رغم أنه أصبح من الفصائل المهددة بالانقراض، ووجوده على اللائحة الحمراء للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، إذ لم يتبق منه سوى 2500 غزال، فإنه لا يزال بالنسبة إلى بعضهم مصدرًا لزرق حياتهم.
على تلال جبال سلفيت شمالي الضفة الغربية، وبين أحراشها العشبية، يتجول صياد للبحث عن الثعالب الحمراء وغزلان الجبل الفلسطيني، لملاحقتها في المناطق الوعرة التي تحتاج قدرة عالية في التسلق، لاصطيادها.
رحلة شاقة
صابر س. صياد في الخامسة والأربعين من عمره. رفض الكشف عن اسمه كاملًا تجنبًا للملاحقة القانونية.
عن رحلات صيد الغزلان والثعالب، يقول صابر لـ«منشور»: «أخرج صباح كل يوم برفقة أصدقائي، إلى أماكن وجود الغزلان والثعالب التي تظهر بكثرة قرب أماكن تجمع المياه والسيول، بين النباتات العشبية والمناطق الجبلية، لشرب المياه وتناول الطعام».
يتسلق صابر قمة جبلية، وبالعين المجردة يحدد أماكن الثعالب والغزلان، ويرصد تحركاتها وأعدادها ومناطق تجمعاتها. بعدها يُجهِّز هو وأصدقاؤه بنادقهم القناصة، ويتفرقون في مناطق مجاورة لأماكن الحيوانات، ليتمكنوا من ملاحقتها في أي منطقة تهرب إليه، وبخاصة أنها تتميز بحاسة شم قوية جدًّا، وفي حال شعورها بخطر تهرب بسرعة وسط الجبال والمناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها.
تتطلب عمليات الصيد السير مسافات طويلة تتجاوز تسعة كيلومترات، للوصول إلى الثعالب والغزلان التي توجد في أماكن وتضاريس مختلفة. فالثعالب تفضل الأماكن التي تتوفر فيها النباتات العشبية والقوارض وصغار الخنازير والأرانب البرية وبعض الطيور، كطائر الحجل، لسهولة الانقضاض عليها ومهاجمتها. أما الغزلان، فتبقى فترات طويلة بين المرتفعات الجبلية التي يتوفر فيها الغذاء، كالنباتات الجافة القصيرة، وبعض الأعشاب الخضراء، وتستطيع البقاء لفترات طويلة دون شرب الماء.
عند العطش الشديد، تنزل الغزلان الجبلية إلى المستنقعات المائية للتزود بالمياه، ثم تعود إلى الجبال لتجنب صيدها أو افتراسها.
عناء رحلة الصيد التي قد تدوم عدة أيام، يزول بمجرد العودة إلى المنزل بالصيد الوفير، حيث يتواصل الصيادون مع زبائنهم لتزويدهم بكمية الغزلان والثعالب التي اصطادوها.
ثمن الغزال الواحد 2000 شيكل (600 دولار أمريكي)، والثعلب 500 شيكل (130 دولارًا أمريكيًّا)، ويزيد المبلغ أو ينخفض قليلًا، حسب حجم الغزال أو الثعلب.
أخطار كثيرة تواجه من يصيد الغزلان والثعالب، من أبرزها التعرض للاعتقال، وهو ما حصل مع صابر في أثناء مغادرته منزله إلى إحدى رحلات الصيد.
يقول صابر: «منذ إحالتي إلى التقاعد المبكر من إحدى الشركات الخاصة قبل أعوام، وأنا أصطاد الحيوانات الموجودة في فلسطين بمختلف أنواعها، ومن بينها الغزلان والثعالب، التي أصبحت مصدر رزقي وعائلتي الوحيد، لزيادة الطلب على شرائها من بعض المهتمين باقتنائها، والذين يحنطون الثعالب ويضعونها زينة في منازلهم. إضافة إلى أن بعض الكليات والمعاهد الفلسطينية يشترونها بغرض البحث والدراسة. أما الغزلان، فزبائنها يُقبلون عليها لتناول لحومها وإقامة الولائم عليها».
