غير أخلاقية، فإننا لا نتوقف عند التنديد بالأفعال المحتملة التي تنبني عليها، ولكن أيضًا بمحتوى تلك المعتقدات، وعملية الاعتقاد فيها نفسها، وبالتالي الشخص الذي يعتنقها.

الاعتقاد ليس دائمًا قرارًا واعيًا

الصورة: chidioc

الاعتقاد مسألة تحكمها علاقة العقل بالعالم، فهي تعكس العالم الحقيقي من حولنا.

ربما يوحي ما سبق أن الاعتقاد فعل متعمَّد، لكن المعتقدات كثيرًا ما تكون حالة ذهنية أو موقف أكثر منها قرارًا واعيًا. بعض المعتقدات، مثل القيم الشخصية، لا نختارها بإرادتنا، فقد «ورثناها» من آبائنا، و«اكتسبناها» من أقراننا، أو التقطناها دون قصد، أو غرستها فينا مؤسسات وسلطات الدولة، أو افترضناها من شيوعها. لهذا السبب يرى كاتب المقال أن تبنيك لمعتقد معين ليس المشكلة دائمًا، ولكن استمرارك في الاعتقاد فيه، ورفضك التخلص منه بإرادتك، هو ما قد يكون غير أخلاقي.

إذا حكمنا على محتوى معتقَد معين بأنه غير أخلاقي، فيكون الظن أنه خاطئ. فالاعتقاد بأن أحد الأجناس البشرية ليسوا بشرًا حقيقيين أمر مقزز من الناحية الأخلاقية وعنصري، إضافة إلى أنه زعم خاطئ رغم أن المعتقِد فيه لا يراه كذلك. خطأ المعتقَد ضروري، وإن لم يكن كافيًا لجعله غير أخلاقي. وقبح محتوى المعتقد ليس كافيًا ليجعله غير أخلاقي. للأسف، هناك حقائق غير أخلاقية، ولكن الاعتقاد فيها ليس ما يجعلها قبيحة، فقبحها من الناحية الأخلاقية منبعه طبيعة العالم نفسه، وليس اعتقاد الشخص عن هذا العالم.

قد يهمك أيضًا: لا يجوز محاكمة الفكر: هل التكفير حرية تعبير؟

الاعتقاد انعكاس لعلاقة عقلك بالواقع

الصورة: National Gallery of Victoria

يقول المتعصب لمعتقَده: «ومن أنت لتخبرني بما أعتقده؟». هذا تحدٍّ مضلِّل، فهو يوحي بأن إقرار معتقداتنا أمر يتعلق بسلطة شخص آخر، وفي هذا تجاهل للواقع.

الاعتقاد مسألة تحكمها علاقة العقل بالعالم، وفق الفلاسفة. معتقداتنا تعكس العالم الحقيقي من حولنا، ومن هنا تحدث المشكلة، فهناك معتقدات غير مسؤولة، أو بقول آخر، معتقدات نكتسبها ونحتفظ بها بطريقة غير مسؤولة، ويحدث هذا حين نتجاهل أدلة، أو نقبل إشاعات أو شهادات من مصادر مشكوك فيها، أو نتجاهل عدم اتساق الأفكار مع معتقداتنا الأخرى، أو نتبنى تفكيرًا يغلبه التمني أو تفضيلًا شخصيًّا لنظريات المؤامرة.

يقول الكاتب إنه لا يقصد العودة إلى «الدليلية» (وهي ببساطة اعتبار معتقد ما عقلانيًّا أو مبررًا فقط إذا كان مدعومًا بدليل الشخص عليه) الصارمة للفيلسوف والرياضياتي البريطاني «ويليام كليفورد»، الذي رأى أنه «من الخطأ دائمًا، وفي أي مكان، ولأي شخص أن يعتقد في أي شيء دون أدلة كافية». كان «كليفورد» يحاول أن يحد من «الاعتقاد الزائد عن الحد» غير المسؤول، الذي لا يدفعه سوى التمني الساذج، أو الإيمان الأعمى، أو العاطفة. ولكن هذه قيود بالغة الشدة.

ردًّا على هذا، ينقل لنا المقال عن عالم النفس والفيلسوف الأمريكي «ويليام جيمس» أن بعض أهم معتقداتنا عن العالم والبشر يتحتم أن تتشكل دون إمكانية وجود أدلة كافية. في مثل هذه الظروف، فإن «رغبتنا في الاعتقاد»  تُحتم علينا أن نختار الاعتقاد في البديل الذي يَعِد بخلق حياة أفضل.

الحق في الاعتقاد ليس مطلقًا

يعتبر الاعتقاد مثل الإرادة، أساسيًّا لتحقيق الاستقلالية التي تؤسس لبلوغ الحرية.

عند استكشافه للتجارب الدينية المتنوعة يُذكِّرنا جيمس بأن «الحق في الاعتقاد» يمكنه أن يخلق مناخًا من التسامح الديني. الأديان التي تتطلب معتقدات ثابتة أو عقيدة قد تدفعنا إلى القهر والظلم في حالة غياب الاعتراف بوجود حق «متبادَل» في الاعتقاد. ولكن حتى في سياق كهذا، فإن المعتقدات المبالَغ في عدم تسامحها لا يمكن التسامح معها. الحقوق لها حدود، ويترتب عليها مسؤوليات.

المؤسف أن كثيرًا من الناس اليوم يسيؤون استخدام الحق في الاعتقاد، فلا يعبؤون بجانب المسؤولية. هذا الجهل المتعمَّد والمعرفة الخاطئة الذي تبرزه جملة «من حقي أن أعتقد في ما أريد» لا يتوافق مع المتطلبات التي حددها جيمس. فكِّر في من يُصرون على أن باراك أوباما مسلم، أو أن الأرض مسطحة، أو أن تغير المناخ أكذوبة، في هذه الحالات يكون الحق في الاعتقاد سلبيًّا، فالهدف منه إجهاض الحوار، وصرف التحديات، وحظر الآخرين عن التدخل في معتقدك. يكون العقل بهذه الطريقة مغلقًا، غير مفتوح للتعلم. ربما يكون شخص بهذه المواصفات «مؤمنًا حقًّا بمعتقَده»، ولكنه لا يعتقد في الحق.

الاعتقاد، مثل الإرادة، يبدو أساسيًّا لتحقيق الاستقلالية التي تؤسس لبلوغ الحرية. ولكن كليفورد يُذكِّرنا بأن معتقداتك ليست مسألة شخصية تخصك وحدك، فمعتقداتنا تشكل مواقفنا ودوافعنا، وترشد اختياراتنا وأفعالنا.

الاعتقاد والمعرفة يتشكلان في مجتمع يتحمل تأثيرات هذه الاختيارات. هناك أخلاقيات تحكم مسألة الاعتقاد، واكتسابها، والاحتفاظ بها، والتخلص منها، وهذه الأخلاقيات تخلق، وكذلك تحدد، حقنا في الاعتقاد. فإذا كانت بعض المعتقدات خاطئة أو منفرة أخلاقيًّا، أو غير مسؤولة، فإن بعضها خطير كذلك، ولا يملك أحد الحق فيه.

مواضيع مشابهة