«وخلال ثلاثة أعوام في مهنتي بصيد الغزلان والثعالب، اصطدت أكثر من 120 ثعلبًا، و52 غزالًا من السلالات الفلسطينية النادرة التي تتميز بطول قوائمها وأعناقها ونحافة قوامها، ولونها الذي يميل إلى البني الداكن. وتنشط حركة هذه الغزلان في الصباح الباكر، وفي فترات الظهيرة تهرب من أشعة الشمس الحارقة نحو المغارات الجبلية أو لتستظل بأغصان الأشجار».
أخطار كبيرة
أخطار كثيرة تواجه من يصيد الغزلان والثعالب، من أبرزها التعرض للاعتقال على يد رجال الأمن. وهو ما حصل مع صابر في أثناء مغادرته منزله إلى إحدى رحلات الصيد قبل عدة أشهر، برفقة أصدقائه في أحد الجبال المطلة على محافظة سلفيت، حيث نصبت لهم قوة أمنية فلسطينية كمينًا في الصباح الباكر، وألقت القبض عليهم واقتادتهم إلى مركز شرطة المدينة قبل مصادرة بنادقهم وإحالتهم إلى النيابة العامة، التي قضت بحبسهم شهرين ودفع غرامة مالية 500 دولار أمريكي عن كل شخص.
لا تقتصر المضايقات على الصيادين من الجانب الفلسطيني. إذ يطلق عليهم النار حراس المستوطنات الإسرائيلية التي تحيط بسلفيت من مختلف الاتجاهات، بذريعة أن الثعالب والغزلان البرية حيوانات إسرائيلية مهددة بالانقراض، وبخاصة أن الغزلان تلجأ إلى مناطق البؤر الاستيطانية لصعوبة وصول الصيادين إليها. ونتيجة المتابعة الإسرائيلية أصيب بعض زملاء صابر عدة مرات جراء تعرضهم للأعيرة النارية، لكنهم نجوا رغم ذلك.
بعد خروجه من السجن بأسبوع تقريبًا، عاد صابر إلى الصيد رغم علمه بعدم قانونيته: «ليس أمامنا بديل. إنها مصدر رزقنا الوحيد، وأصبحنا ننتظر كل عام موعد تكاثر الغزلان في مارس وإبريل. تستمر فترة حملها من خمسة إلى ستة أشهر، لتلد أنثى الغزال مولودًا واحدًا، أما الثعالب الحمراء، فتتكاثر في شهر يناير من كل عام، وتبقى فترة الحمل لمدة 59 يومًا، ثم تضع خلالها الأنثى من خمسة إلى عشرة هجارس، صغار الثعالب التي تعتمد في بداية نموها على الرضاعة حتى 30 يومًا من ميلادها».
مهددة بالانقراض
في المادة (41) من قانون حماية البيئة الفلسطيني، يحظر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات والأسماك المحددة بلائحة هذا القانون.
عوامل كثيرة تهدد بانقراض الغزلان والثعالب في الضفة الغربية، منها الصيد الجائر والإجراءات التعسفية الإسرائيلية من خلال إنشاء الطرق الالتفافية للمستوطنات الإسرائيلية وإقامة الجدار العازل، إضافة إلى ارتفاع معدلات البناء في الأراضي والمساحات الخضراء، ووضع السموم للحيوانات الضالة، وفقًا لعماد الأطرش، رئيس جمعية الحياة البرية في فلسطين.
يوضح الأطرش أن «غزال الجبل الفلسطيني في تناقص ملحوظ. ومنذ عام 2000 كانت تحتوي الطبيعة البرية في فلسطين على أكثر من 1250 غزالًا جبليًّا. وبحسب آخر الإحصائيات المتوفرة لدى الجمعية، تناقصت أعدادها إلى نحو 300 غزال، إضافة إلى ألفي ثعلب».
تنص المادة (41) في قانون حماية البيئة الفلسطيني الصادر عام 1999، على أنه «يحظر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية والبحرية والأسماك المحددة باللائحة التنفيذية لهذا القانون، ويحظر حيازة هذه الطيور والحيوانات أو نقلها أو التجوال بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة، ويحظر إتلاف أوكارها أو إعدام بيضها».
لكن الأطرش يوضح أنه لا توجد لوائح تنفيذية فلسطينية للقانون البيئي، ويُعتمَد على القانون الأردني الصادر عام 1963، والذي ينص على تغريم الأشخاص المخالفين من 20 إلى 40 دينارًا، وهو قانون لا يشكل رادعًا حقيقيًّا أمام تجاوز المخالفين للصيد الجائر في الضفة الغربية».